الوطن – مواطنو الإمارات يتعرضون للتحقير وتكميم أفواههم. هذا ما تصولت له دراسة تم نشرها مؤخرا من قبل مركز الإمارات للدراسات والإعلام “إيماسك“. حيث نشر مقالا تحليلا يبرز فيه تعرض مواطنو الإمارات للتحقير وتكميم أفواههم، منتقدا تقصير السلطات الحكومية في حفظ كرامة المواطنين.
وأكد المركز في المقال أنه “لا يوجد شيء يعادل عزة الإنسان بعد الحفاظ على حياته مثل كرامته، والأوطان تحفظ كرامة مواطنيها. وتحافظ على نخوتهم وهويتهم”.
وقال “لا شيء يحفظ الهوية الوطنية مثلما تحفظه السلطة في كرامة مواطنيها وتجنبهم التحقير والتبخيس من انتقاص مواطنتهم إلى تكميم أفواههم”. وتابع “لا يجب على السلطة والدولة أن تدفع مواطنيها للتقليل من شأنهم وتبخيس جهودهم. فإن ذلك أسوأ من القتل، وأشد ظلمة من سواد الليل الحالك، فهي تبتلع الروح كثقب أسود لا قرار له”.
وشدد المركز على أن كرامة المواطن هي الإنسانية وبسقوطها تسقط الإنسانية في الوطن. و”نفقد بذلك الثروة الحقيقية” -كما يقول حكامنا. بل إنها ثابت من الثوابت لنشوء الحكم الرشيد وإقامتها هو ديدن الحاكم العادل.
وتقوم هذه الكرامة على أسس قوية من القيم ومبادئ العدل والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية واحترام الحقوق والحريات. والمشاركة السياسية، فتمسك الأوطان بها هي صناعة للحضارة ومن يتخلى عنها يهدمها ويدمرها.
مواطنو الإمارات ومشكلة التهميش وإنتقاص الكرامة
كما أن من كرامة المواطن وقيمة الأوطان أن يحصل أبناءه على تعليم قوي يحمي مستقبله ويعزز هويته الوطنية ويدافع عنها. تعليم يرفع من أساس الدولة وقوميتها العربية والإسلامية. ولا يعتبر قرارات السلطة بالتعلم بلغة غير اللغة الأم إلا انتقاص لها، وسلخاً للمواطن عن هويته وتراثه.
وإن تقليص ساعات دراسة اللغة العربية والتربية الإسلامية والتربية الوطنية أو دمجها كما يحدث في الإمارات ما هو إلا انتقاصاً لهذه المواد التي تشكل وعيّ الطلاب الوطني وتحمي كرامته. إن من كرامة المواطن أن يحصل على الوظيفة التي يستحقها، وأن يكون مجال عمله كافياً لإعاشته وإعاشة عائلته.
ومن كرامة المواطن أن يكون قادراً على الشعور بالآمن على أطفاله وعائلته من الثقافات الواردة والمستوردة والتغريب المستمر، أن يشعر أنه في بلده وحضنه الدافئ بتفاصيل حياته وحياة أجداده أن لا يشعر بغرابة وطنه بين دول المنطقة وكأنه في قارة أخرى ووطن آخر مختلف عن الذي عرفة.
كما أن من كرامة المواطن أن يشارك ويُستشار في صناعة اللحظات الفارقة في تاريخ بلاده، أن تستمع الحكومة والمسؤولين لما يقوله مواطنوها، واعطاءه الاهتمام الكبير حتى لو كان انتقاداً، إن إخراس أصوات المواطنين؛ لا اعتبارها مشكلة.
وذلك كما حدث -وما يزال يحدث- عندما تتخلص الحكومة وجهاز الأمن ممن أعلنوا المطالبة بالإصلاح والمنتقدين علناً لسياسة الحكومة وسحبت جنسيات بعضهم، واسكتت الباقي بالترهيب! إن في ذلك إمعاناً في استهداف الرجال وإسكات الحق وتبخيس المواطنين وعدم لثروة الدولة الحقيقية وهي مواطنوها.
إقرأ أيضا: 300 مليار دولار ثروة العائلة الحاكمة في الإمارات الشخصية
وأكد المركز أن كرامة المواطن هي انتصار للإنسان الإماراتي، وحماية لأعظم ثروة، والمال والتقدم والنهضة تُسخر في خدمته، وبدونها “فهو تقدم لصالح أولئك الذين لا يشبهوننا ولا يتحدثون لغتنا ولا يعرفون هويتنا ويمتلكون جواز السفر الذي نمتلكه، وهي مسألة وقت قبل أن يحلوا مكاننا ويفرضوا ثقافتهم التي حملوها معهم من بلدانهم، ولنا في تاريخ الدول شواهد وعبر”.
ومؤخرا أبرزت وكالة الصحافة الفرنسية “فرانس برس” الاستياء المتنامي في الإمارات من تصاعد البطالة في صفوف المواطنين الإماراتيين وفشل برامج التوطين للوظائف.
وذكرت الوكالة في تقرير لها أن هناك “استياء” في أوساط بعض المواطنين، خاصة بعدما قامت الحكومة العام الماضي بإجراء تعديلات على القانون الاتحادي يمنح المستثمرين الأجانب الملكية الكاملة للشركات الاجنبية، بدلا من حصة 49% كما كان الأمر سابقا.
وبحسب الوكالة ترك الباحث الإماراتي خليفة السويدي وظيفته الحكومية في حزيران/يونيو الماضي ولكنه يواجه صعوبات حتى الآن للانتقال إلى القطاع الخاص، مع اقتراب انتهاء مهلة حددتها السلطات لتوطين وظائف القطاع الخاص.
وكانت السلطات في الإمارات منحت مهلة للشركات الخاصة التي توظف أكثر من 50 شخصًا لضمان أن يكون ما لا يقلّ عن 2% من موظفيها من مواطني الإمارات، تحت طائلة الغرامات.
ويقول السويدي (34 عاما) “وصلنا إلى مرحلة لدينا فيها تنوع بين الإماراتيين من ناحية المهارات والخبرات. والقطاع العام لا يمكنه استيعاب الكثير من هذه المواهب”. ويتابع الشاب “يجب أن يكون القطاع الخاص أكثر استيعابا”.
الإمارات وعمالة الأجانب
وبحسب أرقام صادرة عن منظمة العمل الدولية فإن أكثر من 90% من القوى العاملة في القطاع الخاص في الإمارات تتألف من أجانب.
وتشير المنظمة الدولية إلى أن المواطنين الإماراتيين يعملون بشكل أساسي في وظائف مستقرة وذات رواتب جيدة نسبيًا في القطاع العام الواسع في البلاد. ولا تعرض شركات القطاع الخاص رواتب مماثلة.
ويقول السويدي “أقوم منذ فترة بالتقدم لوظائف لكن دون أي نتائج”. موضحا أن الكثير من المشغّلين لم يقوموا بتوظيفه كونهم افترضوا أنه سيطلب راتبا مرتفعا.
ومع اقتراب المهلة المحددة اعتبارًا من الأول من كانون الثاني/يناير 2023. تسارع الكثير من الشركات على تعيين الإماراتيين، بينما يقول الكثير من العاملين في شركات التوظيف إنهم تلقوا “الكثير من الوظائف الشاغرة” من الشركات- التي لن تتمكن الكثير منها من تحقيق أهدافها في الوقت المناسب.
ويوضح حمزة الزوالي المؤسس لشركة “ايريس اكزيكوتيفس” المتخصصة في توظيف مواطني دول مجلس التعاون الخليجي “سيكون الأمر صعبا”.
غرامات الشركات
وتواجه الشركات غير الملتزمة غرامات تصل إلى 6000 درهم (1633 دولارًا) عن كل وظيفة لا يشغلها مواطن إماراتي ضمن النسب التي حددتها الحكومة.
وتعد الإمارات مركزا إقليميا رئيسيا للكثير من الشركات العالمية. وهي واحدة من بين الدول العشر الأغنى في العالم في 2020، بحسب الأمم المتحدة.
ويقول صندوق النقد الدولي إن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بلغ أكثر من 47 ألف دولار للفرد. أعلى من فرنسا وأعلى بقليل من المملكة المتحدة.
وفيها واحدة من أدنى نسب البطالة في الشرق الأوسط، ولكن أرقام البطالة في صفوف الإماراتيين غير متاحة.
وحدد مركز دبي للإحصاء نسب البطالة في الإمارة ب 4,2% في عام 2019. مشيرا إلى أن 68% منهم لم يعملوا من قبل. ووفقا للمركز، فإنّ البطالة بين الإماراتيين في دبي ارتفعت على أساس سنوي منذ عام 2012 عندما كانت تبلغ 2,57%.
وترى الباحثة الإماراتية في جامعة اكسفورد ميرا الحسين أن هناك “استياء” في أوساط بعض المواطنين. خاصة بعدما قامت الحكومة العام الماضي بإجراء تعديلات على القانون الاتحادي يمنح المستثمرين الأجانب الملكية الكاملة للشركات الاجنبية. بدلا من حصة 49% كما كان الأمر سابقا.
وتقول الحسين “في السابق، كان بإمكان الإماراتيين غير الراغبين بالانضمام إلى القطاع الخاص الانتظار للحصول على وظيفة في القطاع العام. أو بدء عملهم الخاص أو يصبحوا الشريك المحلي بنسبة 51% في الاعمال التجارية”. وتضيف “تجفيف هذه المصادر المتعددة (..) أدى إلى تضييق الخيارات المتاحة”.
وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي منصة رئيسية لمواطنين للتعبير عن استيائهم في ما تصفه الحسين بأنه أمر نادر الحدوث، مشيرة “لم نشهد مثل هذه المناقشات العامة”.
إعلانات عمل مهينة
وبدا هذا جليا في وقت سابق هذا الشهر بعدما أثار إعلان يدعو الإماراتيين إلى التقدم لوظيفة “محضّر ساندويتشات” غضبًا. واعتبره البعض محاولة مهينة لتوفير فرص عمل، ما دفع السلطات إلى فتح تحقيق.
وكتب أحد مستخدمي تويتر بشأن الإعلان عن الوظيفة الشاغرة “هذا استهزاء”. وكتب آخر في تغريدة أعادت نشرها مئات الحسابات “قلة الوظائف الإدارية والمالية والفنية ليصل الأمر إلى “محضر سندويشات”؟! آه يا زمن”.
وكان وزير الموارد البشرية والتوطين الإماراتي عبد الرحمن العور أكد الشهر الماضي أن أكثر من 14 ألف إماراتي دخلوا سوق العمل في عام 2022. وما معدله 100 شخص ينضمون إلى سوق العمل بشكل يومي.
وبهدف تحفيز المواطنين، أعلنت الحكومة الشهر الماضي عن دعم رواتب المواطنين في القطاع الخاص ومنحهم علاوة مالية تصل إلى 7000 درهم (1906 دولار). حال لا يزيد الراتب الشهري على 30 ألف درهم (8168 دولارا). ولا يوجد حد أدنى للرواتب للإماراتيين بشكل عام ولكن في إمارة الشارقة فهو 25 ألف درهم (6807 دولار).
من جانبها، تؤكد الباحثة غير المقيمة في مركز دول الخليج العربية في واشنطن ايمان الحسين. أن الإمارات تنضم إلى “دفعة أكبر في الخليج لتغيير ديناميكيات العلاقة بين الدولة والمجتمع” وإبعاد المواطنين عن الوظائف الحكومية.
وتضيف “تريد دول الخليج من مواطنيها تعديل توقعاتهم، والإسهام بـ(شؤون) الدولة والقبول بوظائف مع ساعات أطول وربما بدخل اقل”.
وبحسب الزوالي فإنه “ليس من الممكن” أن تستمر حكومة الإمارات بالنمو والتوظيف. ويتابع “الطريقة الأكثر استدامة هي ضمان استمرار قيام الاقتصاد باستيعاب وتدريب والعمل مع الإماراتيين”.