الدبور – ما يفعله ولي عهد أبوظبي بن زايد بالناشط الحقوق الإماراتي أحمد منصور يكاد لا يصدقه العقل، وهذا يحدث في دولة تتبجح بالتسامح مع الجميع إلا أبناء الإمارات حسب ما نشر مركز حقوقي.
ينام على الأرض، ويحرم من فراش أو وسادة، بين الجدران الأربعة لزنزانة انفرادية ضيقة في سجن صحراوي بالإمارات العربية المتحدة، الدولة التي ما فتئت تسعى إلى أن تبدو دولةً تتصف بالتسامح وتحترم الحقوق.
إنه الناشط الإماراتي أحمد منصور، مهندس إماراتي يبلغ من العمر واحداً وخمسين عاماً، وهو شاعر، و أبٌ لأربعة أطفال. كما أنَه أيضاً أكثر الناشطين في مجال حقوق الإنسان شهرةً في الإمارات العربية المتحدة.
قبل اعتقاله منذ نحو ثلاث سنوات، كان الإماراتي أحمد منصور قد كرس من حياته مدةً تنوف على عَقدٍ من الزمان للدفاع عن حقوق الإنسان في بلاده وما يليها من بلدان منطقة الشرق الأوسط، ولم تُثنِه محاولات حكومية سابقة متعددة كانت تهدف إلى إسكاته. احتجزته السلطات الإماراتية مع أربعة آخرين لمدة ستة أشهر في عام 2011، وفرضت عليه حظر السفر منذ ذلك الحين، ونظَّمت عدداً من المحاولات طوال تلك السنوات لاختراق أجهزته باستخدام برامج تجسس متطورة.
في مداهمةٍ تمت في وقت متأخر قُبيل منتصف ليل 20 مارس/آذار 2017، اقتحمت قوات الأمن الإماراتية منزل الإماراتي أحمد منصور واعتقلته مجدداً. وطوال مدة تـزيد عن العام بعد اعتقاله، لم تكن أسرته وأصدقاؤه وزملاؤه على علم بمكان احتجازه. ولم يُتح له الاتصال بمحامٍ، ولم يُسمح له سوى بزيارتين عائليتين مدة كل منهما نصف ساعة، تفصل بينهما ستة أشهر، في مكان مختلف عن موضع احتجازه.
في الأيام الأولى التي تلت اعتقاله، زعمت مصادر إخبارية إماراتية محلية أن السلطات اعتقلت الإماراتي أحمد منصور للاشتباه في استخدامه مواقع التواصل الاجتماعي لنشر “معلومات مغلوطة” و”أخبار كاذبة” “لإثارة الفتنة والطائفية والكراهية” و”الإضرار بسمعة الدولة ومكانتها.”
حال الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور في معتقلات بن زايد
في مايو/ أيار 2018، قضت محكمة الاستئناف في أبو ظبي على الإماراتي أحمد منصور بالسجن عشر سنوات بتهم تتعلق وحسب بانتقاده السلمي لسياسات الحكومة ودعواته إلى إصلاح وضع حقوق الإنسان.
في 31 ديسمبر /كانون الأول 2018، أيدت المحكمة الاتحادية العليا في الإمارات، وهي الهيئة القضائية العليا فى الاتحاد، الحكم الصادر بحقه، وقضت بذلك على فرصته الأخيرة في نيل الإفراج المبكر. وقد عُدَّت المحاكمتان منتهيتين، ورفضت السلطات جميع المطالبات الداعية إلى رفع السرية عن لائحة الاتهام والأحكام الصادرة عن تلكما المحكمتين.
منذ اعتقال الإماراتي أحمد منصور، الذي مضى عليه ما يقرب من أربع سنوات، ظل معزولاً في زنزانة منفردة، ومحروماً من الضروريات الأساسية ومن حقوقه كسجين بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي تزعم الإمارات العربية المتحدة أنها تمتثل له.
إنَّ المعلومات الواردة في هذا التقرير هي أول رواية علنية تتعلق بإجراءات محاكمة منصور. يستند التقرير إلى أقوال مصدر مطلع مباشرةً على قضية منصور، ويُعرِّي الظلم الفادح في محاكمة منصور وجلسة الاستئناف التي أعقبتها، ويفضح واقعَ كون مبدأ سيادة القانون في الإمارات العربية المتحدة لا يُؤبه به إلا قليلاً عندما يتعلق الأمر بجهاز أمن الدولة، صاحب السطوة في البلاد.
بدأت محاكمة الإماراتي أحمد منصور في محكمة الاستئناف بأبو ظبي، حيث يتم النظر في جميع القضايا المتعلقة بأمن الدولة، في مارس/آذار 2018، بعد مضي نحو عام على اعتقاله. وفي كل جلسة من الجلسات الخمس، بيَّن منصور للمحكمة كونه محتجزاً في الحبس الانفرادي، ومحروماً من الحقوق الأساسية الأخرى للسجناء، بما في ذلك إتاحة المكالمات الهاتفية وتلقي الزيارات من أسرته. وفي ثلاث من تلك الجلسات، قرر القاضي قيام السلطات بمنح منصور الحقوق المكفولة للسجناء رهن التوقيف الاحتياطي، بيد أن قرارات القاضي الموجهة إلى نيابة أمن الدولة الاتحادية لم تُنفَّذ.
لدى انعقاد الجلسة الثالثة، تلا القاضي ستة اتهاماتٍ موجهة إلى منصور، تستند جميعاً إلى عمله في الدفاع عن حقوق الإنسان.
وقد أدانته المحكمة فيما بعد بخمسة من تلك الاتهامات، تتصل كلها بأعمال هي محضُ دفاعٍ عن حقوق الإنسان، ومن ذلك التغريد عن المظالم، والمشاركة في مؤتمرات دولية لحقوق الإنسان بواسطة الإنترنت، ومراسلات (تم حذفها منذئذٍ) بواسطة البريد الإلكتروني ومحادثات عبر تطبيق واتساب مع ممثلي منظمات حقوقية، من بينها هيومن رايتس ووتش ومركز الخليج لحقوق الإنسان. وقد برأته المحكمة من التهمة السادسة وهي “التعاون مع إحدى المنظمات الإرهابية.”
استندت المحكمة في قرارها الذي نطقت به في الجلسة الخامسة والأخيرة، إلى قانون العقوبات وقانون الجرائم الإلكترونية الصادر عام 2012، وكلاهما يُجرِّم التعبير السلمي عن الآراء المتضمنة نقداً للسلطات وكبار المسؤولين والقضاء وحتى السياسة العامة، ويقدِّمان أساساً قانونياً لمقاضاة الأشخاص الذين يدعون إلى الإصلاح السياسي أو ينظمون مظاهرات غير مرخصة، ومعاقبتهم بالسجن.
في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعد خمسة أشهر من صدور الحكم، استأنف منصور قرار إدانته أمام المحكمة الاتحادية العليا. وهناك كذلك، بيَّن للقاضي أنه ما زال محتجزاً في الحبس الانفرادي ومحروماً من الحقوق الأساسية للسجناء، على الرغم من أوامر المحكمة السابقة. وأما قرار هذا القاضي الذي أمر باحترام قرارات المحكمة السابقة فقد لاقى مصير سابقه. وكذلك توجيهاته التي قضت بأن تجري المحكمة تحقيقاً في الأسباب التي أدت إلى عدم احترام تلك الأوامر في المقام الأول.
بعد المحاكمة والاستئناف، ما برح الإماراتي أحمد منصور يعاني بمفرده في زنزانة ضيقة، دون الضروريات الأساسية أو متطلبات الحماية الكافية خلال ليالي الشتاء الصحراوية القاسية. وواصلت السلطات حرمانه من الاتصال بالغير، ومنعه من الحصول على مواد للقراءة ومن المذياع والتلفاز.
في عام 2019، وبعد أن استنفد كل ما هو متاح له من الوسائل للمطالبة بحقوقه كسجين، عمد الإماراتي أحمد منصور إلى تنفيذ إضرابين عن الطعام، تفصل بينهما ستة أشهر. وكان من بين مطالبه إنهاء الحبس الانفرادي وتمكينه من الحصول على الضروريات، بما في ذلك البطانيات ومستلزمات النظافة الشخصية.
وخلال إضرابه الثاني عن الطعام، الذي بدأه في أوائل سبتمبر/أيلول 2019 واستمر 49 يوماً، فقد منصور 11 كيلوغرام، الأمر الذي زاد في بواعث القلق على صحته، وتبعته دعوات عالمية إلى الإفراج الفوري غير المشروط عنه.
ولئن كان هذان الإضرابان عن الطعام قد دفعا السلطات إلى السماح له بإجراء اتصال هاتفي قصير بزوجته ووالدته مرتين في الشهر، وتمكينه من التريُّض في الشمس ثلاث مرات في الأسبوع، فإنهما لم يحملا السلطات على إعفائه من الحبس الانفرادي الغاشم وغير معلوم المدة، الذي أُخضع إليه منذ اعتقاله في مارس/آذار 2017.
منذ لحظة اعتقاله وحتى يومنا هذا، كانت إحدى الوكالات الحكومية مسؤولة بشكل مباشر وكامل عن كل ما يتعلق بسجن منصور: جهاز أمن الدولة في الإمارات العربية المتحدة سيئ الصيت.
منذ عام 2011، عندما شنَّت السلطات الإماراتية حملةً لا هوادة فيها على حرية التعبير وتكوين الجمعيات، دأب كلٌّ من هيومن رايتس ووتش ومركز الخليج لحقوق الإنسان على توثيق ادعاءاتٍ خطيرة تتعلق بإساءة قوات أمن الدولة معاملة المعارضين والناشطين الذين جهروا بالحديث عن قضايا حقوق الإنسان.[1]
الإماراتي أحمد منصور
وأخطر تلك الانتهاكات هي الاعتقالات التعسفية، والاختفاء القسري، والتعذيب. وقد اعتقلت سلطات الإمارات العربية المتحدة وحاكمت مئات المحامين والقضاة والمعلمين والناشطين منذ ذلك الحين، وعمدت إلى إغلاق جمعيات المجتمع المدني الرئيسية ومكاتب المنظمات الأجنبية، منتهيةً بذلك إلى سحق أي مساحة للمعارضة.
وعلى الرغم من مناشدات خبراء الأمم المتحدة، وأعضاء في الكونغرس بالولايات المتحدة الأمريكية، وبرلمانيين أوروبيين، فضلاً عن العديد من المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية وعدد من الشخصيات البارزة، فإن حكومات وزعماء العالم لم يبحثوا علناً مع حكام الإمارات ما يلاقيه منصور وسجناء آخرين في الإمارات من قسوة المعاملة، في انتهاكٍ لحقهم في حرية التعبير.
وبدلاً من ذلك، تَراهُم يوطدون علاقاتهم التجارية المربحة، التي لا تتأثر بانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الإمارات العربية المتحدة في الداخل والخارج. ومثل ذلك أنَّ كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا تستمر في بيع الأسلحة إلى الإمارات على الرغم من إخفاقها في الحد من الغارات الجوية غير القانونية في اليمن وليبيا، ووقف الدعم ونقل الأسلحة إلى القوات المحلية التي ترتكب إساءات، وكذا إجراء تحقيق ذي مصداقية في الادعاءات التي تتصل بالانتهاكات السابقة في البلدين كليهما.