الدبور – ما قصة ال 500 مليون دولار التي قدمها السيسي إلى غزة؟ وما هو مصدرها والسيسي أعلن مرارا وتكرارا أن مصر دولة فقيرة ومعيش اديكم. وأذل مصر وهو يتذلل للدول المانحة يسحب منها المليارات. وبل أصبح أداة بيد الإمارات والسعودية. فكيف له أن يقدم ال 500 مليون دولار إلى غزة؟
في مقال له كتب الكاتب المصري وائل قنديل عن ال 500 مليون دولار التي قدمها السيسي إلى غزة؟ وشرح بكل بساطة تسلسل الأحداث ومن وراء هذا المبلغ والهدف من وراء هذا الإعلان الذي إحتفل به الإعلام المصري بشكل كبير على حنية سيادة الرئيس. الدبور لسع المقال وينشره لكم هنا.
الاثنين: في خبر عاجل: أطراف خليجية قدّمت تصورًا مبنيًا على حزمةٍ ماليةٍ واقتصاديةٍ إلى غزّة للقبول بالتصوّر الاسرائيلي لوقف إطلاق النار .
الثلاثاء: الشخص الذي أمضى سنوات حكمه يتسوّل من دول الخليج، ويبتزها ماليًا، يعلن عن تقديم مصر مبلغ 500 مليون دولار ، كمبادرة مصرية تخصص لصالح عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة نتيجة الاحداث الأخيرة، مع قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك في تنفيذ عملية إعادة الإعمار.
كان عبد الفتاح السيسي في فرنسا، لحضور مؤتمر باريس لدعم السودان، فيما كانت “دول خليجية” تطارد المقاومة الفلسطينية بالحزم المالية والشيكات المفتوحة، من أجل إجبارها على الإذعان لمنطق إسرائيل وتصوّرها للوصول إلى وقف إطلاق النار.
إقرأ أيضا: حمد بن جاسم يتحدث عن الدولة التي باعت عقارات القدس وعن التطبيع و بيانات خجولة من بعض الدول العربية (فيديو)
لستَ في حاجة إلى كثير من الفراسة لكي تدرك أن الهدف ليس مساعدة الفلسطينيين ماليًا، بل هو ابتذال فكرة المقاومة، وإهانة مبدأ الكفاح من أجل تحرير الأرض وإنهاء الاحتلال، بتصوير القضية أنها مجرد حالة “احتقان”، بتعبير وزير الخارجية المصري سامح شكري، وهو التعبير الذي يتطابق مع رؤية رئيس الكيان الصهيوني، روؤفين روفيلين، وهو ينظر إلى أقوى جولات حرب التحرير الفلسطيني بوصفها “صدامات تُنذر بحرب أهلية” داخل الكيان المحتل.
ال 500 مليون دولار وحركة السيسي الاستعراضية
قبل الإعلان عن حركة السيسي الاستعراضية، 500 مليون دولار لإعمار غزة، تذهب للشركات المصرية المتخصصة في أعمال إعادة الإعمار، التي هي الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، أي الجيش المصري في النهاية، كانت صفحاتٌ كثيرة تحمل أسماء وشعارات مرتبطة بالجيش المصري، تخوض، رفقة صفحات رسمية صهيونية، معركة تشويه المقاومة الفلسطينية ورموزها، وتصوير القيادات الفلسطينية أنهم مجموعة من “أثرياء الجرح النازف”، وتنشر صورا مزيفة للزعامات السياسية، تحت عناوين قذرة، مثل “جهاد الخنادق” في سياق الحرب الجرثومية ضد المقاومة.
ليس مهمًا هنا البحث عن إجابة على سؤال: من أين لشخصٍ يضع يده في جيوب المانحين، ويدّعي العجز والعوز، ويعاير المصريين بفقرهم، طوال الوقت، من أين له 500 مليون دولار يعلن عنها هدية إلى غزة التي يخنُقها بالحصار منذ سبع سنوات، ويمنع وصول مساعدات أشقائها لها، ويكره مقاومتها، ويسلط عليها ضباعه الإعلامية تنهش فيها وتكفّرها وتتهمها بالإرهاب ليل نهار.
الأمر ليس عصيًا على الفهم، حين تتذكّر أن “المتبرع الظاهر” هو وكيل الموزّع الأساس، الذي هو مثلث “إسرائيل – الإمارات – دحلان” الذي يقاتل بشراسة للإجهاز على مشروع المقاومة. وبالتالي، لا مشكلة في نصف مليار، أو حتى مليارات الدولار تسقط فوق غزة كما تنهمر قذائف الدمار الصهيونية، فالمهم بالنسبة لهؤلاء أن المسألة تبقى محصورةً في إطار بناء مبانٍ مهدّمة وإنعاش خزائن خاوية، بعيدًا عن أي اعتباراتٍ أخرى.
هؤلاء الداعمون ماليًا، ومن يسرح بأموالهم، لا يطيقون استمرار المشهد التاريخي المذهل فترة أطول، مما يهدد بإحراق كل الأوهام التي حاربوا من أجل زرعها في عقل الإنسان العربي ووجدانه على مدار سنوات طويلة.
هؤلاء الداعمون المتحالفون مع الصهيوني لا يطيقون رؤية فلسطين تتحرّر، ومعها الجماهير العربية تنتفض، وتُسقط السردية المنحطّة الكاذبة التي تقول إن غزة شيء، وفلسطين شيء آخر، وإن صواريخ المقاومة المنطلقة من غزة تصيب القضية الفلسطينية، قبل أن تؤلم العدو.
قصة ال 500 مليون دولار وإغراق غزة في وحل الأموال المتسخة
ولذلك تحرّكوا سريعًا لإغراق غزة في وحل الأموال المتّسخة بكل عوادم التطبيع والتصهين، للقضاء سريعًا على ملحمة “إعادة إعمار الروح العربية” وإعادة الوجدان السليم إلى نظافته ونقائه، واستعادة تلك الفطرة السوّية التي يولد عليها الإنسان، العربي وغير العربي، هذه الفطرة التي تجعله ينحاز للحق، ضد الباطل، يقف مع العدل ضد العدوان، ويدافع عن الحرية ضد الطغيان، ويرى المقاومة حقًا أصيلًا وليست إرهابًا.
دولارات هؤلاء الغزيرة لا تستهدف إعادة إعمار المباني، بقدر ما تحلم بتدمير المعاني التي عادت تشرق وتتألق على وجوه الأطفال، وتطمئننا على أن الأجيال العربية التي ولدت في عصور الظلام الروحي، وجاءت إلى الدنيا لتجد أعلام العدو في عواصمها، هذه الأجيال لم تتشرّب سموم التطبيع، ولم تتكيّف مع منتجاته التي تحاصرها في مناهج التعليم وبرامج الإعلام والإنتاج الدرامي، وحافظت على فطرتها السليمة، ومن دون أن يلقّنها أحد، وجدناها تهتف مثل أجدادها من جيل الستينيات والسبعينيات: فلسطين عربية رغم أنف الصهيونية.
هذه البراعم شوهدت تغني لفلسطين، وتلعن عدوها في كل عواصم العرب ومدنهم، حتى في العواصم المختنقة بالتطبيع، في مصر والإمارات والبحرين والسعودية، والتي تجرّم التظاهر ضد الاحتلال وتحرّمه، اطمأنت فلسطين على أن المحبّين ينبتون في الأرض العربية، كما ينبت القمح، ويعمّرون كما يعمر الزيتون، ويورثون ويتوارثون حكايتها على وجهها الصحيح: فلسطين عربية والاحتلال وخدّامه إلى زوال.