الدبور – بدأ الأمل يتلاشى في أن يحصل العالم على لقاح كورونا آمن وفعال قبل وصول الموجة الثانية المتوقعة، التي ستزيد من الضغط على النشاط الاقتصادي وتؤخر الانتعاش.
وبالرغم من الجهود العالمية غير المسبوقة، فإن اللقاح القابل للتوزيع قد لا يزال على بعد أشهر. ويكاد يكون من المؤكد أنه لن يكون جاهزا بحلول أكتوبر/تشرين الأول كما كان يأمل الكثيرون.
وقال الدكتور “أنتوني فاوتشي” رئيس المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، إن نوفمبر/تشرين الثاني أو ديسمبر/كانون الأول سيكونان أكثر واقعية.
ومن المفهوم أن الحكومات والساسة يحاولون أن يكونوا متفائلين، فقد تعرض الاقتصاد العالمي لضربة قوية في الموجة الأولى، ومن الصعب أن يتلقى ضربة مدمرة أخرى إذا جاءت الموجة الثانية وأعيد الإغلاق.
ومع إعادة فتح الاقتصادات، تشهد بعض البلدان التي كانت قادرة على السيطرة على انتشار الفيروس الآن عودة تصاعد الحالات.
وفي فرنسا وأسبانيا، على سبيل المثال، أصبح عدد الإصابات الجديدة أعلى مما كان عليه في مارس/آذار أثناء ذروة الموجة الأولى.
ولا عجب أن يتعرض الرئيس “دونالد ترامب” لضغوط هائلة لتوفير لقاح قبل الانتخابات مع تراجع ثقة الجمهور. وقد تعهدت شركات الأدوية الأمريكية الكبرى بأنها لن تطلق لقاحا حتى تتأكد من الأمان والفعالية. ويصبح السؤال حول من يتحمل المسؤولية أمرا بالغ الأهمية بالنسبة لتوقيت اللقاح.
لماذا تستغرق اللقاحات وقتا؟
ولسوء الحظ، لا يمكن تسريع عملية اختبار اللقاح إلا إلى حد معين. وتستغرق التجارب السريرية التي تقيّم سلامة اللقاحات وفعاليتها حدا أدنى معينا من الوقت.
ولا يمكن لأي حافز حكومي أو تأثير سياسي تسريع هذه العملية وضمان تلبية معايير السلامة والفعالية الأساسية في نفس الوقت.
والسبب هو أن التجارب السريرية الكبيرة صعبة من الناحية اللوجستية، وغالبا ما يتم تسجيل عشرات الآلاف من المتطوعين وتوظيف عدد كبير من المراكز الطبية في جميع أنحاء العالم لهذا الغرض.
إقرأ أيضا: شاهد ماذا حدث لـ فنانة من سلطنة عمان شاركت في مسلسل التطبيع أم هارون
ويستغرق الاختبار نفسه أيضا وقتا طويلا. وبمجرد أن يتلقى المتطوعون اللقاح التجريبي، تتم مراقبتهم بعد ذلك على مدار أسابيع أو شهور لتحديد ما إذا كانوا سيصابون بالمرض أو بآثار جانبية خطيرة محتملة.
ولا يمكن للعلماء التوصل إلى استنتاج إلا بعد جمع بيانات كافية. وفي بعض الأحيان، يمكن اختصار التجارب إذا كانت البيانات مقنعة بشكل كبير، لكن هذا ليس هو القاعدة.
ولا تعد اللقاحات مثل الأدوية الصيدلانية الأخرى، التي عادة ما يتم إعطاؤها للمرضى المصابين بالفعل. وفي حالة مريض شديد المرض، فإن الشاغل الأساسي للعقار التجريبي هو الفعالية وليس السلامة. ففي هذه الحالةليس من المهم إذا كان الدواء يؤذي المريض، لأنه على وشك الموت على أي حال.
لكن العكس هو الصحيح بالنسبة للقاحات. ونظرا لأنها تُمنح لملايين الأشخاص الأصحاء، بمن فيهم الأطفال، فإن السلامة هي الشاغل الأكبر.
وحتى لو نجح اللقاح، فقد تؤدي الآثار الجانبية النادرة والخطيرة إلى إلحاق الضرر بآلاف الأشخاص. وهذا أحد أسباب عدم أخذنا اللقاح ضد الجدري. فقد قتل اللقاح الناس. وتفوق مخاطر حملة التلقيح الجماعية ضد الجدري مخاطر هجوم إرهابي بيولوجي.
وهناك لقاحات أخرى أضرت بالناس أيضا. وفي عام 1966، قتل لقاح ضد الفيروس المخلوي التنفسي طفلين وفاقم المرض لدى كثيرين.
وبعد عقد من الزمان، تسبب لقاح ضد جائحة إنفلونزا الخنازير في ظهور نوع نادر من الشلل يعرف باسم “متلازمة غيلان باريه” في 450 شخصا. وحدث ذلك مرة أخرى بعد التطعيم ضد جائحة انفلونزا الخنازير لعام 2009.
تحرّى مرتين.. ونفذ مرة واحدة
والآن أصبحت المسؤولية حرجة. فإذا نتج عن لقاح ضد الفيروس التاجي آثار جانبية سيئة، فإنه سيوجه ضربة كارثية لثقة الجمهور في المؤسسات الكبرى في جميع المجالات.
ولدى الجميع مصلحة في إنتاج لقاح ناجح. ومع ذلك، هناك مخاوف مشروعة من أن لقاح الفيروس التاجي، خاصة الذي يتم تطويره في ظل ظروف متسرعة، قد لا يعمل على النحو المنشود.
وأدى تطوير لقاح ضد فيروس السارس الأصلي إلى تفاقم المرض في النماذج الحيوانية. وتوقفت مؤقتا تجربة سريرية للقاح لفيروس كورونا أنتجته شركة “أسترا زينيكا” بالتعاون مع جامعة أكسفورد، حيث يُعتقد أن أحد المتطوعين قد واجه رد فعل سلبي شديد.
ومن الصعب تقدير الضرر المحتمل الذي يمكن أن يلحقه لقاح فيروس كورونا المتسرع بالثقة في مجتمع الطب الحيوي.
وهذا هو السبب في تعهد العديد من شركات الأدوية الكبرى بعدم إطلاق اللقاحات الخاصة بها حتى تثبت أنها آمنة وفعالة وفقا لمعايير إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.
وربما أدركوا أن النشر المبكر للقاح هو مقامرة قد لا تستحق المخاطر المالية والقانونية التي قد تضر بالسمعة.
لقاح كورونا السريع
وبعد إعلان إيقاف التجربة السريرية مؤقتا، انخفض سعر سهم “أسترا زينيكا”. ويعرف قادة الأدوية أن إطلاق لقاح سيئ يمكن أن يصبح تهديدا وجوديا لشركاتهم، لذلك يرغبون في تجنب مثل هذا السيناريو.
على الجانب الآخر، من الصعب أيضا تقدير الضرر الاقتصادي الناجم عن عدم الحصول على لقاح في الأشهر القليلة المقبلة.
وكلما طالت مدة الوباء، زادت معاناة الاقتصاد العالمي. وسيؤدي ذلك إلى غضب الجمهور، وسيوجهون غضبهم نحو المؤسسات التي يعتقدون أنها سبب الفشل. لذلك، يأمل قادة العالم في نشر لقاح في أسرع وقت ممكن من أجل إنقاذ اقتصادات بلدانهم، وبالتالي مناصبهم، حتى لو كان ذلك مصحوبا ببعض المخاطر.
ويعتقد الكثير منهم أن العواقب الاقتصادية تلحق الضرر بالسكان أكثر من الفيروس. ونظرا لكونها مسؤولة بالفعل عن الأضرار الاقتصادية، تريد الحكومات اعتماد لقاح دون تحمل المسؤولية عن ذلك أيضا.
وعلى مدى الأشهر الـ6 الماضية، تعرض الجمهور للقصف بمعلومات متناقضة ومناقشات صاخبة حول الإغلاق وإعادة فتح المدارس. وتنتشر المعلومات المضللة، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي. وبينما يثق الجمهور بالعلماء والأطباء بشكل عام، فإن ثقته في لقاح فيروس كورونا ضئيلة.
ويقول ثلثا الأمريكيين إنهم لن يكونوا في الصف الأول للحصول على اللقاح عند طرحه. ومن الصعب إلقاء اللوم عليهم. فقط تخيل رد الفعل العام العنيف إذا صورت وسائل الإعلام أطفالا مصابين بمرض ناتج عن اللقاح لأن اللقاح لم يتم اختباره بشكل كاف.
وطالبت العديد من شركات الأدوية بتوقيع تعهد يحمل الحكومة المسؤولية. وربما وراء الرسالة إشارة خفية إلى أنهم سيكونون على استعداد لإطلاق لقاح “جيد بما فيه الكفاية” إذا تحملت الحكومات كل المخاطر.
لكن من غير المرجح أن يحدث هذا. وحتى تكتمل التجارب السريرية، سيتعين على الجمهور الانتظار بينما تظل الحكومة وشركات الأدوية في مواجهة تتعارض مع عقارب الساعة الاقتصادية والضغط الاجتماعي المتزايد.
المصدر | أليكسس بيروزو – جيوبوليتيكال فيوتشرز –