الدبور – عندما كشف الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عن رؤيته للسلام في منطقة الشرق الأوسط، وهو يقف إلى جوار رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته “بنيامين نتنياهو” في الجناح الشرقي من البيت الأبيض، في 28 يناير/كانون الثاني، جاء رد المملكة الأردنية الهاشمية حادا وسريعا للغاية.
وكواحد من دولتين عربيتين لهما علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل)، لم يرسل الأردن سفيره لحضور إسدال الستار عن الخطة. وأصدر وزير خارجية المملكة “أيمن الصفدي”، بيانا بعد الكشف عن الخطة، مؤكدا أن إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، هو السبيل الوحيد نحو سلام شامل ودائم.
ويعكس موقف عمّان الصريح؛ وعي الحكومة بأنها ستكون أول دولة تعاني من عواقب ما يسمى بـ “صفقة القرن” في حال تنفيذها. وينبع خوف عمّان من أن حل الدولتين معرض للخطر. وإذا حدث ذلك، وسارت رؤية “ترامب” للصراع في هذا الاتجاه، سوف تجد عمّان نفسها تتعامل مع مختلف التهديدات، سواء كانت جغرافية أو ديموغرافية أو أمنية.
وخلال زيارة صهر “ترامب” ومستشاره “جاريد كوشنر” إلى الأردن العام الماضي، قال الملك “عبدالله الثاني” إن أي خطة سلام يجب أن تكون متوافقة مع مبادرة السلام العربية لعام 2002، ومع ذلك، لم تقترب الخطة المقترحة حتى من بنود تلك المبادرة.
بل إن ما تقدمه الرؤية، بالأحرى، تحديات خطيرة للمصالح الوطنية الأردنية على المدى الطويل. وتتعلق إحدى هذه العقبات بالدور التاريخي للمملكة باعتبارها المشرف على الأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس. ويعد هذا الدور مهما جدا للهاشميين، الذين يرون في ذلك تشريفا لهم كونهم من نسل النبي “محمد” (صلى الله عليه وسلم). كما يمكن اعتبار ذلك مصدرا لشرعية النظام الملكي الحاكم للأردن.
لكن بينما قال “ترامب” إن (إسرائيل) “ستعمل عن كثب” مع الملك “عبدالله الثاني” لضمان “الحفاظ على الوضع الراهن لـ (جبل الهيكل) واتخاذ تدابير قوية لضمان أن جميع المسلمين الذين يرغبون في زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه سيكونون قادرين على القيام بذلك”، تفتقر رؤية “ترامب” إلى تحديد واضح لدور الأردن.
وتشير الخطة إلى أن القدس يجب أن تبقى “عاصمة غير مقسمة” لـ (إسرائيل)، ما يعني أن عمّان ستجد نفسها في نهاية المطاف تعمل مع تل أبيب للحفاظ على هذه المواقع، التي ستكون بعد ذلك تحت سيادة (إسرائيل). ويضعف هذا دور المملكة التاريخي.
إقرأ أيضا: فيديو لحظة وفاة عراقي على الهواء أثناء مقابلة تلفزيونية يشكو فيها الخدمات الصحية
ولدى الأردن أيضا مخاوف حقيقية بشأن أزمة اللاجئين الفلسطينيين. وتمنح خطة “ترامب” (إسرائيل) الضوء الأخضر للمضي قدما في ضم مستوطنات الضفة الغربية ووادي الأردن، ومع وجود أكثر من 2 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين في البلاد، فإن هذا الضم يثير إمكانية حدوث تدفق كبير من اللاجئين الفلسطينيين إلى المملكة.
بالإضافة إلى ذلك، فمن شأن ضم “غور الأردن” أن يعقد العلاقة الجغرافية بين الأردن وفلسطين، ويؤثر على اقتصاد المملكة، ويمثل تهديدا محتملا للأمن القومي في عمّان.
ويأتي كشف النقاب عن الخطة في وقت يعاني فيه الأردن من ضغوط اقتصادية متزايدة خلال الأعوام القليلة الماضية. وتتعلق إحدى هذه العقبات بارتفاع معدلات البطالة، التي تنتشر بنسبة 40% بين الشباب.
ويوجد تحدٍ آخر وهو الفقر. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أظهر استطلاع للرأي أن 64% من الأردنيين يعتقدون أن الفقر هو أهم عامل من شأنه أن يؤدي إلى العنف المنزلي، وأن الأطفال والنساء هم الأكثر عرضة للعنف المنزلي.
وسيكون الدين العام أيضا مشكلة اقتصادية أخرى تواجهه عمّان. وفي ديسمبر/كانون الأول، ألقى وزير المالية الأردني “محمد العيسى” باللوم على العوامل الإقليمية في تفاقم أزمة الدين العام، الذي ارتفع بمقدار الثلث تقريبا خلال عقد إلى 30.1 مليار دينار (42.4 مليار دولار) في عام 2019، أي ما يعادل 97% من إجمالي الناتج المحلي.
وعلى الرغم من وجود تحديات أخرى أيضا، مثل العجز في الميزانية والفساد، إلا أن هذه المشكلات موجودة منذ زمن طويل في الأردن. ومع ذلك، فقد ساءت في الآونة الأخيرة بسبب عدة عوامل، بما في ذلك تدفق المزيد من اللاجئين من مناطق الحرب، وتراجع المساعدات الخارجية.
على سبيل المثال، كان مجلس التعاون الخليجي قد قرر عام 2011 تقديم 5 مليارات دولار من المساعدات المالية لمخططات التنمية في الأردن على مدى 5 أعوام، حيث ساهمت كل دولة بمبلغ 1.25 مليار دولار. ومع ذلك، لم يتم تجديد الحزمة بعد انتهاء صلاحيتها.
وبحسب ما ورد، شعرت عمّان بالإحباط من تأجيل الاستثمارات السعودية بمليارات الدولارات منذ إنشاء صندوق مشترك عام 2017. وكان الأردن قد رفض إرسال قوات إلى اليمن لمحاربة “الحوثيين”، وأزعج تعامله مع الأزمة الخليجية السعوديين، وبالتالي، ساهم هذا في التأخير.
ورغم أن السعودية والإمارات والكويت تعهدت بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 2.5 مليار دولار للمملكة الهاشمية بعد الاحتجاجات الواسعة التي أدت إلى استقالة رئيس الوزراء “هاني الملقي” عام 2018، لم يتسلم الأردن الجزء الأكبر من هذا المبلغ حتى الآن.
ويعتمد الأردن اليوم على المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، التي تصل إلى أكثر من مليار دولار سنويا. وهناك أيضا اعتماد على المساعدات الأوروبية، خاصة ألمانيا، التي تعد ثاني أكبر جهة مانحة للأردن، حيث توفر أكثر من نصف مليار يورو من الدعم السنوي.
ومن المحتمل أن تكون هناك بعض الآمال في أن تتوفر بعض المساعدات خلال زيارة أمير قطر الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني” للأردن، في 23 فبراير/شباط، والتي ستكون أول زيارة له للمملكة منذ مارس/آذار 2014.
ورفض الأردنيون بصوت عالٍ خطة “ترامب”؛ حيث اندلعت عدة احتجاجات ضدها منذ إعلانها. كما أن القبائل الأردنية التي تُعتبر أحد أعمدة الدولة، لن تقبل هذه الرؤية أبدا، لأن لديها مخاوفها الخاصة أيضا، مثل أن تصبح أقلية في بلدها بسبب هجرة المزيد من الفلسطينيين إلى الأردن.
ومن الممكن أيضا أن تؤدي الملاحق المنصوص عليها في خطة “ترامب” إلى دفع الأردنيين على نحو متزايد إلى إلغاء معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية لعام 1994، المعروفة باسم معاهدة “وادي عربة”، واتفاق الغاز بين الأردن و(إسرائيل)، الذي تم التوصل إليه في عام 2016.
وليس ذلك لحقيقة أن هذه الاتفاقيات لم تحظ بشعبية كبيرة بين المواطنين فقط، بل لأن الحكومة الأردنية ترى أن هناك محاولة لتسوية النزاع على حساب المملكة.
لكن على الرغم من حقيقة أن المملكة استعادت العام الماضي الأراضي الحدودية التي نص عليها اتفاق السلام مع (إسرائيل)، وهي “الباقورة” و”الغمر”، تعرف الحكومة أن إلغاء معاهدة السلام سيكون له ثمنا سياسيا كبيرا.
علاوة على ذلك، فإن الفجوة بين الأردن و(إسرائيل) قد تزايدت بشكل واضح خلال العامين الماضيين. وفي الشهر الماضي، قال الملك “عبدالله” في مقابلة، إن علاقة الأردن بـ (إسرائيل) “كانت متوقفة منذ عامين”. وجاء ذلك بعد بضعة أشهر من تصريحه في نوفمبر/تشرين الثاني بأن علاقات بلاده مع تل أبيب كانت في أدنى مستوياتها على الإطلاق.
وفي الوقت نفسه، تتعامل عمّان مع هذه التحديات وحدها. ويبدو أن الأردن يدرك أن رفض جامعة الدول العربية لخطة “ترامب” قائم على أسس هشة؛ لأن تصرفات بعض الدول الأعضاء تتعارض مع تصويتها العام.
ومن الواضح أن إدارة “ترامب” وضعت حليفا قديما للولايات المتحدة في موقف صعب، ولم تأخذ في الاعتبار تأثير “خطة السلام” على الأردن، ناهيك عن حقيقة أنها لم تكشف عن الخطة إلى عمّان، وبالتالي تخلت عن دور المملكة المهم في عملية السلام.
وفي الواقع، سوف يرغب الأردن في تجنب الصدام المباشر مع واشنطن لأسباب مختلفة، أهمها اعتماد عمّان على المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية؛ وبالتالي، سيتعين عليه مواجهة التحدي المتمثل في موازنة علاقاته مع القيادة الفلسطينية وعلاقاته بالبيت الأبيض، مع عدم التخلي عن موقفه الثابت.
ويبقى أن نرى ما إذا كانت المملكة الهاشمية ستتمكن من بناء مثل هذا التوازن وكيف تخطط لتظل ثابتة وسط كل هذه الضغوط.
المصدر | عبدالعزيز كيلاني/ريسبونسيبل ستيت كرافت