الدبور – يرجح أغلب مراقبو الشأن العماني استمرار السلطان الجديد “هيثم بن طارق آل سعيد” في السير على نهج سلفه “قابوس بن سعيد” رغم نظام الحكم شبه المطلق في البلاد وما يتمتع به السلطان من صلاحيات تمكنه من إجراء تغييرات جذرية؟.
و تعود الأسباب إلى تركيبة صناعة القرار الاستراتيجي في عمان من جانب، والسياق التاريخي لسياسة “الحياد” التي اتبعتها السلطنة إزاء الصراعات الإقليمية من جانب آخر.
وفي هذا الإطار، يشير نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة “مختار غباشي” إلى صعوبة “تغيير عمان لسياسة امتدت 50 عاما (فترة تولي قابوس)، لعبت فيها مسقط دور صندوق البريد للولايات المتحدة والعالم الغربي وإيران، وارتبطت خلالها بعلاقات جيدة مع طهران، وفي نفس الوقت تمتعت بعضوية مجلس التعاون الخليجي”، وهو ما أهل البلاد لحوز لقب “سويسرا الشرق الأوسط”.
لكن الحياد العماني لا يعني سلبية السياسة الخارجية، والدليل هو الأزمة الخليجية بحسب “غباشي”، الذي أشار إلى أن “هناك توافقا على ترك أمر الوساطة للكويت، رغم أن سلطنة عمان أقرب إلى الموقف الكويتي القطري منه إلى الموقف البحريني السعودي الإماراتي بشكل كبير”، ويستند الاتجاه التاريخي لعمان إلى مرتكزين أساسين؛ الأول هو إجماع العائلة الحاكمة، والثاني هو المصالح الاقتصادية التاريخية التي جنتها مسقط من هذه الاستراتيجية.
ولذا يؤكد محلل الشؤون الدولية والاستراتيجية “أنس القصاص”، أن سياسة الحياد العماني لم تكن قائمة على المناورة الفردية التي تنتهي برحيل الحاكم، بل كانت سياسة مُجمعا عليها داخل أسرة “بوسعيد”. ويرتبط هذا الإجماع، وفق “القصاص”، بتنشيط اقتصاد عمان، خاصة أن السلطنة لديها مشكلات اقتصادية مع تهاوي أسعار النفط وإغلاق بعض الحقول، لافتا إلى أن البلاد تحاول تمويل عجز الموازنة من باب الوساطة في المنطقة وفتح ملفات سياسية تنعش حالة البلاد الاقتصادية.
وكمثال على ذلك، تقوم السلطنة بدور في بيع النفط الإيراني لتفادي العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، وهو ما يجعلها تستفيد سياسيا من الصداقة مع طهران دون الاصطفاف ضد السعودية.
وحتى الرياض نفسها استفادت من هذا الوضع لاحقا بعد أن فشلت حملتها العسكرية في اليمن في تحقيق أهدافها، إذ تحولت عمان إلى بوابة للسعودية للتواصل مع الحوثيين وحلفائهم الإيرانيين، وهو ما عبرت عنه زيارة نائب وزير الدفاع السعودي، شقيق ولي العهد، الأمير “خالد بن سلمان” المكلف بالملف اليمني إلى السلطنة ولقائه بالسلطان الراحل “قابوس” في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وكان تأسيس عمان قناة تفاوض خلفية بين الولايات المتحدة وإيران، أسفرت في نهاية المطاف عن الصفقة النووية عام 2015، المعروفة رسميًّا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، أبرز مظاهر الدور المحوري لسياسة الحياد التي تتبعها مسقط خارجيا.
إقرأ أيضا: سلطنة عمان تعيد السيدة الجليلة إلى المشهد بعد غياب لأكثر من 27 عاما
وفي هذا الإطار أيضا، جاء الموقف العماني من الأزمة السورية، فمنذ عام 2011 وفي الوقت الذي أيدت فيه معظم الدول العربية الإطاحة بـ”بشار الأسد”، خالفت سلطنة عُمان ذلك التوجه في حينه وأعلنت رفضها لأي عمليات تستهدف إسقاط النظام السوري، ودعت إلى إنتهاج الطرق السلمية والدبلوماسية لتسوية الأزمة.
ويذهب الباحث “جوزيف كشيشيان”، في تحليل نشرته مؤسسة “راند” الأمريكية، إلى أن فهم السياسة الخارجية العمانية يتطلب أولًا فهم كيف تعمل دبلوماسيتها للموازنة بين المصالح والبحث عن المنافع المتبادلة، وفتح أبواب التواصل الدولي، وإبقائها مفتوحة حتى أثناء الصراع.
ويعد المُكَوِّن الثابت في هذه التركيبة العمانية، بحسب “كشيشيان” هو البراجماتية، فالسلطنة لا تبالغ في تقدير قدراتها، ولا تغرق في التفاؤل بشأن نوايا الدول الأخرى تجاهها، ولا تستبعد أن يتحوَّل الأعداء السابقون إلى شركاء محتملين، ولا تستنكف أن تطرح مبادرات جريئة لا تحظى بشعبية بين الحكام العرب؛ طالما أنها تخدم أهدافها طويلة الأجل، المتمثلة في تأمين احتياجاتها الاقتصادية.
إقرأ أيضا: رجل الأعمال السلطان هيثم بن طارق، هل يستطيع تنفيذ رؤية 2040، وكيف سيتعامل مع أطماع عيال زايد؟
من هذا المنطلق، اعتبرت مسقط الأزمة الخليجية فرصة اقتصادية استغلتها من خلال رفع مستويات تعاونها الاقتصادي مع الدوحة، وإبرام البلدين اتفاقا وزاريا في 28 يناير/كانون الثاني 2018، يقضي برفع مستوى التعاون والمبادلات في قطاع المواد الغذائية والتسويق والتصدير والاستثمار، وهو ما تسبب في رفع حجم الصادرات العمانية إلى قطر.
وأظهرت التقديرات المنشورة أوائل ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، أن حجم التجارة بين البلدين قد ارتفع خلال 3 أشهر بمئات الملايين من الدولارات، وأن عمان أضحت بالنسبة لقطر محطة دولية لاستقبال الشحنات البحرية القطرية التي تم منعها من عبور المياه الإقليمية السعودية والإماراتية.
نتيجة لذلك، يجمع المحللون تقريبا أن سلطان عمان الجديد سيكون حريصا على اتباع نهج سلفه عبر تبني سياسة “الحياد المدفوع اقتصاديا”، خاصة أن السلطان “هيثم بن طارق” يتمتع ببعض الخبرة الاقتصادية بفضل ترؤسه للجنة رؤية عمان 2040، إضافة إلى خبرته الدبلوماسية، حيث شغل منصب الأمين العام لوزارة الخارجية، فضلا عن تمتعه بشرعية كبيرة بعدما جرى اختياره بواسطة وصية سلفه “قابوس”.
إشترك في قناتنا على تطبيق تليجرام ليصلك كل ما هو مميز من موقعنا… لسعات خاصه.. https://t.me/Dabboor