الدبور – كان السلطان العماني السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله، وسلطنة عمان، مثالا على الاستقرار في منطقة مضطربة ومحفوفة بالمخاطر عادة. وبعد هزيمة التمرد في منطقة “ظفار”، وهي منطقة عمانية متاخمة لليمن في الجنوب، في وقت مبكر من حكمه، قاد “قابوس” برنامج تحديث لافت داخل السلطنة. ومع افتقار البلاد بالكاد لأي طرق معبدة عندما تولى السلطة، قام بتنفيذ برامج للبنية التحتية والتعليم أدت إلى دولة أكثر حيوية اليوم.
وفي تناقض صارخ مع جيرانها في منطقة الخليج، الإمارات وقطر والبحرين، نجحت عُمان أيضا في القيام بعمل رائع في الحفاظ على تراثها الثقافي، فلن ترى أي ناطحات سحاب في أفق مسقط.
وربما كان السلطان الراحل “ديكتاتورا جيدا”، لكن لم يكن هناك شك في أنه سيطر تماما على مقاليد الحكم والإدارة في البلاد. ولم يكن السلطان فحسب، بل كان أيضا رئيس وزارتي الدفاع والخارجية، ورئيس الوزراء، من بين ألقاب أخرى. ولم يكن لدى العمانيين غالبا مشكلة في ذلك خلال الجزء الأكبر من حكم “قابوس”، لأنه أخرج الدولة من براثن الفقر خلال بضعة عقود فقط. ولكن في عام 2011، أدت بطالة الشباب المتزايدة، وبداية ظهور جيل جديد من العمانيين الذين لا يتذكرون الأيام التي سبقت “قابوس”، إلى عدد من الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد خلال احتجاجات الربيع العربي. وسارع “قابوس” إلى تنفيذ عدد من الإصلاحات الحكومية التي نجحت حتى الآن.
إقرأ أيضا: عالم آثار إماراتي: الإهرامات كانت في دولة الإمارات قبل نقلها إلى مصر، الإمارات أصبحت مسخرة النشطاء!
وكان “قابوس” بلا شك مهما لنمو البلاد التي قادها لمدة 50 عاما، لكنه كان بنفس القدر من الأهمية بالنسبة للدور الإقليمي الذي لعبته السلطنة. وكان جزء من السبب في استقرار عمان في العقود الأخيرة هو أن السلطنة كانت معتدلة ومنفتحة للغاية، وقد نبع ذلك من نقطتين رئيسيتين. أولا، يمارس العمانيون شكلا من أشكال الإسلام يعرف باسم “الإباضية”، وهي طائفة أكثر تسامحا وانفتاحا من الدين. ثانيا، جعل موقع عُمان على بحر العرب من البلاد نقطة انطلاق رئيسية للتجار على مر القرون، مما جعلها منفتحة عالميا على طول سواحلها.
ولقد وضع هذا التاريخ والتراث الثقافي عُمان في موقع متميز، جعلها ما يمكن أن نسميه “صديقا للجميع وعدو للا أحد”. وقد لعب “قابوس” هذا الدور مقتربا فيه من حد الكمال على مر السنين. وعلى عكس حلفائه في مجلس التعاون الخليجي، تمكن السلطان من الحفاظ على علاقات ودية للغاية مع إيران، في أيام الشاه وكذلك مع نظام الملالي. وقدمت إيران لعُمان عددا كبيرا من القوات للمساعدة في قمع تمرد “ظفار” في أوائل سبعينيات القرن العشرين، وهو أمر لم ينسه “قابوس” أبدا.
ولقد كان “قابوس” أكثر من وسيط إقليمي، حيث أثبت أيضا أنه لا غنى عنه بالنسبة للولايات المتحدة والدول الغربية. وقد أدت وساطته إلى إطلاق سراح 3 من المتنزهين الأمريكيين الذين تم اعتقالهم في إيران عام 2011. وكان قد رفض الانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن، وكانت مسقط موقعا رئيسيا للوساطة في الحرب المستمرة. والأهم من ذلك، لقد لعب “قابوس” دور الوسيط والمضيف عام 2013 في المحادثات الأمريكية الإيرانية السرية التي أدت في النهاية إلى الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية.
لقد سارع العمانيون والسلطان الجديد إلى التأكيد على أن سياستهم الخارجية ستبقى كما هي تحت القيادة الجديدة. وفي بيانه العلني الأول، ذكر السلطان “هيثم” أن عُمان “سوف تتبع نفس خطى السلطان الراحل، والمبادئ نفسها التي أكدها للسياسة الخارجية لبلدنا، والتعايش السلمي بين الأمم والشعوب، وسلوك حسن الجوار مع عدم التدخل في شؤون الآخرين”.
وتعد هذه خطوة أولى إيجابية، لكن من غير المرجح أن يكون لدى عُمان نفس التأثير الذي كانت عليه في عهد “قابوس”. وربما لن يحصل بن طارق على قدر من المساحة في الشؤون الداخلية يماثل القدر الذي تمتع به السلطان الراحل بسبب شعبيته وسجله الحافل من التقدم في عمان.
ويتضح هذا بشكل خاص عندما ينظر المرء إلى عدد كبير من الشباب في عمان واقتصاد البلاد الذي دخل بالكاد في المراحل الأولى لخطة التنويع بعيدا عن النفط. والأهم من ذلك، أنه بينما كان لديه بعض التفاعلات على المسرح الإقليمي والدولي، فإن السلطان الجديد لا يمكنه فعل أي شيء على المدى القصير للتعويض عن عقود “قابوس” من الخبرة والاحترام اللذان اكتسبهما على مر السنين.
ومع استمرار الصراع في اليمن، ووصول العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، لا يسع المرء إلا أن يأمل في أن يتمتع “هيثم” بسرعة في التعلم. وسيكون من الذكاء بالنسبة لأقرب حلفاء سلطنة عُمان، الولايات المتحدة وبريطانيا، الإسراع إلى التواصل مع الزعيم الجديد في أقرب وقت ممكن.
إشترك في قناتنا على تطبيق تليجرام ليصلك كل ما هو مميز من موقعنا… لسعات خاصه.. https://t.me/Dabboor