الدبور – كارلوس غصن، الشخصية التي حيرت الجميع كيف إستطاع الهروب من اليابان، وكثرت الأحاديث عن التفاصيل ولكن في تقرير خاص لمحطة “بي بي سي” البريطانية، روت فيه القصة المثيرة لتهريب رجل الأعمال اللبناني “كارلوس غصن” من اليابان، رغم استمرار محاكمته بها، و التي عرفت بالهروب الكبير.
ومنذ الإعلان عن هروبه إلى بيروت، سرت شائعات كثيرة حول الطريقة التي هرب بها، وحول من قام بتسهيل المهمة له وصولا إلى العاصمة اللبنانية. وبحسب ما نقلت “بي بي سي” عن وسائل إعلام، قام شخصان بدور رئيسي في عملية الهروب إلى تركيا، وسلطت الضوء على ما قام به رجل القوات الخاصة الأمريكي “مايكل تايلور”.
وقام شخصان لبنانيان بدور الوسيط في عملية تكليف “تايلور” بهروب “غصن”، لكن الأخير كان له الدور الأكبر في ترتيب العملية. واستقل “تايلور” قطارا فائق السرعة من طوكيو، حيث كان يحتجز “غصن”، إلى مدينة أوساكا، الواقعة على بعد 500 كم.
وهناك، نقل “غصن” إلى طائرة خاصة كانت تنتظره في مطار المدينة الذي لا يخضع لإجراءات تفتيش دقيقة، بعد أن وضعه داخل صندوق كبير كان يستخدم لنقل الآلات الموسيقية. وصلت الطائرة إلى تركيا، حيث تم نقله إلى طائرة أخرى كانت تنتظر على المدرج نقلته إلى لبنان.
وقال التقرير إن شركة الطيران التركية “إم إن جي” هي التي أجرت الطائرتين، لكن تبين أن مدير العمليات في الشركة، “أوكان كوسمان”، شارك في العملية دون أن يكون على دراية بذلك. وقال “كوسمان” أثناء التحقيقات إن أحد معارفه اللبنانيين اتصل به وطلب المساعدة في قضية “ذات أهمية على المستوى العالمي”، موضحا أن أسرته ستكون في خطر إذا رفض. وأوضح في التحقيقات أنه كان خائفا، ونقل رجلا من طائرة إلى أخرى في المطار، دون أن يعرف من هو.
من هو “مايكل تايلور”؟
“مايكل تايلور” هو عنصر سابق في القوات الخاصة الأمريكية، يبلغ من العمر 59 عاما، خدم في عدد من بلدان الشرق الأوسط، وبعد أن دفع رشوة لمسؤول في مكتب “أف بي آي” سجن في الولايات المتحدة.
وكانت الرشوة تهدف إلى إيقاف التحقيق في عقد أبرمته “البنتاجون” مع شركة “تايلور” لتدريب القوات الخاصة الأفغانية. لم يكمل “تايلور” دراسته والتحق بالجيش، وسرعان ما أظهر براعة نقلته إلى القوات الخاصة.
خلال الحرب الباردة، التحق “تايلور” بوحدة “المتفجرات النووية الخاصة بعمليات التدمير”، وكان يطلب منها تنفيذ عمليات إنزال بالمظلات خلف خطوط العدو.
وكانت المهمة الأساسية للوحدة هي الإنزال الجوي وفتح المظلة في آخر لحظة وتفجير قنبلة نووية يدوية يحملها كل واحد من عناصر الوحدة في حقيبة يدوية في معسكر “فولدا غاب” في ألمانيا، حال تعرضه للغزو السوفيتي، بحسب “بي بي سي”.
في 1982 وصل “تايلور” إلى لبنان بهدف تقديم التدريب لميليشيا “القوات اللبنانية” بعد الغزو الإسرائيلي واغتيال الرئيس “بشير الجميل”.
وبعد 4 سنوات من انضمامه للجيش، تركه وعاد إلى لبنان للعمل كمقاول أمني ويشرف على تدريب القوات المسيحية. وخلال تلك الفترة، تعلم “تايلور” اللغة العربية وتزوج من اللبنانية “لمياء عبود” عام 1985. وخلال تلك الفترة أيضا، تعرف “تايلور” على اللبناني “جورج أنطوان زايك”، الذي كان إلى جانب “تايلور” على متن الطائرة التي نقلت غصن من اليابان إلى أنقرة.
في 1985 عاد “تايلور” إلى نيويورك، وعمل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي وأجهزة أمن أمريكية أخرى بهدف مكافحة تجارة المخدرات وتزوير العملة. وشارك “تايلور” في عمليات لمكافحة الاتجار بالمخدرات في لبنان بتكليف من الحكومة الأمريكية عام 1988. وبالفعل تمكن من الوصول إلى مصانع إنتاج المخدرات في وادي البقاع اللبناني، حيث كانت تنتشر حقول زراعة الحشيش تحت إشراف القوات السورية هناك.
ونجحت السلطات الأمريكية بفضل جهود “تايلور” في مصادرة قارب يحمل كمية من الحشيش بلغت قيمتها 100 مليون دولار.
في 1994، بدأ “تايلور” العمل بشكل خاص، وأسس شركته “الهيئة الأمنية الأمريكية الخاصة” التي أبرمت لاحقا عقودا مع عدد من الجهات الحكومية والإعلامية لتقديم خدمات أمنية.
تولت شركته تدريب قوات الكوماندوز وحراسة البنية التحتية في جنوب العراق، وتقديم الحماية لفرق التحقيق في المقابر الجماعية وموظفي شركات النفط، ولجأ “تايلور” إلى توظيف العديد من المسيحيين اللبنانيين بعد أن ازدهرت أعمال شركته، بحسب “بي بي سي”.
مع عودة قضية “غصن” إلى الواجهة، عادت الأضواء لتسلط على “تايلور” من جديد.
وقالت وسائل إعلام إن التخطيط لعملية إخراج “غصن” من اليابان تطلب شهورا عدة، وإن الفريق سافر إلى اليابان أكثر من عشرين مرة، وقام بعمليات استطلاع لأكثر من 10 مطارات يابانية، إلى أن تمكن من العثور على ثغرة أمنية في مطار أوساكا يمكن استغلالها لإخراج “غصن” من اليابان، بحسب التقرير.
وتابعت “بي بي سي”: “في العاصمة طوكيو، خرج غصن من الشقة التي كان يُحتجز فيها رهن الإقامة الجبرية. التقى بشخصين في فندق في طوكيو واستقل الثلاثة قطارا سريعا إلى مدينة أوساكا. وبعد أن لبس غصن قناع وجه صُنع خصيصا له وقبعة، دخل الثلاثة فندقا قريبا من المطار، وهناك تم وضع غصن في صندوق كبير يُستخدم في نقل مكبرات الصوت العملاقة”. وأضاف التقرير: “تم إحداث ثقوب في أسفل الصندوق لمساعدة غصن على التنفس”.
وتقول السلطات اليابانية إن صور كاميرات المراقبة في الفندق تُظهر شخصين فقط يخرجان من الفندق مساء ومعهما صندوقان كبيران. تم نقل الصندوق الكبير إلى الطائرة دون أن يخضع للتفتيش الجمركي.
أقلعت الطائرة وحلقت لمدة 12 ساعة متواصلة عبر الأجواء الروسية، متفادية الأجواء الكورية والصينية والمنغولية والكازاخية إلى الحد الأقصى، حتى وصلت إلى مطار أتاتورك في إسطنبول.
وبهدف تفادي إثارة الشبهات، جرى تبديل الطائرة هناك حيث تم نقل “غصن” إلى طائرة أخرى تابعة للشركة التركية، وأقلعت بعد 45 دقيقة من وصول الأولى ونقلته إلى مطار بيروت، دون أن يرافق “تايلور”، “غصن” من إسطنبول إلى بيروت.
وقالت وسائل الإعلام التركية إنه تم العثور على الصندوق الذي كان يُعتقد أن “غصن” اختبأ فيه داخل الطائرة.