الدبور – قصة تستحق أن تكتب كرواية وأن تصور كفلم عالمي قد يحصل على جوائز عالمية، هي قصة شاب غزاوي عاش ٣ حروب على غزة، ولكنه أفاق ووجد نفسه يهودي ومواطن يحمل جنسية الكيان الذي قتل كل عائلته تقريبا.
القصة بدأت قبل 32 عاماً عندما أحب عامل فلسطيني من سكان قطاع غزة فتاة يهودية حين كان يعمل في “إسرائيل”، وتزوج منها وعاشا في بداية حياتهما داخل الأراضي المحتلة، ثم أقنعها بضرورة إكمال العيش في القطاع مسقط رأسه وبين أهله.
استجابت “رينا”، الفتاة اليهودية، في حينها لزوجها الشاب الفلسطيني، وتمكنت من دخول قطاع غزة بسهولة تامة ودون أي قيود، لكون حاجز بيت حانون “إيرز” الذي يربط القطاع بالأراضي المحتلة لم يكن موجوداً في حينها، وكان الدخول والخروج إلى “إسرائيل” من دون أي إجراءات أمنية مشددة.
عاشت العائلة الجديدة حياة طبيعية داخل غزة، وأنجبت الفتاة اليهودية من زوجها الفلسطيني طفلاً وطفلة، ولكن فجأة حدث خلاف بين الزوجين انتهى بالطلاق بينهما، ومعه عادت رينا إلى “إسرائيل” من جديد ولكن دون أولادها.
أمضت رينا 23 عاماً دون أن ترى أي صورة لأبنائها أو تسمع أصواتهم، ولكنها بدأت بالتحرك من أجل الوصول إليهم، فكانت وجهتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تمكنت من الوصول إلى ابنها “رامي” دون شقيقته.
في البداية، وكما علم “الخليج أونلاين”، لم يتعاطَ رامي مع الصليب الأحمر ورفض الحديث مع أمه خشية وقوعه ضحية من قبل الإسرائيليين، وعدم تأكده من دقة رواية اللجنة الدولية.
عاد الشاب إلى حياته الطبيعية وعمله في الدهانات التي كان يتقنها في غزة، ولكن بقي في قلبه شيء حول الاتصال الذي جاءه من الصليب الأحمر، واشتياق لأمه التي لم يرها طيلة حياته.
بعد شهور عاود الصليب الأحمر الاتصال برامي وأخبره مجدداً أن أمه تريد الحديث معه، فاستجاب لهم، وكانت المكالمة الأولى التي جمعته بوالدته بعد 23 عاماً من خلال مترجم، لكونه لا يتقن اللغة العبرية التي تتحدث بها أمه.
بعدها اختلفت حياة رامي؛ إذ علم أن أمه يهودية وهو ولد وترعرع في قطاع غزة المحاصر، وشهد فيه 3 حروب طاحنة من قبل الإسرائيليين، وعايش بنفسه الاعتداءات على جيرانه وأهله من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وحتى عائلته استشهد منهم العديد من الأشخاص.
إقرأ أيضا: والدة الضحية العامل السوري محمد الموسى ترد على نانسي عجرم، لن أقبل التعزية من قاتلة (فيديو)
الصراع واللحظة الفاصلة
عاش الشاب في حالة صراع داخلي غير مسبوقة لم تمر عليه في حياته، وأصبح أمام خيارين أحلاهما مر، إما عدم الحديث مع أمه اليهودية، وأن يكمل حياته في غزة التي عاش فهيا وأحبها، أو الذهاب إلى حياة أخرى بها سلطات ارتكبت جرائم حرب ضد أهله الذين تربى معهم.
هنا قرر رامي الذهاب إلى أمه بعد حصوله على موافقة والده، وبالفعل نجح في ذلك ودخل “إسرائيل” عبر حاجز “إيرز” شمال قطاع غزة، وكانت والدته بانتظاره مع جواز سفر إسرائيلي، وجنسية إسرائيلية.
منذ اللحظات الأولى لوصوله إلى “إسرائيل” بدأ رامي بمشاركة تفاصيل حياته مع أصدقائه الغزيين عبر حسابه في موقع “فيسبوك”، ونشره لآيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة، وذلك في محاولة منه لإثبات أنه لا يزال مسلماً رغم حصوله على الجنسية الإسرائيلية.
حاولت والدة رامي العمل على دمجه في المجتمع الإسرائيلي من خلال توفير فرصة عمل جيدة له وبراتب مغرٍ وصل إلى 500 شيكل يومياً (150 دولاراً)، في حين لا يزال الشاب قلبه متعلقاً بغزة وأهلها، إذ لم يتوقف عن الاتصال بأهله وأصدقائه، مع إظهاره حالة الندم على دخوله لـ”إسرائيل”، واعتباره مواطناً يهودياً.
لم تدم أيام رامي في “إسرائيل” كثيراً، إذ أقدمت قوات كبيرة من الاحتلال الإسرائيلي بعد 45 يوماً فقط من وصوله إليها على اعتقاله بعد اقتحام بيت أمه الذي يسكن فيه في “تل أبيب”، وتحطيم جميع الأثاث، ووضعه في السجن لأسباب غير معروفة.
ولم يعرض رامي على أي محكمة إسرائيلية لمعرفة التهم الموجهة إليه، رغم أنه مواطن إسرائيلي له حقوق وفق قوانين دولة الاحتلال.