الدبور – نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا عن ما حصل بعد إغتيال امريكا لقاسم سليماني، وردة الفعل في الشارع الإيراني، وكيف هذا الإغتيال أنهى تقريبا الحراك الي كانت تشهده شوارع إيران ضد الحكومة ووحد الشعب أو انساهم حراكهم من جديد، بمعنى عصفورين بحجر.
وجاء في التقرير: في جميع أنحاء إيران، احتشد عشرات الآلاف في الشوارع حدادا على اللواء “قاسم سليماني”، وقام رجال ونساء يرتدون ملابس سوداء بضرب صدورهم، كما رفع العلم الأسود على القبة الذهبية لمزار الإمام الرضا في مدينة مشهد، أحد أقدس مواقع الشيعة.
قبل بضعة أسابيع فقط، كانت الشوارع مليئة بالمتظاهرين الغاضبين من قادتهم بسبب الاقتصاد المتدهور والعزلة الدولية للبلاد، لكن على الأقل في الوقت الحالي، إيران متحدة غضبا من الولايات المتحدة، و لسنوات، كانت البلاد منقسمة يقودها ثوار كبار السن عازمون على فرض إرادتهم على الشباب الذين لا يذكرون عهد الشاه، الذي تم خلعه في الثورة الإسلامية عام 1979، والذين يتعطشون للعيش في دولة مندمجة مع العالم، و فجأة، مع اغتيال شخص واحد، احتشدت الأمة خلف قادتها؛ الشباب والكبار والأغنياء والفقراء.
كان الجنرال “سليماني”، وهو أقوى زعيم عسكري في إيران، يحظى بتقدير واسع، وبعد مقتله في بغداد يوم الجمعة في غارة جوية أمريكية بطائرة بدون طيار، أصبحت صورته الآن في جميع أنحاء طهران، محاطة بأغطية سوداء.
وفي العراق، تظاهر عشرات الآلاف من المقاتلين المؤيدين لإيران في العاصمة بغداد، متعهدين بالانتقام من الولايات المتحدة في موكب جنازة لشخصين عسكريين عراقيين يحظيان بالاحترام قتلا في الهجوم على الجنرال “سليماني”.
وفي إيران، عبر السياسيون والناس العاديون من جميع المشارب عن تأييدهم لتعهد المرشد الأعلى “علي خامنئي” بأن “الانتقام الشديد ينتظر هؤلاء المجرمين” الذين قتلوا الجنرال.
ويبدو أن الاغتيال قد عزز قبضة المتشددين على السلطة، وحيّد على الأقل في الوقت الراهن أولئك الذين دعوا إلى إجراء محادثات مع الغرب داخل إيران وخارجها.
وظل المعتدلون في إيران مثل الرئيس “حسن روحاني” في موقف دفاعي منذ انسحاب “ترامب” من الصفقة النووية لعام 2015 وفرض مجموعة من العقوبات، ما ساهم في تدهور اقتصادي حاد، كما أن احتمال إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة أصبح “دون الصفر”.
تمنح إيران مرتبة الشرف لـ”سليماني” كما لو كان يمثل خليطا نادرا جمع بين رجل الدولة ورجل الدين، وسيتجول جسده حول المزارات في جميع المدن المقدسة للشيعة من سامراء والكاظمية وكربلاء والنجف في العراق إلى مشهد وقم في إيران.
إقرأ أيضا: الأمن في سلطنة عمان يقبض على إماراتي حاول التخريب في البلاد
ومع اقتراب جسده من الوصول إلى 4 مدن إيرانية خلال الأيام القليلة المقبلة، من المتوقع أن تحضر حشود كبيرة لعرض تضامنها وتحديها، ومع ذلك، فإن عرض الوحدة هذا يمكن أن يكون قصير الأجل.
تظل المظالم العميقة التي أشعلت الاحتجاجات ضد الحكومة في نوفمبر/تشرين الثاني قائمة: الصعوبات الاقتصادية والعزلة الدولية والقمع الاجتماعي، وقد امتدح بعض مؤيدي المعارضة الإيرانية عملية الاغتيال وأيد زيادة واشنطن لسياسة الضغط القصوى على حكام إيران.
في الشهر الماضي فقط، هزت الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة إيران، ما أظهر سخطًا عميقا، والذي جرى تعليقه فقط مع حملة قمع وحشية أسفرت عن مقتل ما يصل إلى 1000 شخص، ومن المتوقع الآن أن يشتت الغضب من الولايات المتحدة الانتباه عن المعاناة الاقتصادية للبلاد والاحتجاجات الأخيرة.
وقد يوفر الاغتيال لقادة إيران ذريعة لتكثيف قمع المعارضين والنقاد.
وقال “أمير الرشيدي”، خبير الأمن السيبراني الإيراني المقيم في نيويورك، إن “مقتل سليماني كان أسوأ شيء يمكن أن يحدث للحركات المدنية في إيران والعراق.. هذا يعني المزيد من الضغط على الأشخاص الذين يتعرضون للقمع السياسي والاقتصادي بالفعل”.
انتقل “سليماني” من قائد في الظل إلى اسم مشهور، وشوهد بانتظام في مقاطع الفيديو الإخبارية وهو يوجه القوات في المعركة، ويلتقي مع القادة المتحالفين ويتلو الشعر عن الشهادة.
وقالت “سنام وكيل”، الباحثة في معهد “تشاتام هاوس”: “يعتبر قاسم سليماني الوجه العام لسياسة إيران الإقليمية” وقد تحول الإيرانيون الذين يتكلمون بصراحة في دعم حقوق الإنسان إلى التضامن الوطني والحزن على وفاته.
كان يعتقد أن الجنرال “سليماني” محافظ على نطاق واسع، لكنه حرص على عدم الانحياز إلى أي فصيل سياسي في إيران أو الانخراط في النزاعات الداخلية، ما سمح له بأن ينظر إليه على أنه أعلى من السياسة.
وقالت “أريان طباطبائي”، باحثة في مؤسسة “راند”: “إنه شخص لديه عمق واتساع في العلاقات داخل النظام الإيراني سمح له بالعمل مع جميع اللاعبين الرئيسيين”.
وأشارت إلى علاقة العمل الوثيقة التي كونها مع وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”، الذي يُنظر إليه على أنه معتدل.
وأضافت: “كل ممثل سياسي رئيسي داخل إيران، من الإصلاحيين إلى المتشددين، يقول إن هذه خسارة كبيرة”.
وأعلنت إيران عن مسيرة جنازة تستمر 3 أيام لـ “سليماني” بدأت يوم السبت في بغداد ثم انتقلت إلى مدن أخرى في العراق، وستستمر المسيرة في مشهد بإيران يوم الأحد وفي طهران يوم الإثنين، حيث يصلي “خامنئي” على جثة الجنرال في جامعة طهران.
ثم يوم الثلاثاء سيذهب إلى مسقط رأسه، كرمان، لدفنه، وقد ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أنه ترك وصية يطلب دفنًا بسيطًا هناك.
وقال عدد من الناس على دراية بتنظيم الجنازة إنه من المتوقع أن يأتي عدد كبير من المشاركين، ومن المتوقع أن يحضر قادة الجماعات المسلحة من جميع أنحاء المنطقة.
وقال “راز زيمت”، المتخصص في شؤون إيران بمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: “إن الكثير من الإيرانيين، سواء أحبوا النظام أم لا، اعتبروا سليماني رمزًا وطنيًا”.
منذ انسحاب “ترامب” من الصفقة النووية، أعادت إيران إحياء برنامجها النووي على مراحل، وسط تصاعد النزاعات مع الولايات المتحدة. ووعد الأوروبيون الموقعون على الاتفاق بإيجاد طريقة لتعويض آثار العقوبات، لكنهم فشلوا حتى الآن.
وقال المحلل السياسي “فالي نصرط”، إن “إيران ستجري انتخابات تشريعية الشهر المقبل، وأعتقد أن المتشددين سوف يقومون بعمل جيد للغاية، هذا النوع من الضغط على إيران، كما هو الحال في أي بلد يصب في مصلحة المتشددين وقوات الأمن”.