الدبور – عملية إغتيال قاسم سليماني الأخيرة لم تكن المحاولة الأولى لإغتياله، فقد سبق عملية اغتيال قاسم سليماني الأخيرة أكثر من ثلاث محاولات فاشلة كان آخرها مطلع أكتوبر الماضي، التي تمت خلال مراسم العزاء في حسينية خاصة بوالد سليماني بمسقط رأسه في مدينة «كرمان» حيث تم زرع متفجرات تتراوح بين 350 حتى 500 كغ، لكن قوات الحرس الثوري اكتشفتها، ولاحقاً ادعت إيران أنه كان يقف خلف العملية إسرائيل وأنظمة أخرى.
المحاولات الفاشلة ومكانة جنرال إيران الأبرز بين القيادات الإيرانية، أثارت الكثير من التساؤلات حول عملية الاغتيال التي نفذتها القوات الأميركية التي أدت إلى قتل سليماني وأبو مهدي المهندس، إلا أن أبرز التسؤلات كانت حول الأخطاء التي وقع فيها سليماني وقيادات طهران.
بحسب تقرير لمجلة «بوليتيكو» الأميركية، التي استندت فيه لمسؤولين أحدهم دفاعي بالبنتاغون والآخر مسؤل حكومي إسرائيلي سابق رفيع المستوى، فانه «مع تكثيف الهجمات الصاروخية على القواعد الأميركية في العراق، منح الرئيس الأميركي دونالد ترامب البنتاغون الإذن بقتل قاسم سليماني»، وهي الهجمات التي اعتبرتها أميركا تهديداً لنفوذها في العراق من قبل إيران».
وتابعت المجلة «كان سليماني في كثير من الأحيان يتباهى بنفوذه وهو يتنقل بين طهران وبغداد وبيروت لحضور اجتماعات» ووفقا للمسؤول الإسرائيلي ، «لا أعتقد أنه كان من الصعب للغاية العثور عليه لأنه ففي خلال الثلاث سنوات الماضية كان سليماني يعمل في العراء».
مصادر «بوليتيكو» أكدت أن الأجهزة الأميركية كانت تعرف مكان سليماني في كل دقيقة من كل يوم «لا توجد لحظة في أي يوم لا تستطيع فيه خمس أو ست وكالات استخبارات أن تخبرك أين هو».
ووفقا للمجلة فإن سليماني كان يعرف أنه من السهل إيجاده لاسيما مع تحركاته الكثيرة بين العراق ولبنان وسوريا لكنه كان يظن أنهم لا يجرؤون على ضربه «لقد كانت واحدة من نقاط حديثه: يمكن للأمريكيين أن يجدوني في أي وقت ، إنهم فقط لا يجرؤون على ضربي».
رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، محمد محسن أبو النور، قال في تصريح لموقع القبس «وفق تحليل العملية يمكن القول إن قاسم سليماني ارتكب خطأ استراتيجيا فادحاً؛ لأنه اجتمع مع كل هؤلاء القادة الميدانيين العراقيين واللبنانيين في مكان واحد، ما جعل من قتلهم بضربة واحدة فرصة لا يمكن تفويتها أمريكياً، وهو ما يشير كذلك إلى أن واشنطن كانت تملك الكثير من المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بتحركات القادة الإيرانيين.
يتابع، بالرجوع إلى الوراء قليلا بضعة أيام فإن معطيات السياق تشير إلى أنه عندما أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على قصف 5 مواقع لحزب الله العراقي في التاسع والعشرين من ديسمبر الماضي بكل من العراق وسوريا؛ رداً على مقتل مقاول أمريكي في اليوم الذي سبقه، كان أن رد حزب الله العراقي بحصار السفارة الأمريكية في بغداد، وبعدها أدان كبار قادة العراق الضربات الأمريكية ولم يتعرضوا بالإدانة أو الشجب لمقتل المقاول الأمريكي الذي كان متعهدا لتوريد الأغذية إلى السفارة.
إقرأ أيضا: هرب من الكويت وصدام حسين بجواز سفر باكستاني.. تعرف على أبو مهدي المهندس الذي إغتالته أمريكا
وأستطرد الخبير في الشأن الإيراني، «بعد مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وقادة آخرين أمس نددت الحكومة العراقية على لسان رئيس وزرائها بتلك العملية لكنها لم تتعرض بالتنديد لأي سلوك إيراني ضد المصالح الأمريكية على اعتبار أن سليماني والمهندس كانا يخططان لعمليات نوعية مكثفة وموسعة ضد القوات الأمريكية في العراق، وقاما بالفعل طيلة الأشهر الماضية بعمليات مماثلة.
ويرى أبو النور أنه بناء على ما تقدم؛ جاء قرار البنتاغون بضرورة اللجوء إلى مخاطرة تصعيدية، ضد قادة العمليات المحتملة لاستبعاد تهميش واشنطن من العراق، وهو التهميش الذي اقتضى عملية عسكرية تحمل ما تحمله من مجازفة تنطوي على تبعات تصعيد غير محسوب مع إيران، لاسيما أن إيران تمتلك بالفعل الكثير من أوراق التأثير في الإقليم.
وأضاف «أما رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي الذي أدان العملية فقد أماط اللثام عن اصطفافه الكامل مع إيران، مستمدا موقفه من كونه مؤيدا من الداخل بكتلة سائرون وعصائب أهل الحق وأطياف عديدة على رأسها المرجع الأعلى آية الله السيستاني الذي أدان العملية ورفض النهج الأمريكي، وهو ما يعطي لإيران أفضلية في الرد على العملية بالميدان نفسه، أي في العراق وليس في أي ساحة أخرى».
ولفت أبو النور إلى أنه في ضوء تلك التطورات يبدو أن الخطوة الأمريكية جاءت في عدة أطر منها إطار الاستباق؛ لأن سليماني كان يخطط لعمليات ضد المصالح الأمريكية في العراق، وفقا لبيان البنتاجون الذي أراد القول إنه في عهد وزيره الجديد، مارك إسبر، لن يسمح بتكرار سيناريو الثمانينات ضد المصالح الأمريكية في الإقليم.
وأرجع ابو النور تعيين إيران نائب قاسم سليماني الجنرال إسماعيل قآاني قائداً لفيلق القدس هو بمثابة رسالة سريعة مفادها أن طهران كانت متجهزة لهذا السيناريو وأن لديها عدة طبقات من القادة يمكنهم ملء الشغور الناتج عن تغييب أي شخصية حتى لو كانت على المستوى الأعلى. واختتم تصريحاته «ليس من نافلة القول، الذهاب إلى أنه من المستبعد أن تكون إسرائيل وجهة الرد الإيراني الحتمي المتوقع؛ لأنها لم تكن طرفا في الأزمة، وقد كان ذلك مقصوداً من البنتاجون بعدم إشراك تل أبيب في العملية، حتى يمكن السيطرة على سيرورة التصعيد إذا ما اقتضت الضرورة ذلك».
المصدر القبس