الدبور – كتب الكاتب العماني الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي مقالا عن ما يجري في لبنان البلد لاذي يعشق كما قال، وصف به الحال هناك بإختصار قد يكفي العنوان للمقال التفصيلي للحال الذي يعيشه لبان حاليا.
المقال نشر في موقع أثير المحلي في سلطنة عمان، ولسعه الدبور، وينقله لكم كما هو:
لم أجدْ عنوانًا يتناسب ومقالي هذا غير هذا العنوان؛ إذْ يتناول تشبيه الوضع السياسي في بلد شقيق عزيز على نفسي، وهو لبنان الكبير بتاريخه ونضاله ضد العدو الصهيوني الإسرائيلي ، الذي لا يزال محتلا لقرى شبعا وكفر شوبا .
نعم الشعب اللبناني القوي بصبره وتحمله لكل ما يعانيه من اعتداءات إسرائيلية ، ومشاكل اقتصادية خانقة ، وفوضى وتمزق بين الأطياف والأحزاب السياسية ، ناهيك عن الفساد الذي ينخر في كل مفاصل الدولة ؛ فهو يحتل المرتبة رقم ١٣٨ عالميا من حيث مؤشر الفساد ، فيما يحتل المرتبة رقم ١٣ من أصل ٢١ دولة عربية لعام ٢٠١٨م ، يقف هذا الشعب اليوم على قمة جبل القرنة السوداء ، مسلمين ومسيحيين، سنة وشيعة ودروز ، مارون وكاثوليك وأرمن ، وبغضّ النظر عن انتماءاتهم الحزبية ، سواءً أكان الانتماء لحزب الله ، أم حركة أمل ، أم تيار المستقبل ، أم التيار الوطني الحر ، أم القوات اللبنانية أم حزب الكتائب أم الحزب التقدمي الاشتراكي أم غيرها من الأحزاب السياسية الأخرى، تتلخص مطالبهم جميعًا في تحسين الوضع الاقتصادي للبلد ، وتحسين الأوضاع المعيشية للناس ، ومحاربة الفساد بكل أنواعه ، ونبذ الطائفية السياسية والدينية والمذهبية ، والنهوض بالبلد تنمويًا ، أما الطبقة السياسية أو كما يحلو للبنانيين تسميتها النخب السياسية ، فإنهم عالقون في أسفل الجبل ، يتقاتلون فيما بينهم لاقتسام غنائم السلطة ، ويكرسون المحاصصة في تولي المناصب الحكومية ، بدءًا من المناصب الوزارية وصولا إلى المناصب الإدارية الدنيا ، العسكرية منها أم المدنية ، بل وحتى القضائية ، وعلى الجانب الآخر يتقاذفون الاتهامات وهم بارعون أيضا في ابتكار مصطلحات ومفردات التخوين لبعضهم البعض ، والعجب العجاب أنك كلما سمعت شخصية سياسية تتحدث عن الوحدة وضروروة الاهتمام بمصالح الناس ومحاربة الفساد، خرجت بانطباع عنها أنها على حق حتى تسمع شخصية غيرها فتشك في نفسك ، بأن كل ما سبق وسمعته كان مجرد حلم تراءى لك في المنام .
إنّ لبنان ودالذي كان يطلق عليه في وقت من الأوقات، باريس الشرق بسبب تقدمه وتطوره ورفاهية شعبه ، ونظافة كل شارع بل كل زاوية فيه ، بات اليوم يعاني من شح في الكهرباء والمياه والبنزين والدواء وسائر الخدمات الأخرى ، وتكدّس رهيب للنفايات ، وهذا ما دفع ببعض اللبنانيين لهجرة بيروت وطرابلس وصور وصيدا وزحله والنبطية ، للعيش في ديار الغربة هربا من الوضع المتردي في بلادهم .
والأمر الأشد إيلامًا فوق كل هذا وذاك ، هو ارتهان النخب السياسية دون استثناء على التدخلات الأجنبية في الشأن الداخلي اللبناني ، حتى أصبحت السفارات تجتمع بحلفائها في وضح النهار في خرق واضح للقواعد والأعراف الدولية ، فلا أحد يتحرج من أحد ، فالكل في ذلك حُمُق .
والمؤكد اليوم أنّ لبنان يمر بظروف وأوضاع غاية في الخطورة ، فقد وصف دولة الرئيس نبيه بري رئيس مجلس النواب والسياسي المخضرم ، الوضع اللبناني بالسفينة التايتنك ، وهو وصف دقيق جدا ، ومع كل ذلك لا يعي الفرقاء اللبنانيّون خطورة المأزق الذي وصلوا إليه ، أو أنهم يعوا ذلك وهم في غفلة ساهون ، اشرأبّت أعناقهم إلى السلطة والكراسي والاستقواء بالخارج الأجنبي ، حيث لكل فريق مَن يدعمه من الخارج ، والسفينة تايتنك تزداد غرقًا ، فإذا غرقت -لا قدّر الله- فلن تكون حال لبنان أفضل ممّا آلت إليه حال السفينة .
منذ السابع عشر من شهر أكتوبر ، والشعب اللبناني يدعو زعماؤه إلى التعامل مع الموقف بشيءٍ من الحكمة ، وترك الخلافات السياسية جانبا ، ريثما – على الأقل – يتعافى البلد من أزمته ، ولكن لا آذانٌ تسمع ، ولا عقول تُحكّم ، بل جُعلَت الأهواء والمصالح الخاصة هي المتحكمة في المشهد اللبناني للأسف الشديد ، ومع كل هذا فالخوف على هذا البلد العزيز الشقيق من أن تأخذه الأمواج العاتية إلى حربٍ أهليّة جديدة تذكرنا بحرب ١٩٧٥م وما تلاها حتى توقيع ميثاق الطائف عام ١٩٩٠م ، ولبنان لا يتحمل حربا جديدة ، ولا يتحمل فوضى وصراعات أخرى ، وسائر البلدان العربية بالطبع ، ومن هنا فعلى اللبنانيين جميعا تقديم مصلحة لبنان وشعبها على أية مصالح شخصية ، ليكفروا بكراسي السلطة فمآلها إلى زوال ، ثم عليهم أن ينبذوا العصبية البغيضة بكل أشكالها وألوانها ، فهو مصطلح نتنٌ كريهٌ ، كما يجب على الساسة الجلوس والحوار معا ، وليتخلصوا من عباءات الخارج الذي يراهن على مصالحه ، ويتخذ من لبنان مطية لتحقيق تلك المصالح ، ليكن القرار لبنانيا صرفا ، أفيقوا يا قوم من أوهامكم ، واستغلوا الفرصة الأخيرة التي أمامكم، قُوا أنفسكم وأهليكم غرق السفينة واصعدوا إلى شعبكم في قمة جبل القرنة السوداء . بارك الله فيكم وفي لبنان الكبير ، فلبنان هو هالة الحرية والديمقراطية الجميلة في الوطن العربي ، فحافظوا عليه وعليها .