الدبور – دبي ليست على وشل الإنهيار بل إنهارت فعلا، هذا ما تقوله الكثير من التقارير الإقتصادية، وما إعلان إفلاسها و إنهيارها التام إلا مسألة وقت، وما تقوم به حكومة دبي عبارة عن ضمادات لجرح الإنهيار وليس العلاج، فهي الأن تبحث عن قروض لتأجيل الإنهيار التام.
و تتخبط إمارة دبي في أزمة اقتصادية غير مسبوقة ما دفع إدارتها إلى البحث عن الحصول على قروض هربا من واقع الاقتصادي الشامل الذي تؤكد التقارير المتطابقة أنه اصبح وشيكا للغاية، واعترفت حكومة دبي قبل أيام بالحجم الضخم للديون التي تثقل كاهل الإمارة، وأنها تبحث عن الاقتراض للتعامل مع الأزمة.
وصرح مسؤول اقتصادي في دبي بحسب وكالة رويترز العالمية للأنباء بأن الإمارة مستمرة في خدمة ديونها ومستعدة للحصول على المزيد من الدين إذا اقتضت الضرورة، مضيفاً أن الدين الحالي لدبي يبلغ 124 مليار دولار. وهذا الرقم قريب جداً من الرقم الذي نشرته “العربي الجديد” يوم الثلاثاء، والمقدر بنحو 125 مليار دولار.
وقال رائد صفدي كبير المستشارين الاقتصاديين في دائرة التنمية الاقتصادية بدبي خلال مناسبة في الإمارة “نواصل خدمة الديون في مواعيدها كما هو مقرر. مستعدون للحصول على المزيد من الديون إذا كان ذلك ضرورياً”.
وتتفاوض حكومة دبي سراً منذ أسابيع مع مجموعة مصارف عالمية وإماراتية لترتيب قرض، عبر إصدار سندات دولارية، حتى تتمكن من تسديد أقساط خدمة الديون وعدم الوقوع في شباك التخلف عن السداد التي تقود تلقائياً إلى الإفلاس. وكانت مجموعة “موانئ دبي العالمية” قد أدرجت صكوكاً إسلامية بقيمة 500 مليون دولار، وسندات بقيمة 500 مليون دولار في بورصة ناسداك دبي.
وتعتبر موانئ دبي العالمية أكبر جهة مصدرة لسندات الدين في هذه البورصة الدولية على مستوى المنطقة، حيث بلغت القيمة الإجمالية لإدراج الصكوك الإسلامية والسندات التقليدية مبلغ 9.09 مليارات دولار. وقد أدرجت الصكوك والسندات في سوق ناسداك دبي في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
ولا يبتعد الرقم المعلن كثيرا عن الرقم الذي أعلنته وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال” الأميركية للتصنيف الائتماني، والتي قدرت ديون حكومة دبي بحوالى 65 مليار دولار، وديون الشركات الحكومية بدبي بحوالى 60 مليار دولار، بإجمالي 125 مليار دولار.
وتواجه دبي، انخفاضا وتراجعا في قطاع العقارات الحيوي منذ سنوات، بينما انخفض النمو في قطاعي التجارة والسياحة، وهي قطاعات تعتبر من أبرز دعائم اقتصادها، بحسب “أ ف ب”.
وانخفضت قيمة التبادلات العقارية في دبي بنسبة 21.5% إلى 60.7 مليار دولار العام الماضي، وفق بيانات حكومية، بينما بقي عدد السياح ثابتا عند 16 مليون سائح العام الماضي.
وأرجع رئيس الأبحاث في المركز المالي الكويتي، “أم ار راغو”، تراجع النمو في دبي إلى ضعف السوق العقاري وانخفاض الانفاق الاستهلاكي.
وقالت وكالة بلومبيرغ الأميركية في تقرير حديث لها، إن المصارف في الإمارات، التي لا تزال تعاني من تداعيات الأزمة المالية عام 2010 التي أصابت سوق العقارات في دبي، تعاني حالياً من مخاطر جديدة بسبب تراجع أسعار العقارات، والقروض غير المرتبطة بمدة لدفعها.
وأظهر مسح للوكالة في سبتمبر/أيلول الماضي أن أسعار العقارات في دبي تراجعت بنسبة راوحت بين 25 و35 في المائة منذ منتصف 2014، وأن محللين يتوقعون مزيداً من الانخفاض هذا العام والعام المقبل، وسط تباطؤ الاقتصاد وزيادة المعروض من الوحدات السكنية.
وتأتي هذه الأزمة في وقت مختلف تماماً عن الأزمة المالية السابقة التي مرت بها إمارة دبي عام 2009، حيث إنها وحسب تقرير بمجلة فوربس، تعاني حاليا، بالإضافة إلى الانهيار في قطاع العقارات، من تدني أسعار النفط وأزمة الاضطراب الجيوسياسي والتوتر العسكري في منطقة الخليج.
كما أن الإنفاق الكبير على تمويل النزاعات والمليشيات، وتدهور أسعار النفط، وتشديد الحظر الأميركي على إيران التي كانت تعد من أهم شركائها التجاريين، فاقمت بدورها من الأزمة في دولة الإمارات. وما تعاني منه دبي حالياً ليس منفصلاً عن المعاناة التي تعيشها الإمارات الأخرى.
لكن لا يبدو أن أزمة الديون التي تمر بها إمارة دبي معزولة عن مجموعة أزمات أخرى تمر بها الإمارات على صعيد غلاء المعيشة، وانخفاض الوظائف، وارتفاع الديون الشخصية، وتدهور القوة الشرائية لدى المستهلكين، وإغلاق المحلات التجارية في مراكز التسوق الكبرى، والتداعيات السلبية لتشديد الحظر الاقتصادي والتجاري على طهران.
على صعيد تداعيات الحظر على الاقتصاد الخليجي، تعد الإمارات من أكثر الدولة التي تضرر اقتصادها من الحظر الأميركي على طهران، خاصة مع ضخامة رقم التبادل التجاري بين إيران والإمارات.
وحسب ما نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز” عن مسؤول إماراتي في يوليو الماضي، فإن الحجم التجاري الإماراتي مع إيران بلغ 70 مليار درهم (نحو 19 مليار دولار) في العام الماضي 2018. وقال المسؤول إنه يتوقع أن ينخفض الحجم التجاري إلى النصف خلال العام الجاري، وسط التشديد الأميركي على مصارف الإمارات، والرقابة المستمرة من قبل وزارة الخزانة الأميركية.
وفي الواقع، فإن دبي تعد تقليدياً، ومنذ عقود عديدة، مركز “أوفشور” بالنسبة للأعمال التجارية الإيرانية، وإن العديد من العائلات الثرية في الإمارات، خاصة في دبي، يعود أصلها العرقي إلى إيران. ويقدّر عدد الإيرانيين الذين يعيشون في الإمارات بنحو 73 ألفاً، كما يقدر عدد الزوار سنوياً بنحو 350 ألفا.
على صعيد المستوى المعيشي، يقول وافدون إلى الإمارات إن الدولة لم تعد جنة المغتربين، كما كانت في السابق، حيث ارتفعت كلف المعيشة بالنسبة للمواطنين والمغتربين معاً، كما أن المرتبات ظلت على مستوياتها خلال الأعوام الأخيرة، كما فرضت الحكومة ضريبة القيمة المضافة “فات” بنسبة 5%، وبالتالي ارتفعت أسعار الطعام والسلع والترفيه والتعليم في الدولة الخليجية.
المواطنون والمغتربون، على حد سواء، يغرقون في الديون لتغطية نفقات الحياة المعيشية والترفيه، وذكر مسح سابق نشرته صحيفة “ذي نانشونال” الإماراتية التي تصدر بالإنكليزية، أن 70% من سكان الإمارات تحت سن 35% يعانون من مشكلة الديون.
وفي فبراير/شباط الماضي، أجرت الحكومة الإماراتية ترتيبات مع بعض البنوك التجارية لإعفاء ديون على 3310 مواطنين يبلغ إجمالي قيمتها 361 مليون درهم، حسب البيانات الرسمية. وخلال الشهور الماضية، اضطر بنك الإمارات المركزي إلى تدشين برنامج لخفض الديون الشخصية التي تفوق خدمتها 50% من الدخل الشهري.
وبالتالي، فإن هناك أزمة ديون شخصية في الإمارات ترهق كاهل السكان. وهذه الأزمة تنعكس تدريجياً على النمو الاقتصادي في الدولة القائم على التوسع الاستهلاكي في السلع والخدمات، إذ أن ضعف القوة الشرائية يترجم لحظياً في ضعف نمو الأعمال التجارية والفنادق والمطاعم ومحلات السوبرماركت وأماكن التسوق والترفيه.