الدبور – أعاد رحيل أيقونة الثورة السورية عبد الباسط الساروت، يوم السبت 8 يونيو 2019، إلى الواجهة مجدداً صورة والدته حسنة الحريري، التي تُلقب بـ”خنساء حمص”، على إثر فقدها حفيدين و5 من أبنائها و5 من أشقائها وزوجها في المعارك مع قوات النظام.
وتداول ناشطون، يوم الأحد (9 يونيو 2019)، مقطعاً مصوراً يظهر توديع والدة عبد الباسط الساروت (27 عاماً)، لابنها الذي قتل متأثراً بجراحه بعد إصابته في المعارك بين فصائل المعارضة السورية وقوات نظام بشار الأسد وحلفائه في ريف حماة شمالي سوريا.
وأصبحت والدة “بلبل الثورة”، كما يطلق عليه السوريون، مضرباً للمثل في الصبر والتضحية منذ اندلاع الصراع في البلاد عام 2011.
ولم تستطع والدة الساروت مشاهدة ابنها المصاب وهو في مشفى الريحانية جنوبي تركيا، الذي أسعف إليه إثر تعرضه لإصابة بالغة في ريف حماة، قبل أن يفارق الحياة بيوم واحد.
وأظهر تسجيل فيديو نشرته وسائل إعلامية وتداوله ناشطون والدة الساروت في لقطة مؤثرة وهي تبكي وتدعو لابنها، وسط حضور عدد كبير من الأصدقاء والمقربين منه، قبل تشييعه من مدينة الريحانية التركية إلى محافظة إدلب ليدفن هناك، حسب ما جاء في وصيته.
النظرة الأخيرة .. بالقبلات والدموع والدة #عبدالباسط_الساروت تودع ابنها "منشد الثورة وحارسها" #الساروت #سوريا
يذكر أن والدة الساروت فقدت ١٣ من عائلتها (زوجها وخمسة من أبنائها وحفيدين وخمسة إخوة) pic.twitter.com/N07qIyTWss— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) June 9, 2019
وعلى إثر سماعها نبأ مقتل ابنها الخامس قدمت حسنة الحريري مجموعة من النصائح عبر رسالة صوتية تداولها ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي يوم 8 يونيو 2019.
وقالت الحريري في بداية رسالتها :”استشهاد عبد الباسط قوة إلكم.. والله يا يما قوة إلكم.. الله يأخذ العزيزين حتى يشد هممكم تقولون أخذوا أخونا الغالي، بدنا نكمل، طبعاً بدكم تكملوا يما اصحكم يما، لازم تغاروا من عبد الباسط لا زم تغاروا منه اليوم إله زفة، إله زفة من ملائكة الرحمة اليوم، يا نياله يما”.
وأضافت الحريري في رسالتها :”الله يحميكم ويثبتكم يا رب، اثأروا يما.. اثأروا للشهداء وللمغتصبات والمشردين، والأرامل والأيتام”.
وأكدت “خنساء حوران”، كما يطلق عليها بعض السوريين: “نحن أصحاب حق وهم أصحاب باطل.. الله ينصركم بوحدتكم مع بعضكم ومحبتكم مع بعضكم، الجنة بيتهم الجديد”.
ووجهت رسالتها إلى الشباب بالقول: “قول للشباب الدنيا فانية وما رح نستفيد منها شيء، والله يا يما قول للشباب على شاني لا يضيعوا لحظة إلا برضا رب العالمين والجهاد الخالص لله، قولوا لهم أن يسيروا على هذا الطريق”.
أم الشهداء خنساء حوران تنعى عبد الباسط الساروت بكلمات من ألم وأمل ودمع:
استشهاد عبد الباسط قوة إلكم.. والله يا يما قوة إلكم!
الله بياخد العزيزين تيشدّ هممكم
يا يمّا بدكم تكملوا.. إصحكم يمّا لازم تغاروا من عبد الباسط.. اليوم إلو زفة من ملائكة الرحمة ان شاء الله.. pic.twitter.com/98osTMisaj— هادي العبدالله Hadi (@HadiAlabdallah) June 8, 2019
وينتمي “الساروت” إلى مدينة حمص، وانخرط في المظاهرات ضد النظام منذ بدايتها، ويطلق عليه الناشطون لقب “منشد الثورة”؛ وذلك بسبب الأهازيج والأناشيد التي كان يطلقها خلال قيادته للمظاهرات، التي انتشرت على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي.
وأعلن نظام الأسد مكافآت مالية كبيرة تجاوزت قيمتها 30 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض على عبد الباسط الساروت أو قتله.
تعرضت حسنة الحريري (63 عاماً) لظروف مريرة بعد العام 2011؛ منها الاعتقال منتصف العام 2012 بكمين قرب مقر للفرقة الخامسة التابعة لجيش النظام، وتنقلت بين العديد من أفرع الأمن التابعة لنظام بشار الأسد.
وخرجت الحاجة حسنة من المعتقل في صفقة لتبادل الأسر ى بين قوات المعارضة ونظام الأسد نهاية عام 2013، ولم تكن تعلم برحيل أي من أفراد عائلتها، وحتى عندما ذهبت إلى منزلها وجدته قد تعرض لقصف من قبل النظام ولم يبق منه سوى آثار حطامه بعدما سوِّي بالأرض.
وتروي الحريري لموقع “الجزيرة نت” تفاصيل مريرة عما رأته خلال اعتقالها بالقول: “الموت بالرصاص أو حتى القذائف الصاروخية في المعركة أهون ألف مرة منه في المعتقل”.
حوّلت خنساء حوران مرارة الاعتقال إلى قوة، وانطلقت تروي ما جرى لها؛ لعل ذلك، بحسب قولها، يشكل ضغطاً على النظام ويدفعه للتوقف عن تلك الجرائم، لكنها تؤكد أن كثيراً من التفاصيل ستبقى حبيسة في قلبها وعقلها وذاكرتها بانتظار أن تفرج عنه في الوقت المناسب.
وتقول: “خلال التحقيق معي في الفرع 215 التابع للأمن العسكري، أدخلوني غرفة تحتوي عشرة أجهزة خازوق مصفوفة؛ خمسة تليها خمسة، وكان يوضع عليها الشباب يومين أو ربما ثلاثة حتى الموت، ثم تلقى أجسادهم في غرفة مجاورة”.
وتضيف: “كانوا يستخدمون وسائل بشعة للقتل، فقد فقؤوا عيني طبيب أمامي، وحزوا أجساد الشبان بمناشير تقطيع الأشجار وهم أحياء، وكان الموت من المرض جراء تكدس المعتقلين في الزنازين أو الجوع شائعاً جداً، وكذلك كان كسر الظهر عبر الكرسي الألماني من بديهيات الموت في المعتقل”.
وأكثر ما كان يدمي القلب، تقول الحريري، هو الاغتصاب واستغلال المعتقلات، حيث بات موت الشباب هيناً أمام ما يحصل للنساء، وفق شهادتها، وهي تفضل عدم ذكر أسماء الفتيات المعتقلات أو تفاصيل عنهن.
وتتحدث الحريري بحرقة عن تلك الفتاة التي قتلت بإدخال جرذ إلى رحمها وأخريات حملن وولدن داخل المعتقل، وأخريات فقدن عقولهن من هول ما جرى لهن.
وتضيف: “تصور حال فتاة مصونة مغطاة باللباس لا يرى منها شيء، ثم تُعرى من كل ما عليها من ثياب، ويساء لها ليل نهار من قبل وحوش لا ترحم، أيبقى في رأسها عقل”.
لقب الخنساء
أطلق نشطاء الثورة السورية ، والهيئة السورية العليا للتفاوض أيضاً، لقب “خنساء حمص” على حسنة الحريري، أم عبد الباسط الساروت، تشبيهاً بالصحابية الشاعرة العربية المعروفة، تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، من قيس عيلان من مضر، وهي من أهل نجْد.
وبحسب المصادر التاريخية، فإن الخنساء واحدة من شاعرات العرب الأكثر شهرة، عاشت أغلب سنوات عمرها في الجاهلية، وأدركت الإسلام، وأسلمت، وكانت “تحرّض” أبناءها على الثبات حتى استشهدوا جميعاً.
واشتهرت الخنساء الشاعرة برثائها أخويها اللذين قتلا في الجاهلية، ثم قتل لها أربعة بنين، في معركة القادسية سنة 16 للهجرة، بحسب ما يورده معجم الأعلام لخير الدين الزركلي (1893 – 1976).