الدبور – لا يوجد للإنسان راحةً في رزقه إلا أن يكون حلالًا، ومهما تعددت طرق الحصول على الرزق يبقى طعم ما يأتي من عرق الجبين هو ألذ للروح والبدن، وإذا ما حاول الإنسان أن يتعدّى على الآخر في رزقه، فإن القدرة الإلهية دائما تكون له بالمرصاد، ومهما تعدّى من حدود، لن يكون مصيره سوى حكم القانون، حتى تبقى بلادنا تحافظ على الإنسان من الإنسان الآخر الذي يتعدّى على إنسانيته وفطرته التي خلقها الله فيه.
قصة تسردها “أثير” ضحيتها سائق مركبة أجرة عماني، يتكل على الله كل يوم، حتى يجد رزقه ورزق أولاده وما كتبه الله له بالحلال، ولكن هذه المهنة لا تخلو بلا شك من المشاكل التي قد تصاحب سائق مركبة الأجرة؛ فهو يعمل في الليل والنهار، ويتعامل مع مختلف شرائح المجتمع، من عمانيين ووافدين، وبالتأكيد منهم من لا يستحق أن يطلق عليه كلمة إنسان، لأنه تعدّى على الإنسان الآخر وعلى حياته ورزقه.
نرصد هذه القصة التي نشرتها مجلة الادعاء العام “المجتمع والقانون”، ونطرحها من أجل القانون الذي انتصر للحق، ومن أجل الجهات الأمنية التي لم تلبث إلا أن تكشف عن الجاني مهما حاول أن يخفي أدواته الجرمية.
تبدأ تفاصيل القصة في تمام الساعة الخامسة فجرًا حينما استقل متهمان من جنسية آسيوية إحدى مركبات الأجرة المتوقفة في أماكن الانتظار المخصصة لذلك، بعد أن أوهما سائق المركبة (المجنى عليه)، برغبتهما في الانتقال من مسقط إلى إحدى الولايات المجاورة، وطلبا منه نقلهما منفردين دون الحاجة إلى صعود أي راكب آخر بمعيتهم، مع تعهدهما له بدفع كامل التكلفة، بعد أن اتفقوا فيما بينهم على قيمة مبلغ النقل.
لم يكن المجنى عليه (السائق) يُدرك حينها أن صعود المتهمين إلى مركبته ما هو إلا البداية لعملية إجرامية تم التخطيط لها مسبقا للإيقاع به كضحية، أثناء سعيه في البحث عن مكسب حلال يعيل به نفسه وأبناءه.
استقل المتهم الأول المركبة في المقعد المحاذي للسائق، في حين جلس المتهم الثاني، في الخلف؛ وأخذا يتحدّثان معه في منتهى الودّ واللطافة، وبعد مرور ساعة ونصف تقريبا على مسيرهم في الطريق العام، وقبل أن يصلوا إلى الوجهة المتفق عليها، طلب المتهمان من المجني عليه الانعطاف إلى إحدى الطرق الفرعية، لرغبتهما في الالتقاء بصديق لهما يقطن إحدى المزارع التي تقع على بعد بضعة كيلومترات من الطريق العام بهدف أخذ بعض الأمتعة الخاصة بهما.
استجاب المجنى عليه لرغبة المتهمين، وانعطف بهما إلى حيث طلبا منه ذلك، لكنه تفاجأ بإخراج المتهم الأول سلاحًا أبيض (سكين)، ووضعها على خاصرته وطلب منه التوقف على جانب الطريق، وتزامن ذلك مع إخراج المتهم الثاني سلكًا كهربائيًا ولفه حول عنق المجني عليه وشده بعنف، بعد أن انتهز فرصة جلوسه خلف مقعد السائق.
طلب المتهمان من المجني عليه تسليمهما جميع ما يملك من مبالغ نقدية وهواتف محمولة بالإضافة إلى أخذهما لبطاقته البنكية، وأرغماه تحت وطأة التهديد بالسلاح الأبيض (السكين) أن يمليهما رقم بطاقته البنكية، وإلا قد يعرض سلامته للخطر، ولم يكن للمجنى عليه ثمة خيار آخر سوى الانصياع لطلباتهما خوفًا من تعرّضه للأذى، لاسيما وأنه لم يكن قادرًا على المقاومة بسبب حمل المتهم الأول سكينًا، في حين غلّ المتهم الثاني حركته بعد أن لف سلكًا كهربائيًا على عنقه.
وما إن استطاع المتهمان أخذ المبالغ النقدية من المُجنى عليه وتحصلهما على الرقم السري الخاص ببطاقته البنكية، أقدما على تقييده في مقعد المركبة بواسطة حبل كانا يحملانه معهما تمهيدًا لتنفيذ مخططهما الجرمي، ولاذا بعدها بالفرار، وتركا المجنى عليه وحيدًا بمركبته مُكبّل اليدين.
وبعد أن أنجز المتهمان فعلتهما النكراء، سارعا في التوجه ناحية الطريق العام، واستقلا مركبة أجرة أخرى، وقفلا راجعين إلى مسقط، وأقدما حينها على استخدام البطاقة البنكية الخاصة بالمجنى عليه، وسحب العديد من المبالغ المالية بواسطتها.
وفي الجانب الآخر من المشهد، وأثناء مرور أحد المواطنين بمركبته على الطريق، شاهد مركبة المجنى عليه متوقفة بشكل يثير الريبة، لاسيما وأن السائق بداخلها مكبل اليدين على مقود المركبة والمقعد، فسارع إلى إنقاذه بعد أن تأكد من سلامته.
سارع المجنى عليه وبشكل مُباشر بعد فك وثاقه إلى إبلاغ مأموري الضبط القضائي بشرطة عُمان السلطانية بالواقعة تفصيلا، لتباشر الجهات المختصة فورًا إجراءات البحث والتحري عن المتهمين وهويتهما، وباشر رجال الضبط القضائي رفع البصمات والمسحات البيولوجية من مركبة المجنى عليه، فضلا عن تتبعهم لتسجيلات كاميرات المراقبة التابعة لجهاز السحب الآلي الذي استخدمه المتهمان في سحب المبالغ النقدية من حساب المجنى عليه، ليتمكنوا حينها من تحديد هوية الجناة، لتتم بعدها عملية تتبعهما وتقفي أثر تحركاتهما بالعديد من الوسائل الفنية، لتتمكن شرطة عَمّان السّلطانية من ضبط المتهمين في مكان إقامتهما، بعد تحصّلها على إذن قضائي من الادعاء العام بذلك، وعُثِر بحوزتهما أثناء التفتيش على البطاقة البنكية الخاصة بالمجنى عليه، فضلا عن السلاح الأبيض المستخدم في الجريمة.
وفي ختام التحقيقات لدى الادعاء العام، تقرر إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات المختصة مكانيًا بنظر الدعوى، وذلك لمحاكمتها عن جناية (السلب) المؤثمة بنص المادة (2/1/283)، من قانون الجزاء الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 074/7) وجنحة الإيذاء البسيط المؤثمة بنص المادة (274) من القانون ذاته، مشفوعًا بقرار الإحالة وقائمة بأدلة الإثبات، تضمّنت تفصيلاً ما سبق ذكره من إثباتات. وبسؤال المحكمة للمتهمين اعترفا تفصيلا بالجرم المسند إليهما، ولم ينكرا الأدلة المتحصلة ضدهما، لتخلص المحكمة بعد إحاطتها التامة بحيثيات القضية وملابساتها، إلى إدانة المتهمين بما نسب إليهما، وقضت بمعاقبتهما عن ذلك بالسّجن لمدة عشر سنوات وبطردهما من البلاد بعد انقضاء العقوبة الحبسية.
المختار الهنائي من موقع أثير العماني