الدبور – يتماهى الزي الشعبي العُماني مع الشخصية العُمانية، فهو أحد معالمها، ويشكل الخنجر المعقوف أهم مكونات ذلك الزي، كما يتفاخر به العُمانيون ويتخذونه رمزا وطنيا وسياسيا لسلطنتهم وشعبهم، فيما يحرصون على اقتناء الخناجر والظهور بها في المناسبات الرسمية والاحتفالات الوطنية والأعراس، ومع توارث هذا المظهر الاجتماعي من الآباء إلى الأبناء، حافظ الخنجر على بقائه بقوة.
لا تقتصر دلالة الخنجر العُماني على القوة والهوية والتاريخ العريق، بل يدل أيضاً على براعة الإنسان العُماني في تصميماته، ونقوشه، وقطعه الفنية الفريدة التي لا توحي فقط بأنه سلاح، لكنها تجعله زينة تلفت الانتباه وتأخذ كل التميز والتفرد في المظهر الأنيق والأصيل بمزيج يشكل معنى حقيقيا للذوق الرفيع.
فن صناعة الخنجر العُماني
صناعة الخنجر العُماني واحدة من الصناعات الشعبية التي ورثها العُمانيون عن الأب والجد، كما أن للمرأة العُمانية دوراً بارزاً في صناعته. وقد عُرفت صناعة الخناجر منذ آلاف السنين، إذ كانت بمثابة صناعة فلكلورية يتقنها الكثيرون، ومن ثم نمت وتطورت، واتخذت مكانة هامة بين الصناعات في السلطنة، فيما يختلف تصميم الخنجر العُماني من نوع لآخر، والاختلاف يكمن في تصميمات الفضة التي تستخدم لنقش الخنجر، والمقابض الأفضل للخناجر هي المقابض التي تمت صناعتها من الفضة، وأكثر المقابض انتشاراً المقبض العلوي ذو الشكل المسطح.
وبطريقتين مختلفتين ينقشُ الخنجر، النقش بالقلع: ويستخدم مسمار دقيق لنقش الصفيحة الفضية، حيث يتطلب ذلك صبراً ومهارة لتظهر النقوش كعمل فني متقن، ويسمى ذلك النقش بالقلع، أما نقش التكاسير فهو الطريقة الثانية وفيها يستخدم الصائغ خيوط الفضة في تزيين الخنجر، وهو من الطرق المستحدثة في صياغة الخنجر.
ويهتم العمانيون- من الناحية السياحية فضلاً عن الاقتصادية- بصناعة الخناجر. فالخنجر أحد وسائل ترويج السياحة العمانية في الداخل والخارج، ومن هنا تهتم السلطنة بصناعته لاعتمادها على السياحة في السنوات الأخيرة بعد انتهاج سياسة تنويع مصادر الدخل، كما أن الاهتمام بصناعة الخناجر مفيدٌ أيضا لاستيعاب القوى العاملة الباحثة عن عمل، والتي تزايدت أعدادها في السنوات الأخيرة، واكتسابها صناعة الخناجر يوفر لها فرص العمل والحفاظ على الموروث الثقافي، كما أن صناعة الخناجر مفيدةٌ لاستغلال الخامات الأولية الداخلة في صناعتها والموجودة بالسلطنة مثل الحديد والخشب والفضة.
وتتميَّز ولاية “نزوى” بصناعة الخناجر والسيوف والمنسوجات والصناعات السعفية، وتُباع تلك المنتجات في سوق نزوى، وفي بقية أسواق السلطنة الشعبية مثل سوق مطرح، ويتحدد سعر الخنجر بناءً على المادة الخام المصنوع منها سواء الاستيل أو الفضة أو الذهب، وإن كانت الخناجر الفضية هي الأكثر شيوعا، خصوصا بالنسبة للمقبض، كما يحدد القرن سعرَ الخنجر؛ فهناك قرن الزراف وهو الأغلى سعرا، وهناك قرن الجاموس وقرن الصندل وقرن شجرة النارنج، وأرخص الخناجر ذات القرون الصناعية.
أنواع الخناجر
هناك أنواع متعددة من الخناجر. منها النزواني الذي يرجع أصله إلى منطقة نزوى، ويتميز بتصميمات متداخلة مستوحاة من المنطقة ومزخرفة بعناية فائقة على اللوح الفضي المغطي للجزء السفلي من غمد الخنجر والذي يصنع من الخشب، ويرتبط هذا اللوح الفضي بغطاء فضي موضوع على المؤخرة، أما مقبض الخنجر النزواني فهو مشابه للخنجر السعيدي وعادة ما يصنع من العاج ويتم تغطيته بالفضة وزخرفته بعناية فائقة بطريقة متداخلة رائعة.
هناك أيضاً الخنجر السعيدي المنسوب إلى أسرة آل بوسعيد التي تحكم عُمان، والذي يتميز بالمقبض الجذاب الأنيق الشكل الذي يسمى أحياناً “قرن مكذب” والمغطى تماماً بنقوش رائعة من الفضة، والخنجر الصوري المتميز بصغر حجمه وخفة وزنه نسبياً، كما أن به الكثير من الخصائص المميزة، ويتم صناعته بصفة خاصة في ولاية صور بالمنطقة الشرقية، ومقبض هذا الخنجر مغطى ومطلي بالذهب، أما الجزء السفلي من غمد الخنجر فهو مصنوع من الجلد ومزين بالأسلاك والخيوط الفضية المطرزة بالذهب وينتهي بالقبع المصنوع من الذهب والمنقوش عليه أشكال فنية جميلة.
يوجد كذلك الخنجر العُماني المستوحى من الخنجر السعيدي البهي الأنيق بتصميماته التقليدية الجميلة وسلالة الخناجر الرائعة، ومقبض هذا الخنجر مغطى بغطاء من الفضة منقوش عليه آيات من القرآن الكريم بدقة متناهية، ويوجد ثلاث حلقات دائرية تتصل بعضها البعض بالسلاسل الفضية الدقيقة التي تربط بين جزئي الخنجر، ويتميز هذا النوع من الخناجر بارتباط الحزام بطرف القطاعة عن طريق سلسلة من الفضة معقودة ومثبتة بطرف القطاعة تسمى “القائد” وتساعد على تأمين الخنجر بالحزام، ويختلف الحجم وشكل الخنجر ونوع المعدن الذي يصنع منه أو يطلى به.
ويتكون الخنجر من القرن (المقبض) الذي يختلف من منطقة إلى أخرى، فأغلى المقابض ثمناً تلك المصنوعة من قرن الزراف أو الخرتيت، أما الصندل والرخام فهي من الخامات البديلة لصناعة المقبض، أما جزء النصلة (شقرة الخنجر) فتختلف عن بعضها البعض من حيث القوة والجودة، كما تعد من محددات قيمة وأهمية الخنجر، ليأتي بعد ذلك الصدر (أعلى الغمد) المزخرف بنقوش فضية دقيقة، والقطاعة (الغمد) التي تعتبر الجزء الأكثر جاذبية في الخنجر، ويكون مطعماً بخيوط فضية، لذلك يعد ثمن الخنجر العُماني باهظ الثمن، فهو كما يُقالُ “زينة وخزينة”.
والخنجر العُماني جزء رئيسي في شعار السلطنة، والذي يوجد في عَلَمِ عُمان بشكل بارز بين سيفين، كما يشكل مصدر فخر واعتزاز، ورمزاً لهوية الإنسان العُماني.