الدبور – التاريخ لا ينسى ولا يمكن تغيره مهما فعل سواء المؤرخون أو السياسات التي تعصف بالدول، فما هو ثابت يبقى ثابتا مهما تغيرت الجغرافيا و الحدود و الشعوب و التطور، ومهما بلغت الأموال فإنها لا تستطيع شراء تاريخ لأي بلد حديث، يبحث سادته عن مكان فيه حتى لو كان بالدم و الدمار للشعوب الأخرى صاحبة التاريخ و العراقة مثل اليمن و سلطنة عمان.
الدبور إطلع على مقال تاريخي يتحدث فيه كاتبه عن الحوار التاريخي الذي أدخل أهل عمان في الإسلام، ولربما هي قصة يعرفها البعض ويجهلها البعض، نسردها لكم للتاريح، لنتعرف على من هي سلطنة عمان ومن هي الدول الحديثة التائه في الأرض وتتخبط.
الجميع منا يعلم بأن أهل عمان دخلوا الإسلام طواعية، ولبوا رسالة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، والذي كان يعاني أشد المعاناة في دعوته التي آذاه فيها أولا قومه وأقرب الناس إليه حتى مكنه الله منهم وعم الإسلام في أغلب تلك الأنحاء.
ولأن عمان بلاد لها أهميتها الكبيرة في المنطقة فقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يرسل دعوته إليها فيخبرهم عن دين الله ويدعوهم للإسلام مثلما فعل مع الآخرين، فبعث لبلاد فارس والروم وعمان والبحرين وغيرها من الأقاليم والدول يدعوهم لدين الله وسنته.
وتذكر المصادر التاريخية أن رسالة رسول الله لأهل عمان كانت بخط الصحابي أبي بن كعب في رقعة جلد تحمل ما أملاه النبي موقعة بخاتمه المبارك ويحمله سفيره عمرو بن العاص لملكي عمان جيفر وعبد أبناء الجلندى بن المستكبر الأزدي.
وتعتبر عمان من الدول الوحيدة في المنطقة التي لبى (جميع أهلها) نداء خاتم الأنبياء والرسل دون أن يضطر النبي لإرسال جيشه لفتح البلاد ومحاربة الرافضين لدعوته، أو يضطرالآخرون من أهل الكتاب بعمان رفض الإسلام ودفع الجزية، بل استمع ملوك عمان بكل إنصات لتفاصيل الدعوة، ومن ثم افسحوا المجال بكل تقدير لذلك الحوار الذي دار بينهم وبين عمرو بن العاص، وهو الحوار الأهم في تاريخ عمان والذي بسببه اقتنع ودخل أهل عمان للإسلام بداية من ملوكها، وحفظته بعض كتب التاريخ كالسيرة الحلبية.
ولذلك ومنذ التاريخ نجد أن عمان بلاد حضارة، والحوار لدى أهلها وحكامها مبدأ أساسي في التعاطي مع الأمور بحكمة وهدوء.
لذا من المهم هنا أن نسلط الضوء على الحوار الذي نقله عمرو بن العاص بنفسه لكل أصحابه وهو يحكي لهم قصة إسلام هذه البلاد التي أحبها النبي ودعا لأهلها بالخير، فقد قال عمرو :
” خرجت حتى انتهيت إلى عمان، فعمدت إلى عبد بن الجلندى وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا ..
قفلت له :
إني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك وإلى أخيك..
فقال : أخي المقدم علي بالسن والملك وأنا أوصلك به حتى يقرأ كتابك وما تدعو إليه..
قلت : أدعوك إلى الله وحده وتخلع ما عبد من دونه وتشهد أن محمد عبده ورسوله..
قال : يا عمرو إنك سيد قومك فكيف صنع أبوك العاص بن وائل فإن لنا فيه قدوة ؟!
قلت : مات ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ووددت له لو آمن وصدق به، وقد كنت على رأيه حتى هداني الله للإسلام..
قال : فمتى تبعته ؟!
قلت : قريبا وقد أسلمت في حضرة النجاشي الذي أسلم كذلك..
قال : فكيف صنع قوم النجاشي والأساقفة وهل أقروه في ملكه ؟!
قلت : نعم فقد أقروه واتبعوه ..
قال : انظر يا عمرو ليس من خصلة في رجل أفضح له من الكذب ..
قلت : وما كذبت وما نستحله في ديننا ..
قال : لست أرى هرقل قد علم بإسلام النجاشي ؟!
قلت : بلى ، وقد كان النجاشي يخرج لهرقل خراجا ، فلما أسلم النجاشي وصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم، قال والله لو سألني هرقل درهما واحدا ما أعطيته، فبلغ هرقل قوله، فقال له أخوه : أتدع عبدك لا يخرج لك خراجا ويدين دينا محدثا؟!
فقال هرقل : رجل رغب في دين أختاره لنفسه ، فما الذي أصنعه به؟! والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع.
قال عبد : فأخبرني يا عمرو ما الذي يأمر به وينهي عنه هذا الدين ؟!
قلت : يأمر بطاعة الله عزوجل وينهي عن معصيته ويأمر بالبر وصلة الرحم وينهي عن الظلم والعدوان وعن الزنا وشرب الخمر وعن عبادة الحجر والوثن والصليب..
فقال : ما احسن هذا الذي يدعو إليه، ولو كان أخي يتبعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدق به، ولكن أخي أضن بملكه من أن يدعه ويصير ذنبا تابعا..
قلت : إنه إن أسلم ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه ليأخذ الصدقة من غنيهم ويردها لفقيرهم ..
قال : إن هذا لخلق حسن .. ولكن ما الصدقة يا عمرو ؟!
فشرحت له ذلك وإنه فرض الله من الصدقات في الأموال والمواشي ..
فقال :
يا عمرو ويؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعى في الشجر وترد المياه ؟!
فقلت : نعم ..
فقال : والله ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون بهذا ..
وقال عمروا بعد هذا الحوار مع عبد :
فمكثت أياما بباب أخيه جيفر وقد أوصل إليه أخوه عبد خبري، فدعاني ودخلت عليه، فأخذ أعوانه بعضدي وأمرهم بأن يتركوني واقفا لأتحدث.
وقال : تكلم بحاجتك ؟!
فدفعت إليه كتاب رسول الله مختوما ففض ختامه فقرأه حتى أنتهى إلى آخره ثم دفعه إلى أخيه فقرأه ..
فقال جيفر : ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت ؟!
فقلت : اتبعوه إما راغب في الدين، وإما راهب مقهور بالسيف..
فقال : ومن معه ؟!
فقلت :
الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على غيره وعرفوا بعقولهم مع هدى الله إياهم أنهم كانوا في ظلال مبين، فما أعلم أحدا بقى غيرك في هذه الخرجة، وإن لم تسلم اليوم وتتبعه ، تطؤك الخيل وتبيد خضراءك ، فأسلم تسلم ويستعملك على قومك ولا تدخل عليك الخيل والرجال.
فقال : دعني في يومي هذا وارجع غدا ..
فلما كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لي حتى أوصلني إليه أخاه عبد ..
فقال جيفر :
إني فكرت فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب أن ملكت رجلا ما في يدي وهو لا تبلغ خيله هنا، وإن بلغت خيله ألفت قتالا ليس قتال من لاقى ..
فقلت : إذن أنا خارج غدا ..
فلما أيقنا بمخرجي خلا به أخوه عبد ..
فأصبح في اليوم التالي وأرسل لي إجابته للإسلام هو وأخوه وكانا لي عونا على من خالفني”.
لينتهي هذا الحوار في الأخير بإقتناع ملوك عمان وأهلها بدين الله ورسالة نبيه فأحسن أهل عمان إسلامهم وكانوا عونا لنشر الإسلام في أواسط آسيا والصين وشرقي أفريقيا وشاركوا في الفتوحات الإسلامية العظيمة وفي حركة التأليف ورفد الحضارة الإنسانية بالكثير من العلماء ومؤلفاتهم في مختلف العلوم والباقية آثارها حتى يومنا هذا.
المرجع : تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان ، نورالدين عبدالله بن حميد السالمي ج 1، الناشر : مكتبة الإمام نور الدين السالمي ، 2000م – سلطنة عمان