الدبور – في 31 مارس/آذار، التقى المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، “مارتن غريفيث”، كبير مفاوضي الحوثيين، “محمد عبدالسلام”، في مسقط. وناقشا سبل تسهيل تنفيذ اتفاقية “استكهولم” للسلام في اليمن.
وفي حين كانت هذه المفاوضات غير منطقية إلى حد كبير، فقد سلط هذا الضوء على مكانة عمان المتنامية دبلوماسيا في اليمن، لأنها حدثت بعد شهر من عقد وزير الخارجية البريطاني “جيرمي هانت” اجتماعا نادرا مع “عبدالسلام” في مسقط.
ومنذ بدء التدخل العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، في مارس/آذار 2015، حاولت سلطنة عمان أن تضع نفسها كوسيط حاسم في النزاع. وعلى عكس نظرائها في مجلس التعاون الخليجي، حافظت عمان باستمرار على موقف الحياد في اليمن، وتساءلت عن جدوى جهود التحالف العربي لإخضاع الحوثيين بالقوة وحدها. ومن أجل تلميع أوراق اعتمادها كوسيط، اتبعت عمان استراتيجية للتواصل البناء مع الحوثيين.
وأتت هذه السياسة ثمارها، حيث نجحت سلطنة عمان في التفاوض على إطلاق سراح العديد من المعتقلين المحتجزين في سجون الحوثيين، ودعمت جهود الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في الحديدة، من خلال استضافة جلسات حوار موازية، وساعدت الولايات المتحدة في إخلاء سفارتها في صنعاء بعد انقلاب الحوثيين.
وبناء على هذه النجاحات، تأمل عمان في إقناع الحوثيين بإنهاء احتلالهم للحديدة كما يتطلب اتفاق ستوكهولم، ولعب دور رئيسي في طموحات “غريفيث” في ضمان السلام في اليمن.
وبالإضافة إلى ذلك، تم الاحتفاء بسلطنة عمان كوسيط فعال بين الفصائل المتحاربة في اليمن من قبل العديد من المحللين البارزين، بما في ذلك السفير الأمريكي السابق في تونس، “جوردون جراي”.
وعلى الرغم من هذه التقييمات المتفائلة للدور الدبلوماسي العماني، فقد حظيت مناورة مسقط للوساطة باستقبال متباين في اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي.
ومن بين الفصائل اليمنية، دعم الحوثيون والعديد من أعضاء تحالف الرئيس اليمني “عبدربه منصور هادي” جهود الوساطة من قبل سلطنة عمان، في حين ينظر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات إلى مشاركة مسقط بحماس أقل.
وتشارك السعودية والإمارات المجلس الانتقالي تحفظاته بشأن جهود الوساطة التي تمارسها سلطنة عمان، حيث ينظر البلدان إلى نوايا مسقط بتشكك، بسبب علاقتها الوثيقة مع إيران، وعمليات النقل المزعومة للأسلحة إلى الحوثيين. وقد يؤدي هذا الاستقطاب إلى تقويض طموحات عمان للوساطة في اليمن، وتقليل مصداقية مهمة مسقط المتمثلة في تعزيز “التفاهم والاستقرار والتغلب على الاختلافات” في الحوار مع جيرانها.
ونظرا لأن عمان حافظت على علاقات طبيعية مع الحوثيين منذ بدء الحرب، ودعمت تحول الحوثيين في نهاية المطاف إلى حزب سياسي شرعي، يعتبر الحوثيون هم المؤيدون الرئيسيون لتوسيع دور مسقط الدبلوماسي في اليمن. وترسخت هذه التصورات الإيجابية عن عمان في أوائل عام 2018، حيث ساعدت الجهود الدبلوماسية التي بذلتها مسقط في منع المؤيدين الموالين لحزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة “على عبدالله صالح” من الدخول في صراع مفتوح مع الحوثيين، بعد اغتيال الرئيس السابق.
وتتجلى ثقة الحوثيين في عمان في إصرار كبار المسؤولين الحوثيين على استخدام الطائرات العمانية للأغراض الدبلوماسية، وقبول مسقط للحوثيين الذين يحتاجون إلى علاج طبي.
ويُنظر إلى عُمان أيضا على أنها وسيط فعال من قبل شخصيات بارزة في ائتلاف “هادي” بسبب سجلها المستمر في المفاوضات الناجحة مع الحوثيين. ولا يهتم حلفاء “هادي” بعلاقة عمان الودية مع كبار المسؤولين الحوثيين، لأن مسقط طالما اعتقدت أن استيلاء الحوثيين على صنعاء كان عملا غير شرعي. ويشير رفض الدائرة الداخلية لـ “هادي” لإدانة دور عمان المزعوم في تسهيل نقل الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين إلى أن حكومة “هادي” تتقبل مبادرات الوساطة من قبل عمان.
وفي حين يدعم الحوثيون وحكومة “هادي” طموحات الوساطة العمانية، إلا أن مسقط تكافح من أجل كسب أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المتحالفين مع الإمارات. ولا تتعاطف عمان مع قضية استقلال جنوب اليمن، لأن مسقط تخشى أن يترك ذلك دولة متحالفة مع الإمارات على حدودها.
وفي هذه الأثناء، قدمت “سمر أحمد”، المحللة التي تعمل عن كثب مع الحركة الجنوبية، نظرة أكثر تفاؤلا للعلاقات بين المجلس الانتقالي الجنوبي وعمان. وقالت “سمر” لـ “المونيتور” إنها واثقة من أن عمان قد تقبل في النهاية استقلال جنوب اليمن باعتباره الترياق الأكثر فاعلية ضد عدم الاستقرار على حدودها، لكنها انتقدت أيضا قرار عمان باستضافة شخصيات متحالفة مع قطر تثير عدم الاستقرار في منطقة شبوة، على حد زعمها.
وتخفف التوترات المتزايدة بين عمان والتحالف السعودي الإماراتي من فعالية طموحات مسقط للوساطة في اليمن. وقال الأكاديمي العماني “عبد الله بعبود” لـ “المونيتور” إن السعودية والإمارات قد تقوضان طموحات عمان في مجال الوساطة، لأنهما لا يثقان في مسقط بسبب شراكاتها مع قطر وإيران.
ونظرا لأن العديد من الأحزاب المتحاربة الرئيسية في اليمن مدينة بالفضل للرياض وأبوظبي في الحصول على الدعم، يخشى “بعبود” من أن هذه المشاعر المعادية للسلطنة قد تحد من قدرة الفصائل السياسية اليمنية على المشاركة في مفاوضات السلام التي تتوسط فيها مسقط.
وعلى الرغم من أن صحيفة الحياة اليومية التي تملكها السعودية لعبت دورا رئيسيا في الترويج لتورط عُمان المزعوم في نقل الأسلحة إلى الحوثيين، إلا أن التوترات المكشوفة علنا بين عُمان والإمارات بشأن اليمن قد تجاوزت حدة توتر مسقط مع الرياض.
وفي 19 فبراير/شباط، اعترف وزير الخارجية العماني “يوسف بن علوي” بأن عمان لا تتفق مع سياسة الإمارات تجاه اليمن، لأن مسقط لا “تحب تغذية الحروب والنزاعات”.
كما صرح “عبدالسلام محمد”، مدير مركز “آباد” للدراسات في صنعاء، لـ “المونيتور” قائلا “إن عُمان أجرت مناورات عسكرية مشتركة مع بريطانيا في أكتوبر/تشرين الأول 2018، للإشارة إلى معارضتها للأنشطة العسكرية لدولة الإمارات بالقرب من المهرة، ورفضها لإعاقة أبوظبي للسلام في اليمن”.
وعلى الرغم من أن عمان قد أرست أسس الحوار اليمني البناء، وحققت نجاحات دبلوماسية ملحوظة في مفاوضاتها مع الحوثيين، إلا أن تأكيد مسقط المتزايد كوسيط دبلوماسي قد أثار جدلا داخل مجلس التعاون الخليجي. ويعتمد النجاح طويل الأمد لجهود الوساطة العمانية في اليمن على تخفيف حدة التوتر في مسقط مع السعودية والإمارات، حيث يواصل البلدان ممارسة النفوذ الحاسم على المسار السياسي المستقبلي لليمن.
عن المونيتور