الدبور- تعد سلطنة عمان إحدى الدول المستهدفة من قبل العمالة الوافدة من مختلف الجنسيات؛ لما يتمتع به البلد الخليجي من استقرار أمني وسياسي واقتصادي إلى حد بعيد.
ويلجأ مواطنو الشعوب في الدول التي تعاني أوضاعاً اقتصادية غير مستقرة إلى السفر لبلدان تتمتع بمستوى اقتصادي أفضل، إما لتحسين مستوى معيشتهم وإما للهروب من مستنقع الحرمان.
وتعتبر عُمان من الدول القليلة التي يقترب عدد العمالة الوافدة فيها من نصف عدد سكانها، حيث يبلغ عددهم مليوناً و800 ألف شخص، من إجمالي عدد السكان البالغ 4.6 ملايين نسمة، وفقاً لما ذكرته النشرة الإحصائية للمركز الوطني للإحصاء الصادرة في نهاية نوفمبر 2018.
إقرأ أيضا: الوافد في سلطنة عمان يحصل على رواتب خيالية والعماني بلا عمل، بالوثائق!!
وتتميز عُمان بأنها من أكثر الدول التي يتميز شعبها بحسن استقبال وضيافة الغرباء، ففي استطلاع أجرته شبكة “إنترنيشنز” العالمية، حول أكثر خمس دول ترحيباً بالمغتربين، جاءت عُمان في المرتبة الرابعة، حيث يتميز أهلها بالود والترحاب، ولا يترددون في مساعدة جيرانهم أو من يحتاج إلى المساعدة، وقد يكون ذلك أحد أسباب زيادة العمالة الوافدة في هذا البلد.
سكان عُمان يتسمون بالود
تنقل “بي بي سي” عن نيكول بروير، التي كانت تعيش في مدينة نزوى التراثية، وتوثق تجربتها في مدونتها عن الترحال: “يُحسن العمانيون عادة ضيافة الغرباء. وبسبب مرجعيتهم الإسلامية وتمسكهم بالدين فإنهم يحبون مساعدة جيرانهم، أو من يحتاجون إلى مساعدة، ولا يترددون في دعوة الغريب أو الوافد إلى منازلهم لاحتساء القهوة، أو تناول التمر أو الفاكهة”.
واشتهرت عُمان بأسلوب الحياة في الهواء الطلق؛ بسبب طقسها الرائع، وكثرة الأماكن المعدة للتخييم والمغامرات.
تقول ريبيكا مايستون، من نيوزيلندا، وممثلة شبكة “إنترنيشنز” في مدينة مسقط: “لا تفكر في الانتقال إلى عُمان إلا إذا كنت مستعداً لخوض تجربة الحياة في الهواء الطلق. فأنا أحب ألا تخلو حياتي من المغامرات، وأن أنعم بالطقس الرائع، والمناظر الطبيعية، وأتعامل مع الجنسيات المتنوعة، وأكوّن صداقات متعددة”.
وتقول مايستون إن عدد المطاعم والمقاهي في مسقط أكثر من أي مدينة أخرى في عُمان، ولهذا يأتي الكثير من أصدقائها المغتربين إلى مسقط في عطلات نهاية الأسبوع.
ورغم ارتفاع تكاليف المعيشة في عُمان في الآونة الأخيرة، فإنها جاءت في تصنيف شركة “ميرسر” من بين البلدان ذات تكاليف المعيشة المنخفضة في الشرق الأوسط.
تقليص العمالة مؤقتاً
اضطرت سلطنة عمان في العام الأخير إلى تقليص عدد العمالة الأجنبية، من خلال إصدار قانون بحظر استقدام عمالة في بعض المهن، بعدما وصلت نسبة عدد الوافدين في الوظائف إلى نحو 43%.
وأصدرت وزارة القوى العاملة العمانية، في يناير من عام 2018، قراراً بإيقاف التصريح باستقدام القوى العاملة غير العُمانية بصفة مؤقتة في بعض المهن.
وشملت القطاعات الـ10 التي منعت السلطنة استقدام العمالة الأجنبية منها: “أنظمة المعلومات، ومهن المبيعات والتسويق، والإدارة، والموارد البشرية، والتأمين، والإعلام، والمهن الطبية، والمطارات، والهندسة، والمهن الفنية”.
وكان سلطان البلاد، قابوس بن سعيد، قال في يناير من نفس العام، إن الأيدي العاملة الوافدة في السلطنة بازدياد أكثر مما يجب، مشيراً إلى أن “النسبة التي راعيناها هي أن تكون دائماً في حدود 30 إلى 33% من مجمل السكان، وهو ما وصل إليه عدد الوافدين في آخر إحصائية نهاية العام الماضي.
قانون الإقامة
وينص قانون الإقامة العماني على أن كل أجنبي يرغب في البقاء بالبلاد أكثر من 3 أشهر يجب عليه استحصال بطاقة إقامة مرتبطة بكفيل عماني تربطه مع الأجنبي علاقة عمل، أو نوع من القرابة (كالزوج لزوجته الأجنبية).
لكن بعض الأصوات العمانية ارتفعت للمطالبة بتشديد قوانين الإقامة والهجرة، ووضع عقوبات قاسية على المخالفين لها.
ويقول الصحفي علي بن راشد المطاحني، إن أكثر المخالفات في سلطنة عمان تتركز في “نظام أو قانون الإقامة، بسبب عدم وجود تلك الآليات الصارمة التي تحد من هذه الظاهرة، وعدم وجود مجسات دقيقة للمتابعة والرصد والتحليل والتحديث الدائم لمدخلات بيانات المقيمين”.
وأضاف، في مقال حديث له بصحيفة “الشبيبة”: “نجد أن نسبة لا يستهان بها غير مجددين لإقاماتهم في مخالفة صريحة للقانون، وهو ما يتطلب مناقشته ومعالجته بشكل عاجل ودقيق؛ لما يترتب عليه من مسؤوليات يجب ألا تتحمّلها الجهات المختصة وحدها، بل كل من المقيم والكفيل شركاء في تحمّل المسؤولية في هذا الجانب”.
وينص قانون العقوبات المخصص لقانون تجديد الإقامة للوافدين على أنه “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سبعة أيام ولا تجاوز ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تقل عن عشرة ريالات ولا تزيد على خمسمئة ريال، أو بإحدى العقوبتين، كل أجنبي يهمل دون عذر مقبول في طلب تجديد إقامته خلال المدة القانونية”.
وأشار إلى أن مخالفة هذا القانون تعد “خطاً أحمر يجب التقيّد به؛ لما له من انعكاسات سلبية كبيرة”، مضيفاً: “المسألة- كما أشرنا- تمس أمن الوطن في الصميم، وبالتالي لا مهادنة فيها بأي حال من الأحوال”.
هروب العمالة
وظهرت في سلطنة عمان قضية هروب العمالة الوافدة، والتي تعد من القضايا المهمة التي يجري البحث عن حلول جذرية لها للحد منها ومن الآثار المترتبة عليها.
وتقول وزارة القوى العاملة في السلطنة إنها تسعى للحد من الظاهرة من خلال شقين؛ “الشق الأول معني بتنظيم سوق العمل عبر سن القوانين المنظمة للتعامل مع العمالة الهاربة، مع إتاحة الفرصة لمرونة إصدار لوائح وقرارات عاجلة لمواجهة أي تطورات خلال معالجة تلك المشكلة”.
وترى أن الأمر الآخر في الحد من الظاهرة “يعتمد على فرق التفتيش التابعة للوزارة بالتنسيق مع شرطة عمان والجهات الأخرى ذات الاختصاص، والتي تقوم بزيارات ميدانية للأماكن التي تعمل بها تلك الفئة المخالفة لقانون العمل”.
وأظهرت دراسات أن أسباب ترك العمالة الوافدة لعملها يعود لسببين؛ “الأول يرجع إلى صاحب العمل، والثاني إلى العامل نفسه”.
ويقول مدير عام الرعاية العمالية، سالم البادي، في تصريحات سابقة لصحف عمانية، إن عدم التزام صاحب العمل بدفع مستحقات العامل، والتأخر في أداء الأجر، من أهم أسباب هروب العامل، إضافة إلى عدم وجود إدارات فاعلة، وعدم تطبيق بعض أحكام قانون العمل، وعدم توفير عمل فعلي للعمال، وعدم توفير وسائل السلامة والصحة المهنية في بعض المنشآت، وكل هذه الأسباب ترجع إلى صاحب العمل.
وفيما يتعلق بأسباب هروب العمال يقول: “منها رغبة العمال في الحصول على أجر أكبر، مع اعتقاد بأن هروبهم سوف يفتح لهم مجالاً لأجر أعلى، وجهل العمال بالقوانين والأنظمة المعمول بها في الدولة والعقوبات، إضافة إلى ضعف الكفاءة المهنية أو المهارة الفنية للعامل، ورغبته في العيش في محيطات من بني جنسه”.
ويقول البادي إن الآثار الاجتماعية من هروب العامل “تتمثل فيما تسببه الظاهرة من قلق للمجتمع من فئة غير منضبطة خلال تجمعاتها، وهذا يجعلنا نتطرق إلى الأثر الأمني؛ فمن خلال البيانات المختلفة يتضح أن هؤلاء العمال يمارسون عدداً من المخالفات القانونية والمشاكل الأمنية تنعكس على استقرار المجتمع”.
وأضاف: “الآثار الاقتصادية تتمثل في الخسائر التي تتكبدها الشركات والمؤسسات وأصحاب الأعمال من خلال تحملهم تكاليف استقدام العمال دون الاستفادة منهم نتيجة لهروبهم وعملهم لدى الغير، يضاف إلى ذلك تزايد التحويلات المالية خارج البلاد، والضغط على السلع والخدمات”.
وتتحدث السلطات العمانية بشكل مستمر عن الأدوار الخفية لهذه العمالة في رفع معدلات الجريمة، لا سيما حوادث السرقة والابتزاز المالي والجرائم من الدرجة الأولى؛ كالقتل والاغتصاب، وفق ما ذكرته الصحفية العمانية، سمية اليعقوبي…. عن موقع الخليج.