بالإضافة إلى احتكارهم عادة مضغ التبغ ووضع الوشوم -قبل أن تصبح موضة- يُعتبر البحارة الأميركان هم من اخترع ثلثي أسوأ أنواع الشتائم التي تخطر على البال، وقد كانت تلك قناعة من عاش معهم أربع سنوات.
حتى قبل عامين؛ في مؤتمر يعجّ بالعرب والصهاينة والعرب التطبيعيين في «براغ» اشتبكت الفلسطينية «نور» القادمة من واشنطن مع صهيوني معتق. ومع غياب الخيار الدبلوماسي بعدما أغاظها بغطرسته، أسمعته مقاطع سباب كالتي رددها وكيل القوة رونالد إيرمي في فيلم الحرب الشهير Full Metal Jacket.
فصُدم ولم يتفوّه بكلمة، فسحبتُها من يدها مستفسراً لأجد أنه كان يجادلها في موضوع «حل الدولة الواحدة»، فقلت لها محاولاً تهدئتها بطرفة: وما الذي يغضبك؟ أنتم الرابحون من حل الدولة الواحدة، فاليهود يتكاثرون بمتوالية حسابية، والفلسطينيون يتكاثرون بمتوالية هندسية، يعني أضعافهم، ومع تساوي الحقوق والواجبات ستتحول البلد إلى جنوب إفريقيا واليهود أقلية فيها.
لكن نور لم تبتسم وقالت: أدرك ما تقول، حل الدولة الواحدة يقوم على إنشاء دولة واحدة في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث يكون للسكان العرب واليهود مواطنة وحقوق متساوية في الكيان الموحد، لكن هذا الصهيوني قال إن حل الدولة الواحدة أن يكون الفلسطينيون كلهم تحت حكم إسرائيل الدولة اليهودية، ويعني أننا مواطنون من الدرجة الثانية!
في هذا الأسبوع تذكرت معركة «نور»، فقد بدأ تحطيم الأقفال المقدسة وأداتهم هي «صفقة القرن»، لكن ليس عبر حل الدولتين الذي تتمحور حوله مفاوضات السلام منذ اتفاقية أوسلو 1993. فخطة ترامب للسلام ستفرض حل الدولة الواحدة في نسخة تشبه ما غضبت منه «نور» والمؤشرات عليها كثيرة منها:
– تساؤل السفير الأميركي لدى إسرائيل دافيد فريدمان -وهو أحد ثلاثة من أعضاء فريق السلام- في خطابه أمام «إيباك» في 26 مارس 2019 عما إذا كان بإمكان اليهود ترك إدارة ترمب التي قد لا تفهم حاجة إسرائيل للحفاظ على السيطرة الأمنية المهيمنة على الضفة وغزة ووادي الأردن.
– سألت نيتا لوي رئيسة الاعتمادات في مجلس النواب الأمريكي، وزير الخارجية مايك بومبيو ثلاث مرات عمّا إذا كانت إدارة ترامب تؤمن بحل الدولتين، وفي كل مرة تجنّب الرد، ثم أشار إلى أن إعلان ترامب الرسمي بسيادة إسرائيل في مرتفعات الجولان، يُبعد «بوضوح» أية شكوك حول كيفية المضي قدماً.
وهناك قراءة معنيين محتملين لما يعنيه بومبيو بكلمة «الوضوح»، هما اعتراف أميركا بسيطرة إسرائيل على جزء من الضفة الغربية، أو الموافقة على ضم إسرائيلي للمنطقة بأكملها.
– في دفاعه عن الاعتراف بالجولان أرضاً إسرائيلية، بدا أن بومبيو كأنه يحضّر أسباب إسرائيل لضم الضفة الغربية لاحقاً، فقال إن قرار مجلس الأمن رقم (242) في 1967، والذي أسس مبدأ الأرض مقابل السلام «ميثاق انتحاري» ضد تل أبيب.
– ردد نتنياهو قوله: «إن هناك مبدأ مهماً للغاية في الحياة الدولية، هو عندما تبدأ الدول حروب العدوان وتفقد الأرض، لا تأتي وتطالب بها بعد ذلك.. إنها ملك لنا».
ضم الجولان كان خطوة لشرح «صفقة القرن» عبر حل الدولة الواحدة، يعني أن كل ما نجح الصهاينة في احتلاله فهو لهم.
* د. ظافر محمد العجمي المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج.