الدبور – ما هو سر العلاقة بين سلطنة عمان و امريكا؟ ولماذا تلجأ إيران إلى السلطنة بالذات للتوسط بينها وبين أمريكا بالسر، بينما تعلن تحديها للرئيس الأمريكي في العلن وترفع دوما شعار الموت لأمريكا.
إيران لا تريد الموت لأمريكا ولكنها شأنها شأن كل الدول تبحث عن دور في المنطقة، وتبحث عن مصلحتها في ذلك، ولا يمكن لأي دولة أن يكون لها دور بدون رضى سيد البيت الأبيض.
سلطنة عمان.. رغم أن هذا الاسم لا يتكرر في الإعلام العربي، فإن هذا الأمر لا ينعكس على النشاط الدبلوماسي النشط للسلطنة الذي ربما أحيانا يبدو وكأنه يغرد خارج السرب الخليجي أو أنه يناهض التوجه السعودي تحديدا.
فالسلطنة تجيد التعاطي مع الواقع “بعقل إنجليزي بارد”، تدير الأمور وفقا لمصلحتها الاستراتيجية، تعتمد وقوفها كطرف محايد ومرجعي في كافة القضايا العربية والإقليمية، وبما يدعم المصالح المشتركة والاستراتيجية مع إيران في غالب الأحيان.
المحلل العسكري والخبير الاستراتيجي اللواء الأردني المتقاعد، الدكتور فايز الدويري، يقول، إن “سلطنة عُمان لم تكن منذ عقود منسجمة مع التوجه العام للدول الخليجية”، مشيرا إلى أن “مواقفها تأتي دائما مغايرة لكل ما يتوجه له مجلس التعاون الخليجي باستمرار، في سياسة يصفها البعض بالمضادة”.
وبين اللواء الدويري أن “السياسة الخارجية لمسقط تختلف عن سياسة دول الجوار بشكل جوهري، حيث إنها تسعى لأن تكون عاصمة ذات صداقة مع كافة الدول والأطراف بما فيها الحليف الرئيس لها في المنطقة؛ ألا وهو إيران”.
وأضاف: “لديها رغبة جامحة لأن تكون دولة ذات استقلال سياسي، غير مرتبط بإملاءات من أحد، وخصوصا التبعية للمجلس الخليجي، حيث كثرت الشواهد في الآونة الأخيرة التي تعزز ذلك”.
فمواقف السلطنة التاريخية، ابتداء برفضها قطع علاقاتها مع مصر إبان إعلان الأخيرة معاهدة “كامب ديفيد”، والتي عارضتها معظم الدول العربية وقتها وعلى رأسها السعودية، وانتهاء بموقفها من رفض التدخل العسكري في عملية “عاصفة الحزم” الذي بدأه التحالف العربي بقيادة السعودية أيضا في آذار/ مارس الماضي ضد مليشيات الحوثيين باليمن، تظهر انتهاجها سياسة محايدة في ظاهرها، ما يعطيها فسحة تسنح لها اللعب بشكل مضاد من خلف الكواليس، لجعل موقفها أكثر تأثيرا.
بدورها، قالت الباحثة والأستاذة الجامعية الأردنية المختصة في الشأن الإيراني الدكتورة فاطمة الصمادي إن “سلطنة عُمان تربطها بإيران علاقات قديمة شابها بعض الفتور في أكثر من مناسبة، لكنها امتازت بصورة أساسية ببناء إطار من التعاون، تعزز بعد تولي السلطان قابوس بن سعيد الحكم في العام 1970”.
وأضافت أن “إيران ساهمت مع دول أخرى في دعم السلطان قابوس لمواجهة ثورة ظفار، في وقت كان فيه الثوار العُمانيون المناهضون لحكم آل تيمور يتلقون تدريباتهم في دول عربية للإطاحة بالسلطان الجديد”.
وأضافت الدكتورة أن “عُمان ردت الجميل؛ من خلال مطالباتها المتكررة لبناء علاقات استراتيجية بين إيران والدول الخليجية، من خلال دعوات وجهتها منذ سبعينيات القرن العشرين لعقد محادثات بهذا الخصوص وصولا لتطبيع العلاقات بين الطرفين”.
تعمل مسقط في كثير من الأحيان على لعب دور المحكم الذي يجمع الفرقاء على طاولة واحدة بتوجيه قنوات التفاوض في السياق التي تراه السلطنة يصب في مصلحة بقائها الطرف الذي يعود له الجميع عند الاصطدام بحائط تعنت أطراف الخلاف.
وفي هذا السياق، بين المحلل الاستراتيجي اللواء الدويري أن “السلطنة العمانية كانت وما زالت تلعب بصورة منفردة، محاولة أن تكون مرجعية في قضايا الخلاف خصوصا في ما يتعلق بدول شبه الجزيرة العربية”.
وتابع القول، إنه “كان لها دور كبير في فض الخلافات بين الدول الخليجية وقطر”، مشيرا إلى أنها “لم تتساوق مع الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية التي قطعت العلاقات الدبلوماسية مع قطر، بل وعملت على استعادة المياه إلى مجراها بشكل جيد”.
من جانبها، تقول الخبيرة في الشأن الإيراني الدكتور الصمادي إن “دور عُمان كوسيط، له خلفية تاريخية ولا يمكن اقتصاره على استضافة جلسات التفاوض السرية التي تمت بشأن الملف النووي الإيراني والتي بدأت فعليا في زمن الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد”.
مشيرة إلى أن “السلطنة لعبت دورَ وساطة بين إيران والسعودية وإيران وبريطانيا، ومثلت المصالح الإيرانية في عدد من الدول الغربية وفي مناسباتٍ عدة.. بل إنها كانت أيضا وسيطا بين مصر وإيران طوال فترة غياب التمثيل الدبلوماسي بينهما، كما ولعبت دورا في إنهاء ملف بعض الرهائن الغربيين وكان آخر ذلك تحرير سجناء أمريكيين اعتقلتهم إيران في طهران عام 2011”.
و كشفت مجلة “انتيليجنس أونلاين” الاستخباراتية الفرنسية عن قيام سلطنة عمان بوساطة سرية بين إيرانوالولايات المتحدة بعد تصاعد حدة التهديدات في أعقاب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.
وقالت المجلة في تقرير لها، إن لقاءات جرت في مسقط، مؤخرا، بين وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، ونظيره العماني يوسف بن علوي، ومدير جهاز المخابرات الداخلية العمانية الجنرال سلطان بن محمد النعماني.
وأوضحت المجلة أن اللقاءات تأتي -على ما يبدو- في إطار بحث مهام عمانية جديدة ضمن الوساطة المتعلقة بالأزمة المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران.
وقالت إن هناك تحفظا في مسقط بشأن الكشف عن محادثات سرية مع الولايات المتحدة في ظل الظروف الراهنة.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، الذي وقعه سلفه باراك أوباما في 2015؛ مما أحدث ردود فعل واسعة في العالم؛ حيث رفضت إيران تلك الخطوة، بينما أكد أطراف الاتفاقية الأخرى التزامهم بها، في حال احترمتها طهران.
وعقب الانسحاب، كشفت الإدارة الأمريكية ضغوطها على طهران عبر فرض عقوبات إضافية، والسعي لتشكيل تحالف إقليمي في مواجهتها.
وتريد واشنطن –من تلك الضغوط- إجبار طهران على اتفاق نووي معدل يعالج المخاوف بشأن الصواريخ الباليستية الإيرانية، وإذكاء الحروب الأهلية في المنطقة، وتحسين نظام التفتيش (على المنشآت النووية الإيرانية)، حسب ما تقول الخارجية الأمريكية.