الدبور- صواريخ ذكية ورؤساء أغبياء، هذا كان عنوان إفتتاحية القدس العربي اللندنية اليوم، حيث جاء في الإفتتاحية كيف أن البعض يبحث عن يصوغ تخريجات مختلفة لإنكار حصول مجزرة الكيميائي الأخيرة أو حتى تحميل الضحية المسؤولية عن موتها.
المقال الكامل يستحق اللسع يا دبابير:
تبرّع بعض محترفي القول السياسي إلى صوغ تخريجات لإنكار حصول مجزرة الكيميائي الأخيرة في الغوطة، أو لوضعها في سياق مؤامراتي معقد ينكر مسؤولية النظام السوري ورئيسه بشار الأسد ويحمّله لآخرين (من قبيل أن الضحايا هم من قصفوا أنفسهم)، أو يعزوه إلى خلافات بين الدول الداعمة للمعارضة السورية، بينما استنكر البعض الآخر الاهتمام الإنساني أو الأخلاقي بالضحايا باعتبارهم إرهابيين لا تجوز عليهم الرحمة، واستشاط البعض الآخر، الأكثر وضوحا وصراحة، غضبا لأن الضربة لم تقتل عددا كافيا من أولئك الرجعيين من الأطفال والنساء والكهول.
إحدى تلك التخريجات لخّصها سؤال: ماذا يستفيد الأسد من قصف منطقة كانت في حكم الساقطة عسكرياً، وهو سؤال يصحّ لو أن الرئيس السوري ليس مسؤولا بالأصل عن حرب طاحنة أوقعت مئات آلاف القتلى، وأكثر منهم من الجرحى والمعاقين، وأكثر من 11 مليون نازح ومهجر، وخسائر مهولة في البنى التحتية تقدر بـ 300 مليار دولار، واحتلال معلن لبلاده من قبل عشرات الدول والجيوش. هذا السؤال «الذكي» لا يُسأل لرئيس من هذا النوع.
حصل أمر مناظر حين طرحت أجهزة إعلام وكتاب من مختلف المشارب أسئلة شبيهة بالسؤال السابق بصيغة: ما الفائدة التي سيجنيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من محاولة اغتيال الجاسوس المنشق سيرغي سكريبال وابنته يوليا بغاز الأعصاب (نوفيتشوك) وهي طريقة تصيح بأعلى الصوت أن مخابراته هي التي نفّذت العملية. يتجاهل السؤال طبيعة عمل الدولة الروسية وطريقة تفكير رئيسها، القادم هو أيضا من جهاز الاستخبارات، والتي يشرحها تاريخ طويل يمتد من الشيشان وجورجيا إلى أوكرانيا وسوريا.
ضمن هذا الموضوع يمكن إدراج مجموعة من أفعال وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان آخرها تغريدته التي قال فيها «إن روسيا تتعهد بإسقاط كل الصواريخ التي ستطلق على سوريا. استعدي يا روسيا، لأن الصواريخ قادمة، وهي صواريخ ظريفة وجديدة و«ذكية». لا يجب أن تكونوا شركاء لحيوان مجرم يقتل شعبه ويتمتع بذلك!».
يأتي هذا التصريح بعد فترة غير طويلة من إطلاق ترامب نفسه تصريحا بأن قواته ستنسحب «فوراً» من سوريا، وبين تصريح الانسحاب الفوري و«الصواريخ قادمة استعدي يا روسيا» مسافة ضوئية لا يمكن أن يعبرها بهذه الفترة القصيرة إلا رئيس من طراز ترامب.
يعلن تصريح ترامب الأخير عن طبيعة وحدود ما ستفعله قوات جيشه في سوريا في مخالفة لمنطق العمليات العسكرية، الأمر الذي دفع وزارة الدفاع الأمريكية للقول إنها «لن تعلق على أي عمل مستقبلي ستقوم به»، وهو أمر يشبه الزجر المبطن لرئيس لا يريد أن يكف عن الطيش.
طريقة ترامب في الحديث عن «الصواريخ الذكية» إلى كونها متنفجة وطفولية وخرقاء فهي لا تحمل دليلا كبيرا على ذكاء قائلها يعطي معنى لوجوده على رأس أخطر منصب في العالم.
المعارضون للنظام السوري مستبشرون لأن «الضربة» المتوقعة ستكون صفعة لرأس النظام المجرم، لكنّ حسابات الأمريكيين، ما بعد الضربة المحتملة، لا تتطابق، بالتأكيد، مع مصالح أولئك المعارضين، وقد سارعت الخارجية الأمريكية للرد على معلومات تحدثت ان المعارضة تستعد للاستفادة لاستعادة ما خسرته من أراض بالقول إنها «ملتزمة بمسار جنيف، والجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع، وتفادي العنف الخ..».، وبالتالي فإن بناء أحلام وتوقعات كبيرة على عمل عسكري يستخدم «الصواريخ الذكية» أمر غير محمود وغير «ذكي» بالتأكيد.
الفائدة التي يمكن جنيها من الضربة المحتملة هي زعزعة شرعيّة الأسد بفعل أول عمل عسكري تتشارك فيه دول غربية وعربية ضده، وهو أمر يمكن البناء عليه والاستثمار فيه ضمن آليات النظم والشرع الدولية… إلا إذا غيّر ترامب رأيه من جديد وقرّر الانسحاب «فورا».