تُسْتَخْدَمُ كلمة “ولاك” عند السوريين بأحوال مختلفة، فالطفل يُقال له ولاك للزّجر، وأحياناً للتحبب، والبنت يقال لها: وليك، للزّجر والتحبب أيضاً. المطرب المرحوم فؤاد غازي كان يغني قائلاً بكل حب: ولَكْ يا محبوب، يا محبوب. وفي إدلب القديمة، كان يقال حتى للبنت التي في سن الزواج: ليك، بحذف الواو، ويقال لها أيضاً: وَكيه. وكانت عمتي أم منير، عندما تُخاطبنا، نحن أبناء أخيها وبناته، تجمع كلمة “ولاك” بطريقةٍ عجيبة، فتقول: وِلْكُون. تسألنا وقت العَشاء: ما جعتوا وِلْكُون؟ وفي نهاية السهرة: ما نعستوا وِلْكُون؟
أما عند شبيحة الأسد الوضع مختلف جداً، إنهم يستخدمون كلمة ولاك للزّجر والإهانة والتحقير وحَسْب. تَعَلَّمَ الشبيحة من مدرسة الأب القائد أن المواطن السوري لا يجوز التعاطي معه إلا بالدّعس، لذلك يجب أن يبقى مذلولاً مهاناً على طول الخط. وهم بدورهم تفنّنوا في تطبيق هذا المنهج، فحذفوا من كلمة ولاك حرف الكاف، لثقله، ووضعوا مكانه الهاء، وراحوا يقولون لأي مواطن سوري يأتي في طريقهم: ولاه. وغالباً ما يُلْحِقُونها بكلمة “كُر”، أَيْ حمار. تعال لهون ولاه كر. انقلع من هون ولاه جحش. وإذا كان المخاطَبون المراد إهانتهم كثيرين، يقال لهم: ولاه حَوَاوين (حيوانات)؟ وهكذا.
يذهبُ العالمُ التنويري، عبد الرحمن الكواكبي، في كتابه “طبائع الاستبداد” إلى أن الغوغاء هم العماد الأساسي للاستبداد. وهو على حق في ذلك، فالإنسان الغبي، الغوغائي، الهمجي، الجاهل، يندفع باتجاه القمع بغريزته، ويستمتع بكل ما يفعله لإرضاء المستبد، وأغلب الظن أن عدم استخدامه العقلَ في أثناء قيامه بالعمل هو المسبب الأول لسعادته غير المتناهية.
لو أردنا أن نأخذ أمثلةً واقعيةً على هذه الفكرة النظرية، لوجدنا حكاياتٍ كثيرة ذات دلالة. منها أن الخميني استطاع أن يُخْرِجَ مئات الألوف من أتباعه في إيران إلى الشارع، ليموت منهم عدد كبير، بالتدافع، غضباً وهيجاناً وسخطاً من رواية سلمان رشدي، مع أنهم لم يقرأوها، ولن يقرأوها لو عاش الواحد منهم عمر النسور.
مثال آخر: لم يكن ذلك العسكري الغوغائي الذي أفرزته المنظومة الأمنية الفاشستية لاستقبال السجناء السياسيين في تدمر، أواسط الثمانينيات، يعرف مَن مِن المساجين ينتمي إلى حزب العمل الشيوعي، أو للمكتب السياسي، أو للمنظمة الشيوعية العربية، أو للبعث الديمقراطي، أو لبعض التنظيمات القومية الناصرية، فعقله كان يشتغل بآلية بغل المعصرة الذي يوضع له قرب عينيه (الطماش)، موقناً أن السبب الوحيد لاعتقال هؤلاء الكلاب هو أن السيد الرئيس حافظ الأسد لا يعجبهم. وكان هذا، بالنسبة له، أمر بالغَ الإدهاش، إذ هل يعقل أن يوجد أحدٌ في هذا الكون الفسيح لا يعجب بهذا القائد الكبير؟
ثمة فصلٌ ينتمي إلى الملاحم الواقعية، يشبه روايةً عظيمة، كتبه الصديق المناضل راشد الصطوف، وأهداه إليّ حينما كنت أعد كتابي “كوميديا الاستبداد”، عن رحلته من فرع فلسطين إلى سجن تدمر (1987)، يتحدث راشد في هذا الفصل عن ذلك العسكري الأبله الذي لم يكن ليصدّق وجود أناس غير معجبين بالقائد، فيقول:
دامت هناءتنا، ودام تنفسنا للصعداء أكثر من أربع دقائق، وإذا بعسكريٍّ حجمه، بلا مبالغة، بحجم البعير، يدخل إلى الوسط. أجرى حركة أمانٍ لبارودته الروسية، ورَكَّب الحَرْبة “السنكة” على رأسها، ثم وقف وصاح صيحةً جعلتنا نتخشّب في أماكننا، وراح هو يدور علينا وينقرنا على رؤوسنا برأس السنكة، ويقول لنا: شو اللي مو عاجبكن بحافظ الأسد ولاه عكاريت؟ ولاه، هادا أبو سليمان حافظ الأسد شخاختو دَوَا..
ويعقب راشد بقوله: انقسمتُ في داخلي، وسط هذا الجو السريالي إلى “راشِدَيْن”، راشد المقهور، وراشد الهزلي الذي امتلك دافعاً كبيراً لأن يقول لذلك البعير: نحن شو دخلنا يا ابن الكلب؟ ليش ما أنت بتروح وبتتداوى بشخاخ حافظ الأسد؟
أما عند شبيحة الأسد الوضع مختلف جداً، إنهم يستخدمون كلمة ولاك للزّجر والإهانة والتحقير وحَسْب. تَعَلَّمَ الشبيحة من مدرسة الأب القائد أن المواطن السوري لا يجوز التعاطي معه إلا بالدّعس، لذلك يجب أن يبقى مذلولاً مهاناً على طول الخط. وهم بدورهم تفنّنوا في تطبيق هذا المنهج، فحذفوا من كلمة ولاك حرف الكاف، لثقله، ووضعوا مكانه الهاء، وراحوا يقولون لأي مواطن سوري يأتي في طريقهم: ولاه. وغالباً ما يُلْحِقُونها بكلمة “كُر”، أَيْ حمار. تعال لهون ولاه كر. انقلع من هون ولاه جحش. وإذا كان المخاطَبون المراد إهانتهم كثيرين، يقال لهم: ولاه حَوَاوين (حيوانات)؟ وهكذا.
يذهبُ العالمُ التنويري، عبد الرحمن الكواكبي، في كتابه “طبائع الاستبداد” إلى أن الغوغاء هم العماد الأساسي للاستبداد. وهو على حق في ذلك، فالإنسان الغبي، الغوغائي، الهمجي، الجاهل، يندفع باتجاه القمع بغريزته، ويستمتع بكل ما يفعله لإرضاء المستبد، وأغلب الظن أن عدم استخدامه العقلَ في أثناء قيامه بالعمل هو المسبب الأول لسعادته غير المتناهية.
لو أردنا أن نأخذ أمثلةً واقعيةً على هذه الفكرة النظرية، لوجدنا حكاياتٍ كثيرة ذات دلالة. منها أن الخميني استطاع أن يُخْرِجَ مئات الألوف من أتباعه في إيران إلى الشارع، ليموت منهم عدد كبير، بالتدافع، غضباً وهيجاناً وسخطاً من رواية سلمان رشدي، مع أنهم لم يقرأوها، ولن يقرأوها لو عاش الواحد منهم عمر النسور.
مثال آخر: لم يكن ذلك العسكري الغوغائي الذي أفرزته المنظومة الأمنية الفاشستية لاستقبال السجناء السياسيين في تدمر، أواسط الثمانينيات، يعرف مَن مِن المساجين ينتمي إلى حزب العمل الشيوعي، أو للمكتب السياسي، أو للمنظمة الشيوعية العربية، أو للبعث الديمقراطي، أو لبعض التنظيمات القومية الناصرية، فعقله كان يشتغل بآلية بغل المعصرة الذي يوضع له قرب عينيه (الطماش)، موقناً أن السبب الوحيد لاعتقال هؤلاء الكلاب هو أن السيد الرئيس حافظ الأسد لا يعجبهم. وكان هذا، بالنسبة له، أمر بالغَ الإدهاش، إذ هل يعقل أن يوجد أحدٌ في هذا الكون الفسيح لا يعجب بهذا القائد الكبير؟
ثمة فصلٌ ينتمي إلى الملاحم الواقعية، يشبه روايةً عظيمة، كتبه الصديق المناضل راشد الصطوف، وأهداه إليّ حينما كنت أعد كتابي “كوميديا الاستبداد”، عن رحلته من فرع فلسطين إلى سجن تدمر (1987)، يتحدث راشد في هذا الفصل عن ذلك العسكري الأبله الذي لم يكن ليصدّق وجود أناس غير معجبين بالقائد، فيقول:
دامت هناءتنا، ودام تنفسنا للصعداء أكثر من أربع دقائق، وإذا بعسكريٍّ حجمه، بلا مبالغة، بحجم البعير، يدخل إلى الوسط. أجرى حركة أمانٍ لبارودته الروسية، ورَكَّب الحَرْبة “السنكة” على رأسها، ثم وقف وصاح صيحةً جعلتنا نتخشّب في أماكننا، وراح هو يدور علينا وينقرنا على رؤوسنا برأس السنكة، ويقول لنا: شو اللي مو عاجبكن بحافظ الأسد ولاه عكاريت؟ ولاه، هادا أبو سليمان حافظ الأسد شخاختو دَوَا..
ويعقب راشد بقوله: انقسمتُ في داخلي، وسط هذا الجو السريالي إلى “راشِدَيْن”، راشد المقهور، وراشد الهزلي الذي امتلك دافعاً كبيراً لأن يقول لذلك البعير: نحن شو دخلنا يا ابن الكلب؟ ليش ما أنت بتروح وبتتداوى بشخاخ حافظ الأسد؟
بقلم خطيب بدلة