الدبور – إنشغل العالم كله بقصة الفتاة الفلسطينية الشقراء عهد التميمي الذي إعتقلها الإحتلال الإسرائيلي وهي لم تتجاوز ال ١٦ عاما، عهد التميمي لفتت الإعلام والمجتمع الدولي بتصديها للإحتلال منذ طفولتها، وجاء إعتقال الفتاة التي تتميز بشعر أشقر طويل ومميز ليشغل العالم كله، من وسائل التواصل الإجتماعي إلى منابر الأمم المتحدة.
ولكن هل تعلم كم هناك من قصص لمعتقلات يشيب لها الولدان؟ وكم حالة هي أصعب بكثير من حالة عهد؟ وما تفاصيل تلك الحالات؟
الأسيرة الجميلة إسراء جعابيص، التي شوهها الإحتلال بتركها تحترق داخل سيارتها ومن ثم إعتقلها هي واحدة من تلك القصص، فما قصة إسراء جعابيص؟
منى هي شقيقة الأسيرة الفلسطينيّة إسراء جعابيص التي تقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي. تتحدّث إلى “العربي الجديد” عمّا جرى مع إسراء وعن وضعها اليوم، مناشدة العالم باسم عائلتها وباسم ابن شقيقتها النظر في قضيّتها وإنقاذها.
خلال واحدة من جولات التحقيق مع الأسيرة الفلسطينية إسراء جعابيص، من حيّ جبل المكبر في القدس المحتلة، عرضت إحدى مجنّدات الاحتلال أصابعها أمامها قائلة: “انظري إلى أصابعي الجميلة. أنا لي أصابع. أمّا أنت فلا”. لكنّ إسراء ردّت: “أنا أيضاً لي أصابع لكنّها قُطعت”.
والتحقيق مع إسراء التي تبلغ من العمر اليوم 33 عاماً، لطالما كان قاسياً جداً وقد تعرّضت خلال جولاته المختلفة لشتّى أنواع الضغط والتعذيب الجسدي والنفسي، على الرغم من إصابتها. وتخبر منى جعابيص، شقيقة إسراء، أنّ المحققين كانوا يقولون لها إنّ “أهلك تخلّوا عنك ولا يريدون رؤيتك أبداً”. تضيف لـ “العربي الجديد” أنّهم “لم يبلغوها بأنّنا استمتنا لرؤيتها. وهم كانوا يحضرون لها مرآة ويجعلونها تنظر فيها إلى وجهها”.
وتؤكد منى أنّه “تعذيب نفسي قاسٍ لم يرحم إسراء الجريحة والمشوّهة نتيجة الحريق الذي اندلع في سيارتها. وهي اليوم تعاني الأمرّيَن ممّا حلّ بها على الرغم من مرور عامَين على إصابتها. فهي ما زالت في حاجة إلى عمليات جراحية في أماكن عدّة من جسدها المصاب. عدا عن ذلك، هي بالكاد قادرة على تدبّر شؤونها الشخصية داخل السجن وفي حاجة إلى مرافقة للاعتناء بها”. وتشير منى إلى أنّ “الأسيرة علياء العباسي التي كانت تعتني بها وتعينها داخل سجنها تحرّرت، ولم تبقَ إلى جانبها سوى أسيرات صغيرات في السنّ لا يستطعنَ مساعدتها”.
بعد مرور أكثر من عامين على إصابة إسراء واعتقالها، وبعد ما تناقلته مواقع إخبارية عمّا تعرّضت له شقيقتها في 11 أكتوبر/ تشرين أول 2015، تشدّد منى على أنّ شقيقتها كانت “ضحية خلل أصاب سيارتها وهو ما يدحض ادعاءات الاحتلال بأنّ إسراء كانت تنوي تنفيذ هجوم بسيارتها على القوات الإسرائيلية عند حاجز الزعيم”.
وتروي منى ما جرى بالتفاصيل. تقول: “قبيل مغادرة إسراء منزلها في أريحا، تعطّلت سيارتها عند محاولتها تشغيلها. كانت تلك المرّة الأولى. وتمكّنت من الانطلاق، قبل أن تتعطّل سيارتها من جديد على طريق أريحا – القدس أكثر من ثلاث مرّات. وإسراء كانت قد حصلت على الرخصة حديثاً ولم تكن تقود السيارة بمهارة السائق المتمكّن”. تضيف منى: “وقبل وصولها إلى حاجز الزعيم التابع للاحتلال الإسرائيلي شرقيّ القدس المحتلة بمسافة تزيد عن كيلومتر ونصف الكيلومتر، فقدت السيارة توازنها وراحت تتحرّك يميناً وشمالاً في خط السير الأيمن المخصّص للشاحنات، في حين أنّ رذاذاً أبيض راح يتصاعد من السيارة”. وتتابع منى: “لاحظ الأمر أحد أفراد شرطة الاحتلال في المكان، فطلب منها التوقّف. امتثلت لأوامره، وبينما كانت تهم بالخروج من السيارة، دفعها الشرطي إلى داخل سيارتها وأطبق باب السيارة على يدها. لم تتمكن من فتح الباب مجدداً، في حين اندلع حريق مفاجئ في الداخل، يبدو أنّه نجم عن تماس كهربائي. فامتدت النار إليها، بينما لم يُصَب الشرطي بأيّ أذى وابتعد عن السيارة لينظّم حركة السير في المكان. في الأثناء، حاول أحد سائقي حافلات “إيغد” الإسرائيلية إطلاق النار عليها، مدّعياً أنّها كانت تعتزم تفجير السيارة”.
وتشير منى إلى أنّ “الاحتلال سارع إلى اتهام إسراء بمحاولة استهداف جنوده على الحاجز، علماً أنّ ما حدث معها كان قبل الحاجز بمسافة طويلة. والأهمّ أنّه لم يقع أيّ انفجار في السيارة على خلاف ما تناقلته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وكانت إسراء المتضررة الوحيد. فقد أصيبت بحروق بالغة الخطورة ألحقت الأذى بأكثر من 65 في المائة من جسدها، خصوصاً في مناطق الوجه واليدَين والعينَين. أمّا شرطي الاحتلال الذي زعم أنّه أصيب، فلم يتعرّض لأيّ خدش وظهر بعد الحادث مباشرة وهو ينظّم حركة السير في المكان”.
عقب الحادث، نُقِلَت إسراء إلى مستشفى هداسا عين كارم في القدس الغربية المحتلة، حيث خضعت إلى علاج أوّلي بينما كانت رهن الاعتقال. وبحسب ما تلفت منى، فإنّه “لم يُسمَح لنا بزيارتها حتى بعد مرور ثلاثة أشهر على الحادث من زيارتها. بعد ذلك، خضعت إسراء لتحقيق قاسٍ ونُقِلت إلى سجن الرملة ومنه إلى سجن هشارون، حيث تقضي اليوم محكوميتها ومدّتها 11 عاماً، بتهمة الشروع بالقتل مثلما جاء في قرار المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس المحتلة”.
تجدر الإشارة إلى أنّ إسراء أمّ لطفل في العاشرة من عمره، وزوجها مواطن فلسطيني من أريحا يحمل بطاقة هوية من الضفة الغربية. وعلى مدى سنوات طويلة، حاولت الحصول على لمّ شمل لزوجها وتسجيل طفلها على بطاقة هويتها أو الحصول على رقم هويّة له، لكن من دون جدوى.
وبعدما أصيبت في ذلك الحادث واتُّهمت بمحاولة تنفيذ هجوم على قوات الاحتلال، بات من المستحيل حصولها على موافقة للمّ شمل عائلتها الصغيرة، على الرغم من انتقالها للسكن في القدس وتوفير كلّ متطلبات الإقامة التي تفرضها سلطات الاحتلال على العائلات المقدسية كي تثبت مكان إقامتها. في السياق، تخبر منى أنّ “نجل شقيقتي يقيم الآن معنا في القدس، وهو يرافقنا في زياراتنا لأمّه الأسيرة. لكن في المرّة الأخيرة، أبلغونا بأنّهم لن يسمحوا له بزيارة أمّه كونه لا يحمل رقم بطاقة هوية.
وهو ما يعني أنّ الطفل سوف يُحرَم من رؤية أمّه خلال السنوات العشر المقبلة”. إلى ذلك، وقبل فترة قصيرة، تلقّت منى رسالة من شقيقتها إسراء تناشدها فيها أن يقف الجميع معها ومع سائر الأسيرات، مؤكدة حاجتها إلى العلاج من آثار حروقها التي تعوّق ممارستها حياتها الطبيعية. وتقول منى: “لعلّ من حقّ إسراء أن يُستجاب طلبها، فظروف الاعتقال التي تخضع لها مع الأسيرات الأخريات رهيبة وهنّ في حاجة إلى أن يُسمَع صوتهنّ في العالم كله”.
عن العربي الجديد