“الداخلية تأخرت في الإعلان عن تفاصيل مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، لأنهم مش لاقيين كبش فدا”، هكذا تحدث بتلقائية الصحفي المصري محمد الهواري رئيس أكاديمية أخبار اليوم، في مقابلة تلفزيونية على قناة صدى البلد السبت 12 مارس/آذار، في رده على أسباب البطء الشديد في التوصل للأسباب الحقيقة، وراء مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني.
وهو الأمر الذي يلخص المشهد الحالي حول تلك القضية بالقاهرة، وخروج عدة روايات لمصادر أمنية مصرية تتناقض مع بعضها البعض، وتفشل في تقديم ننائج مقنعة في وجود فريق تحقيق إيطالي في القاهرة منذ شهر.
أحدث رواية.. “شاهد شاهد ماشافش حاجة”
لم يمر سوى 24 ساعة على حديث الهواري حتى خرجت أحدث روايات قتل ريجيني، عن طريق عدد من وسائل الإعلام المصرية المعروف ارتباطها بالأجهزة الأمنية. جاء ذلك مع إعلان اثنين من الإعلاميين المصريين الذين قالا إن بحوزتهما فيديو وصوراً تكشف حقيقة مقتل الشاب الايطالي.
ظهر أسامة كمال، على فضائية القاهرة والناس، مساء السبت، ليعلن عن امتلاكه لصور ومستندات، تفيد بوجود مشاجرة بين ريجيني، وأحد المواطنين الإيطاليين في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، في محيط القنصلية الإيطالية بوسط البلد.
ولم يمر سوى ساعات حتى خرج الإعلامي المصري أحمد موسى بقناة صدى البلد ليعلن عن استضافته لـ”محمد فوزي”، الذي وصفه بالشاهد الرئيسي بالقضية، وأنه هو من كشف عن تفاصيل المشاجرة بين ريجيني ورفيقه خلف السفارة الإيطالية، وأنه خلال تواجده في النيابة تعرف على صورة ذلك الشخص من بين 150 إلى 200 صورة لشخص تم عرضها عليه.
ولكن اضطرت وزارة الداخلية للإعلان عن كذب تلك الواقعة، على لسان اللواء أبو بكر عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية لقطاع العلاقات العامة، والذي قال إن الفيديو الذي تم تداوله لمقتل الشاب الإيطالي أمام السفارة الإيطالية مع آخر، غير صحيح.
وأضاف أبو بكر، خلال مداخلة هاتفية مساء الإثنين على شاشة قناة “العاصمة”، أن الفريق الأمني المصري “متواصل مع الفريق الإيطالي المتواجد في البلاد ويطلعه على ما توصلت إليه التحريات، وما تم نشره على صفحات الجرائد لا توجد لدينا أي معلومات عنه”، مشيراً إلى أن ما لا يتم إعلانه في هذه القضية من قِبل وزارة الداخلية مجرد شائعات.
والمستغرب في وصف مساعد وزير الداخلية لتلك الروايات بأنها شائعات، هو تعارضها مع تقارير صحفية مصرية، أكدت أن شاهد العيان الذي خرج بتلك الرواية ذهب إلى لقاء الإعلامي أحمد موسى مستقلاً سيارة تابعة لوزارة الداخلية.
كما أن النفي جاء بعد إعلان فريق التحقيق المشترك بين مصر وإيطاليا عن تناقضات في رواية الشاهد، وأن شركة الهاتف المحمول الخاصة بهاتف شاهد العيان المفترض أكدت أنه وقت الرواية التي أعلنها كان متواجداً في منطقة محل سكنه في مدينة 6 أكتوبر، وهو ما يتعارض مع قوله إنه كان بجوار السفارة الإيطالية في وسط البلد، وبرر الشاهد تناقضاته بعد التراجع عن شهادته قائلاً: “أنا عملت كده علشان أفيد البلد”.
وكشفت مصادر مطلعة لـ”هافينغتون بوست عربي”، أن تلك الرواية كانت تهدف إلى تغيير بوصلة الاتهامامت، وتحويلها إلى قضية شرف، وأن ريجيني كان فى علاقة جنسية مع ناشطة يسارية، ولكن تم استبعاد تلك الرواية بعد فشل ضبط أدلة الشهادة.
من حادث سير إلى الشذوذ
وربما تكون تلك الرواية هي الأكثر جهداً في محاولة إبعاد الشكوك الكثيرة حول تورط وزارة الداخلية في مقتل الناشط الإيطالي، وجاء الإعلان عنها بعد أيام قليلة لبيان البرلمان الأوروبي شديد اللهجة الذي صدر بحق مصر، على خلفية تلك الواقعة، وانتقادات لاذعة لأوضاع حقوق الإنسان فيها.
ولكن منذ اللحظة الأولى للإعلان عن العثور على جثة ريجيني، نشرت معظم وكالات الأنباء والصحف الأجنبية تقارير تشير إلى تورط وزارة الداخلية في مقتل الشاب، ومع الموقف المتشدد من الجانب الإيطالي مع سير التحقيقات في مصر.
تلك الموجة من التقارير كانت في بداية شهر فبراير/شباط، وبعد أيام من العثور على الجثة، ومن حينها كانت هناك محاولات من جهات أمنية مصرية لطرح روايات بديلة تبعد بها الشبهات عن تورطها في تلك القضية، خصوصاً وأن كافة الجهات الرسمية من رئيس الجمهورية، وحتى مسئولي وزارة الداخلية نفوا تلك الأنباء، وأكدوا أنه لم يتم القبض على ريجيني.
وأولى تلك الروايات ما قالته مصادر أمنية مصرية فور العثور على الجثة، أن الوفاة ناتجة عن حادث سير، وجاء ذلك على لسان اللواء علاء عزمي، نائب مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، في 4 فبراير/شباط.
وبعد ظهور تقرير الطب الشرعي والتسريبات التي تحدثت عن آثار التعذيب بجسده، بدأت روايات أخرى تم صياغتها لتتناسب مع حادث جنائي، كان منها التصريحات الصحفية لمصادر من جهات التحقيق قبل انضمام الجانب الإيطالي إليها، أن الحادث جنائي بهدف السرقة.
ومن الروايات التي خرجت بها الجهات الأمنية هو محاولة البحث عن رفيق لريجيني وقت اختفائه. وهنا خرج مصدر أمني مصري يتحدث لوسائل الإعلام عن فحص كاميرات المراقبة بمترو الأنفاق، لمحاولة تتبع الشاب الإيطالى الذي عثر عليه مقتولاً، والتي أظهرت الشاب بصحبة أحد أصدقائه في إحدى محطات المترو ثم اختفاءه بالقرب من إحدى محطات وسط البلد.
وبعد أقل من شهر، ومع وصول فريق التحقيق الإيطالي، خرجت نفس الجهات الأمنية لتعلن أن النيابة انتهت من تفريغ كاميرات المراقبة بمحطتي البحوث والدقى لمترو الأنفاق، وعشرات المحال التجارية والمؤسسات المالية وغيرها، المثبت أعلاها كاميرات بشوارع الدقى، وتبين أن جميع تلك الكاميرات لم ترصد تحركات ريجيني، يوم اختفائه في 25 يناير/كانون الثاني الماضى.
3 سيناريوهات
ومن أغرب الحلول التي لجأت إليها الأجهزة الأمنية طرح 3 سيناريوهات في وقت واحد للحادث، على أن يختار القارئ ما يراه مناسبا، وبالطبع لم يكن ضمنها شبهة تورط الداخلية بها.
تلك السيناريوهات خرجت في توقيت واحد بصحيفتين مصريتين مختلفتين، هما فيتو واليوم السابع، ومن ضمنها سيناريو حادث السير، بالإضافة إلى اثنين جديدين، أحدهما عن فكرة اتهام ريجيني بالشذوذ الجنسي، وتورطه مع أشخاص قاموا بقتله، فيما جاءت الثانية لتتحدث عن تورط داعش في القضية لضرب العلاقات المصرية الإيطالية.
وترجع الواقعة إلى اختفاء الباحث الايطالي جوليو ريجيني يوم 25 يناير/كانون الثاني 2016، بعد أن غادر مقر إقامته في حي الدقي بالجيزة، واتجه للقاء صديق في منطقة وسط القاهرة.
ولم يمر سوى 9 أيام فقط حتى أعلنت الأجهزة الأمنية المصرية، عن عثورها على جثته، ملقاة في أول طريق “مصر – إسكندرية” الصحراوي بمدينة 6 أكتوبر.
وبعد نقلها إلى مصلحة الطب الشرعي بقرار من نيابة الجيزة؛ لبيان سبب الوفاة، تبين أنه مصاب بكدمات وسحجات في مختلف أنحاء جسده، ويوجد آثار تعذيب متفرقة بجسده، وقطع في أذنيه.
هافينغتون بوست عربي