في أواخر العام الماضي، استحدث رئيس وزراء الإمارات العربية المتحدة، محمد بن راشد آل مكتوم، وزارة دولة للسعادة، في إطار تغيير حكومي كبير، وصف خلاله مهام هذه الوزارة، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، أنّها «وزارة لإسعاد المواطنين».
حساب محمد بن راشد، الذي روج لهذه الوزارة، ووزيرتها الشابة التي ظهرت في وسائل الإعلام مرتدية قلادة مكتوب عليها كلمة «Happy سعادة»، تجاهل عمدًا الصورة الأخرى التي يعيشها آلاف المغتربين والمواطنين الإماراتيين على الأراضي الإمارتية، ممن يعيشون وقائع موت بطيء في ظروفهم الإنسانية.
هذه الوجه الآخر للسعادة، تسعى «ساسة بوست» لاستكشافه خلال السطور المقبلة، بإلقاء الضوء على أوضاع العمالة المُهاجرة، وأساليب السلطة الإمارتية «القمعية» حيال أي مواطن له ميول نقدية.
جزيرة السعديات.. معقل انتهاكات العمالة المُهاجرة
على امتداد مساحة 27 كيلومترًا مربعًا، تقع المنشآت التابعة لجزيرة السعديات الإمارتية، على المياه الفيروزية الخلابة، متراوحًا ثمن شقة سكنية بها، تتكون من سبع غرف نوم، حوالي سبعة ونصف مليون دولار، بينما يبدأ سعر الفيلا من 1.25 مليون دولار.
المنتجع المثالي، الذي يُعد موطنًا لثلاثة متاحف كبرى، ومركزًا للفنون الأدائية، يبدو كواحة للسعادة، وتجسيدًا لحديث السلطات الإمارتية عن سعادة مواطنييها، يُقابله صورة سوداوية قاتمة أبطالها العمال المُهاجرون.
تنوعت هذه الانتهاكات بين حجب لأجور العمال وفوائدهم، وعدم تسديد تعويضات على رسوم التوظيف، ومصادرة جوازات سفرهم، وإيوائهم في مساكن دون المعايير المطلوبة، وتجاوزت السلطات هذه الإجراءات بترحيل عمال من جزيرة السعديات، دون حكم قضائي، لكونهم أضربوا عن العمل احتجاجًا على تدني الأجور.
داخل إحدى البنايات المتواضعة بالمنطقة الصناعية، في المصفح، بأبوظبي، يفترش مجموعات من العمال الوافدين من بنجلاديش، أفرشة تحت أسرة بطابقين، وسط حشرات تغزو الشقة، وأسلاك كهربائية غير مغطاة، تتدلى قرب صنبور الحمّام.
يحكي أحد هؤلاء العمال عن الواقع الذي يعيشه، دون الكشف عن هويته، قائلًا: «ليس أمامنا سوى الرضوخ لهذه الانتهاكات، كعدم الحصول على أجور، ودفع رسوم توظيف غير قانونية، والعيش في أماكن لا تستجيب لأي معايير، وإلا سيكون مصيرنا الترحيل والطرد بسبب المطالبة بتحسين الأجور، كما حدث لمجموعات كانت تعمل معنا».
عامل آخر تعرض للترحيل، أواخر عام 2013، يروي بدوره جانبًا من وقائع التجربة، بقوله، إن «مجموعة من أفراد شرطة أبوظبي ملثمة، قدموا إلى منزلي، وقيدوني للسجن شديد الحرسة، ثم صفعوني ودفعوني أثناء الاستجواب، وسألوني عن هوية منظم الإضراب، الذي أدى بحسب أقوال الرجال إلى أكثر من 200 عملية ترحيل».
وعن المقابل المادي الذي كانوا يتقاضونه، قال: «كنا نتقاضى 190 دولارًا في الشهر، وهو نصف المبلغ المتفق عليه مع الشركة، التي كانت تدعم إجراءاتها السلطات الإماراتية».
ضمن مساعي السلطات الإمارتية لتشديد الحصار على معاناة العمالة داخل الجزيرة، منعت ممثل المنظمة الحقوقية العالمية «هيومن رايتس ووتش»، من دخول البلاد، ووضعت موظفين اثنين آخرين على القائمة السوداء.
خيار السلطات الإمارتية لحصار الناشطين على أراضيها
سعت السلطات الإمارتية في السنوات الأخيرة، إلى استحداث أساليب غير شرعية للحد من حرية مواطنيها والمغتربين على أراضيها، من بين ذلك وسيلة «التهجير القسري».
يروي المدون الفلسطيني إياد البغدادي، الذي اكتسب شهرة واسعة بعد ثورات الربيع العربي، وقائع تجربة اعتقاله داخل السجون الإمارتية قائلًا: «أخذوني في مركبة نقل مع حارسين. قادوا السيارة إلى أبوظبي لمدة ساعتين، قبل أن نصل إلى مركز الشرطة، حيث قاموا بتقييدي إلى رجل باكستاني بعد وصولي».
يستكمل البغدادي، الذي كتب عددًا من التدوينات المُناهضة للنظام المصري المدعوم من جانب الإمارات: «كنت في غرفة لسِت ساعات، مع الكثير من المهاجرين، أغلبهم من العمال. الكثير منهم مخالفون للإقامة رغم أن الكثير منهم أقاموا في الإمارات لفترات طويلة أو طوال حياتهم».
ولا يُعد إياد البغدادي استثناءً في قائمة انتهاكات السلطة الإمارتية، حيال المُغتربين ذوي الميول المُعارضة، لأنظمتهم الحاكمة، إذ يبرز اسم أحمد عبد الخالق (35 عامًا)، والمعروف بحملاته كناشط ومدون من أجل حقوق المقيمين بدون جنسية، والمعروفين بـ«البدون»، والذي تعرض لاحتجاز في أحد السجون الإمارتية شديدة الحراسة، تلاه قرارٌ بترحيله لتايلاند.
يصف عبد الخالق ظروف مقر الاحتجاز، حيث امتلأت الأرضيات بمياه الصرف الصحي، فيما كان الطعام المُقدم لهم «أسوأ من طعام الكلاب»، بحسب وصفه.
ياسين كاكاندي، صحافي أوغندي عمل بالإمارات لعشر سنوات، قبل نشره كتابًا يتناول فيه أوضاع الهجرة والاتجار بالبشر في الإمارات، وهي مواضيع محرم الحديث فيها، ليجد نفسه على قائمة الترحيل القسري خارج البلاد، أواخر اعام 2014، ويتعرض كتابه للمنع من التداول في المكتبات المحلية.
كاكاندي، الذي عمل مراسلًا لكُبرى الصحف الإنجليزية في الإمارات، لم تشفع له محاولات عدد من زملائه للتوسط للسلطات الإمارتية لبقائه: «كُل المحاولات فشلت، عاملوني وكأنني حيوان خطر جدًّا».
واعتبر الصحافي الأوغندي، أن ما حدث معه يهدف «لترهيب أي كاتب أو صحافي يرغب في مناقشة قضايا العنصرية والاتجار بالبشر واستغلال المهاجرين في الإمارات».
في أحد فصول كتابه بعنوان «تقارير صحفية من دبي»، يتطرق ياسين كاكاندي لأساليب الرقابة المعمول بها في وسائل الإعلام بالإمارات العربية المتحدة، موضحًا أن المسؤولين عن تلك المؤسسات، جزءٌ لا يتجزأ من آليات نظام الرقابة الذي تستعين به السلطات، مسلطًا الضوء بشكل أعم على العلاقة بين الحكام ووسائل الإعلام، والتي يطغى عليها الاستيعاب، مبرزًا في الوقت ذاته صعوبة ممارسة الصحافة في بيئة يُستحسن فيها عدم إفشاء الأسرار أو التعمق في موضوعات معينة.
وبحسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2014، الذي نشرته «مراسلون بلا حدود»، تقع الإمارات العربية المتحدة في المرتبة 118، من أصل 180 بلدًا ضمن هذا التصنيف.
بالتزامن مع هذه الإجراءات التعسفية حيال المواطنين المُغتربين ذوي الميول المُعارضة، سعت السلطات الإمارتية لتطبيق سلسلة إجراءات قمعية ضد مجموعات إمارتية سعت لاستصدار تشريعات تضمن حقوق العمالة المهاجرة، وهي المجموعات التي كانت تندرج تحت جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، وهي جمعية سياسية سلمية تنادي بالتزام أكبر بتعاليم الإسلام.
لكن أمام هذه الدعوات التي ارتأتها السلطات «خروجًا عن المألوف»، احتجزت 12 عضوًا من أعضاء هذه المجموعة، وأجبرتهم على توقيع تعهدات بالبحث عن جنسية أخرى، بعد أن زعمت الحكومة إسقاط الجنسية عنهم.
يُذكر أن الحكومة الإماراتية، دفعت 200 مليون دولار أمريكي لحكومة جزر القمر، وهو المبلغ الذي كان وقتها يعادل 40% من إجمالي الناتج القومي لجزر القمر، حتى تعرض جنسيتها على المقيمين بدون جنسية في الإمارات العربية المتحدة، الذين تسعى السلطات لترحيلهم على خلفية آرائهم السياسية المُناهضة لسياستها.
من جانبها، قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش، إن «سلطات الإمارات العربية المتحدة تقوم الآن باستخدام الترحيل وإسقاط الجنسية كوسيلة لإسكات الاحتجاج في الإمارات العربية المتحدة»، مضيفةً أن السلطات يتعين عليها إنهاء هذه الممارسة التي وصفتها بـ«المخجلة»، واحترام حقوق الإماراتيين في حرية التجمع والتعبير.
مصير سجناء الرأي
تعتمد سلطة الإمارات التعذيب كوسيلة أساسية لقمع معارضيها، وإجبارهم على توقيع تعهدات خارج إرادتهم، بعد تلفيق قضايا بواسطة المحاكم التابعة للدولة التي تمارس السلطة التنفيذية السيطرة عليها.
في يناير (كانون الثاني) 2014، تلقى 20 مصريًّا وعشرة إماراتيين أحكامًا بالسجن لخمس سنوات، بتهمة إنشاء فرع لجماعة الإخوان المسلمين في البلاد. حُرم المحكوم عليهم من التواصل مع محامييهم، كما أعلنوا تعرضهم للتعذيب.
وفي شهر أغسطس (آب)، اعتقلت السلطات عشرة رجال أعمال ليبيين، اختفى اثنان منهم على الأقل قسرًا. وفي سبتمبر (أيلول)، اعتقلت السلطات الإماراتية ستة إماراتيين يشتبه في صلتهم بالجماعات الإسلامية المحلية، وأودعتهم في أحد الأماكن المجهولة.
وفي فبراير (شباط) 2014، انتقدت مقررة الأمم المتحدة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، عدم استقلال القضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة، متعللة بأن السلطة التنفيذية تمارس سيطرة فعلية على السلطة القضائية. كما أعربت عن قلقها إزاء تقارير عن استخدام مرافق احتجاز سرية وسوء المعاملة، والتعذيب للأشخاص المحتجزين بمعزل عن العالم الخارجي.
وضمن مساعيها لتعزيز سلطة المراقبة، جرى تعميم استخدام قانون جرائم الإنترنت القمعي لعام 2012 لملاحقة منتقدي الحكومة.
ففي العاشر من مارس (آذار) 2014، أدانت إحدى المحاكم، اثنين من مواطني الإمارات، هما خليفة ربيعة وعثمان الشحي، بتهمة انتقاد أمن الدولة على تويتر، فحكمت عليهما بالسجن لخمس سنوات، وتغريمهما 500 ألف درهم (ما يعادل 98,378 دولار أمريكي).
(ساسة بوست)