ما معنى أن تبرز الآن مجددا الشخصية السورية “المعارضة” المثيرة للجدل منذ بداية الثورة، أحمد الجربا؟ فقد ترأس الائتلاف الوطني لفترة ثم توارى قليلا عن الأنظار، والرجل لا يُرتاح له في أوساط المعارضة السياسية، فهو بتعبير أحد الناشطين “من أسوإ السيئين”، ومن قبله ومن بعده في رئاسة الائتلاف الوطني أقل منه ضررا على الثورة.
يرى مراقبون أن الرجل أسست له الإمارات حزبا، تيار الغد السوري، وما عاد يخفى هذا بعد ظهور العقيد محمد دحلان، مستشار ولي عهد أبو ظبي الأمير محمد بن زايد، جالسا بجانبه في القاعة التي احتضنت مؤتمر التأسيس بالقاهرة لتهيئته للمرحلة القادمة، ويمثل فيها واجهة نفوذ وتأثير الإمارات، وتحديدا محمد بن زايد، الأمير الأكثر شراسة وغطرسة وعداء في جبهة الثورات المضادة.
ومع زحمة الأطراف المؤثرة، لم تبرز الإمارات داعمة لفصائل ذات قوة وتمثيل على الأرض، وربما أكثر عملها كان وراء الكواليس بالتنسيق مع الأردن وروسيا. لكن تركز نفوذها وارتبط أكثر بشراء ولاءات وذمم مشبوهة محسوبة، ظاهرا، على الثورة والمعارضة السياسية، وعاكست في هذا تحركات قطر وتركيا، حيث ترى فيهما خصمين لدعمهما الإخوان وقربهما من الإسلاميين، عموما، وهي لا تخفي هذا، بينما تحاول تحاشي التعارض الظاهري مع السعودية أملا في كسبها لصفها أو على الأقل تحييدها في صراع المحاور.
بروز الجربا ودحلان في القاهرة ربما قد يخلط الأوراق ويربك المعارضة الهشة أصلا، والأهم أنه يعني البداية الفعلية لـ”تقسيم الحصص ومناطق النفوذ” و”صراع المناصب والمواقع” في “خريطة سوريا الجديدة”، فما استثمروه وزرعوه في الفترة السابقة آن أوان حصاده.
وتدرك الأطراف المؤثرة أن التفاهم الأمريكي الروسي يدفع باتجاه التسوية وترتيب منظومة الحكم القادمة وإداراتها، فكان هذا أنسب فرصة للظهور، فالقوم يستعجلون الحسم السياسي للتفرغ لمحاربة الجهاديين وتصفية وجودهم، ومشكلتهم الآن مع النصرة، وبعض المجموعات المقاتلة الرافضة للعملية السياسية، لارتباطها واشتراكها في التنسيق وإدارة بعض المناطق المحررة مع فصائل ثورية أخرى قبلت بالتسوية.
لكن ثمة أكثر من تصور وخطة عمل، فتركيا تريد منطقة آمنة تحميها من التمدد الكردي الانفصالي في الشمال السوري، وتدفع بمجموعات ثورية مقاتلة في هذا الاتجاه، والأردن تنسق مع روسيا والكيان الصهيوني والإمارات لتأمين المنطقة الجنوبية وضبط الوضع هناك لمنع حدوث أي اختراق مؤثر أو تغير في موازين القوى على الأرض، والسعودية عينها على النفوذ الإيراني في سوريا المحمي بغطاء جوي روسي وأمَنت لها حضورا وتأثيرا سياسيا وميدانيا، وقطر أقامت علاقات وثيقة ببعض الفصائل المؤثرة، خصوصا ذات التوجه الإسلامي، وخطها قريب من أنقرة، وهي مشاركة في الدعم والتمويل منذ بداية الثورة.
دخول الإمارات بوكلائها ورجالها على خط الثورة يشير إلى أن التحرك التخريبي، الذي عُرفت به منذ ثورة مصر، انتقل إلى مستوى سياسي وميداني أكثر بروزا، وهذا له علاقة بخطة التسوية التي يُدفع بها أسرع من أي وقت مضى، وهو مُؤذن بدخول الصراع مرحلة أكثر تعقيدا وتضاربا.
يبقى أن الفصائل المرتبطة بالجهات الداعمة، جميعها، يُدفع بها في اتجاه الحرب ضد “تنظيم الدولة” التي يُحضر لها من فترة، والعمل الآن على تهيئة الظروف والأرضية لذلك وتذليل العقبات العالقة. وكل الدول الداعمة، تقريبا، معنية بتضييق الخناق على الرافضين للتسوية السياسية ودفعهم باتجاه القبول بها أو إرغامهم على الانسحاب.
خدمة العصر