أثار مقترح منح الآباء العاملين إجازة وضع “أبوة” أسوةً بالأمهات العاملات الكثير من الجدل، فما بين ترحيبٍ ورفضٍ وسخرية استقبل السعوديون المقترح الذي تقدّمت به عضو مجلس الشورى السعودي حياة سندي بإعجاب وزير العمل الدكتور مفرج الحقباني بحسب صحيفة الحياة.
وتضمّن المقترح المزمع عرضه على وزارة العمل منح الآباء إجازة لمدة 6 شهور، على أن يكون للموظف حرية اختيار الإجازة مع أو بعد إجازة زوجته الموظفة.
سندي أرجعت الحاجة إلى تطبيق الاقتراح بأنه سيدفع القطاع الخاص إلى تشغيل النساء، وأيضاً سيعزز من الترابط الأسري.
وعلى الرغم من أن إجازة الأبوة حقٌّ أصيل للموظفين في أكثر من بلدٍ حول العالم، إلا أنه بحسب مراقبين ومختصين فإن صعوبة تنفيذ القرار في الوطن العربي قد تكمن في قلة الإنتاجية الفعلية للموظف العربي والتي قدرتها بعض الدراسات بمتوسط 18 دقيقة في اليوم، ومنح إجازة طويلة غير محددة المرات قد تضعف عجلة الإنتاج الضعيفة بالفعل.
لا ضرورة للمقترح
“ماذا عن الرجل الذي لديه 4 زوجات ؟! هل سيمنح العام كله إجازة؟!” بهذه الكلمات تساءل الكاتب الصحفي السعودي خالد الوابل عن مدى فاعلية هذا المقترح وجدواه مضيفاً لـ “هافينغتون بوست عربي” إن “مجلس الشورى يغرّد خارج الأحداث”.
من جانبه رأى المحلل الاقتصادي عثمان الخويطر، والذي شغل منصب نائب رئيس شركة “آرامكو السعودية” سابقاً أن الأجدى هو منح الأمهات العاملات إجازة الوضع والتي حرمتها منها بعض المؤسسات قائلاً “هناك مؤسسات كثيرة ولها علاقة مباشرة بالحكومة لا تعطي الأم إجازة وضع، وهي أهم من حقوق الرجل في هذا المجال”.
وأكد الخويطر في تعليقه لـ “هافينغتون بوست عربي” على رفضه للمقترح شكلاً ومضموناً قائلاً “لا ضرورة لذلك؛ فالأمُّ عادة هي المسؤولة عن العناية بالطفل”.
مؤشرات سوق العمل
وتشير آخر إحصائيات قوة العمل في السعودية إلى بلوغ إجمالي عدد العاملين (15 سنة فأكثر) 11.484.656 مواطناً ومقيماً، يُمثل عدد الذكور منهم نسبة 86.2%، كما أظهرت النتائج أن عدد العاملين السعوديين بلغ 4.976.105 عاملاً، وقُدرت أعداد الذكور منهم 4.159.744 ذكراً أي ما يمثل نسبة 83.6% من إجمالي العمالة السعودية، وذلك بحسب المسح الذي أجرته الهيئة العامة للإحصاء للقوى العاملة لعام 2015.
بدورها سامية الفضلي الرئيس التنفيذي لمجموعة “الألف والباء التجارية” أعربت عن استيائها من القرار في ظل مؤشرات سوق العمل التي تشير إلى أن غالبية القوى العاملة تُشكل من الذكور قائلة “المقترح غير صائب، وليس هناك أي وجه حق في منح الأب هذا القدر من الإجازة، فإذا كانت الأم في إجازة أمومة، والأب في إجازة أبوة فمن سيعمل إذاً!”.
وأضافت الفضلي لـ “هافينغتون بوست عربي” إن “القرار إذا طبق سيكون له عواقب وخيمة اقتصادياً، بالإضافة إلى أن القطاع الخاص سيرفضه بشكلٍ قاطع”.
وشاطر الكاتب الصحفي عبدالله مُقحم المقحم الآراء السابقة في رفضه للمقترح مؤكداً لـ “هافينغتون بوست عربي” بأن “المقترح غير عملي وغير هادف وإجازة الوضع يفترض أن لا تتجاوز ٦ أسابيع كحد أقصى كما هو متعارف عليه عالمياً، وذلك للنساء فما بالك بالرجال، أما ما يحدث في المملكة سواء بالقطاع الخاص أو بالقطاع العام فلا يعدو كونه عبثاً واستهتاراً بالعمل، ولن يكون دافعاً للقطاع الخاص لتشغيل النساء فالقطاع الخاص يبحث عن الإنتاجية والربح من الموظف”.
مردفاً “وسوف يفتح مثل هذا المقترح إذا طبق الباب على مصراعيه للتلاعب والاستهتار بالعمل بالقطاع الخاص الذي يعتبر أكثر إنتاجية وانضباطاً نسبياً من القطاع العام، كما إننا بحاجة لتفعيل الاحترام والإنتاج والانضباط في العمل، وليس البحث عن أعذار واهية لمزيدٍ من الغياب والتسيّب”.
يذكر أنه بحسب قانون العمل السعودي المعدل فإنه يمنح الموظف 3 أيام إجازة مدفوعة الأجر في حالة ولادة مولود له، وتمنح الموظفة شهرين إجازة مدفوعة الأجر، وشهراً آخر غير مدفوع الأجر في حال رغبتها في تمديد الإجازة.
أعداد المواليد متزايدة
ويبلغ معدل المواليد بالنسبة لكل 1000 نسمة في السعودية 18.78%. وتحتل السعودية بهذه النسبة المركز 96 في الجدول قبل دول أكثر كثافة سكانية كالبرازيل وأندونيسيا والصين، وذلك بحسب كتاب حقائق العالم (The World Factbook) نسخة 2014، والذي تصدره وكالة المخابرات الأميركية.
واستبعد فهد الرويلي الأخصائي الاجتماعي في مستشفى الملك فهد في تبوك أن يعزز منح إجازة أبوة للموظفين من الترابط الأسري قائلاً “الأب يستطيع مساعدة الأسرة في أوقات فراغه الطويلة بعد عودته من العمل، ولكن المجتمع السعودي يعاني من عدم القدرة على حسن إدارة الوقت، كذلك فإن الأب ليس هو المسئول الرئيس عن رعاية الرضيع، وسيكون لديه الوقت الكافي بعد عودته من عمله لتوفير احتياجات الأسرة ومستلزماتها” بحسب ما أورد لـ “هافينغتون بوست عربي”.
في حين أوضح الأخصائي الاجتماعي عليان العطوي الجانب الإيجابي المأمول من تنفيذ القرار أنه “في حالة اعتماده سيؤدي بالفعل إلى تقوية أواصر الترابط والتواصل الأسري، وسيشجع الأب على مساعدة الأم في استقبال المولود الجديد، وتهيئة الأجواء المناسبة له، خاصة وأن الأم تكون غير قادرة على القيام بأعباء المنزل كاملة مع حالتها الصحية الضعيفة بعد الولادة مباشرة، وهو ما قد يساهم فيه الرجل في حال تفرغه الكامل”.
هافينغتون بوست عربي