بقلم: شمس الدين النقاز – تونس
قرأت حوار رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي مع صحيفة الوسط البحرينية الصادر في عددها اليوم الجمعة 29 يناير الجاري، وآلمني كثيرا ما رأيته وما قرأته.
فقبل كلّ شيء نهنّئ رؤساء تحرير الصحف البحرينية المحلّيّة اللّذين كرّمتهم حكومتهم وسمحت لهم بلقاء الرئيس التونسي في مؤتمر صحافي جمعهم به خصّيصا بمقر إقامته في القضيبية الخميس.
تهنئة رؤساء التحرير ليس مردّها شرف لقاء رئيس الجمهورية التونسية والتحدّث له براحته فقط، وإنّما مردّه غياب هذه البادرة في تونس، فلا رؤساء التحرير يقابلون الزّعماء العرب والغربيين أثناء زياراتهم المتكرّرة لها ولا الدّولة التونسية تنظّم لهم لقاءات مثلما حدث في البحرين.
كذلك نهنّئهم بعد أن سمح الرئيس التونسي لنفسه للمرة الثانية على التوالي في ظرف أسبوع بلمز زملائهم التونسيين بعد أن قال “نحن نشكو من انفلاتات صحفية وسياسية..هناك من يضخم الأمور” وكأنّ “قائد السبسي” نسي أنّ معظم وسائل الإعلام التونسية التي يتحدّث عنها، ظلّت تسبّح بحمده وتستغفر له طيلة أشهر طويلة قبل الإنتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة، وهو ما سمح له بأن يصل وحزبه إلى سدّة الحكم.
نحن نوافقك يا معالي الرئيس فوسائل الإعلام التونسية تضخّم ما هو صغير وتعظّم ما هو حقير ولكنّها في تناولها لموضوع أزمة نداء تونس لم تتحرّك ولم تقم بتغطية التطوّرات التي شهدها الحزب إلّا بعد أن وصلت رائحة المشاكل الدّاخلية في النداء إلى جهات دوليّة صديقة سبق وأن قلت إنّها اتّصلت بك وقالت لك نرجو منك أن تتدخّل وتحلّ الأزمة بمعرفتك، وهو ما سارعت إليه وألقيت خطابا بمناسبة ذلك في انتهاك صارخ للدستور وفق قول خبراء القانون الدستوري في البلاد.
من المؤسف جدّا أيضا يا معالي الرئيس أنّك سرعان ما أعلنت عن غضبك من تغطية وسائل الإعلام التونسية لبعض الأحداث الّتي تشهدها البلاد بين الفينة والأخرى، على غرار أزمة الحزب الّذي “أسّسته” والإحتجاجات الّتي شهدتها مختلف المحافظات التونسية في الفترة الأخيرة، في حين لم نسمع لك صوتا عندما تمّ الإعتداء على أكثر من 30 صحفيّا تونسيّا في التفجير الإرهابي الّذي استهدف حافلة الأمن الرئاسي بشارع محمد الخامس في شهر نوفمبر الماضي.
يا معالي الرئيس، زارنا عشرات الزعماء من العرب والعجم بعد 14 من يناير، ولم نسمع منهم من نشر غسيل شعبه وشركائه في الحكم والمعارضين له أيضا، مثلما فعلت أنت في لقائك الصحفي مع رؤساء التحرير البحرينيين، فلم تترك إسلاميا ولا علمانيا ولا يساريا إلا وأشرت له.
يا رئيس الجمهورية التونسية، لك الحقّ أن تدافع عن نفسك وعن ابنك بعد أن ألصق بك خصومك تهمة التوريث ولن نناقشك في قولك “فكيف تتصورون أننا سندخل في نظام التوريث مع وجود نظام ديمقراطي، فلا يوجد حجر على أي شخص أن يعمل في السياسة ولا يمكن تصور أنه يعمل تحت غطاء والده الذي غادر الحزب بعد أن تم انتخابه رئيسا لكل التونسيين…”، ولكن من حقّنا أن نتساءل لماذا بعد أن برّأت نفسك وابنك، قمت بمهاجمة حركة النهضة والجبهة الشعبية على التوالي بل وقرنت التطرف الإسلامي بنظيره اليساري وادعيت أنه يفوقه.
هذا هو نصّ تصريحك حرفا “كنا نقاوم التطرف الإسلامي ونجحنا في ذلك لكن التطرف ليس خاصية قاصرة على الإسلاميين فقط، فهناك أيضا يسار متطرف وهو أشرس من نظيره الإسلامي ونحن كذلك نقاومه”، فهل من الديمقراطية يا حضرة الرئيس أن تتّهم خصومك في المعارضة من اليساريين بأنهم متطرّفون؟
كنّا نتمنّى أنّكم اكتفيتم بمهاجمة الصحفيين والمعارضة وأنتم في سدنة الحكم داخل حدود الوطن لا خارجها، فتونس لا تحتاج لنشر غسيلها الداخلي في وسائل الإعلام الأجنبية والدول “الشقيقة” و”الصديقة” بقدر ما هي محتاجة إلى أن يساعدها “أشقّاؤها” و”أصدقاؤها” ببعض الإستثمارات ومليارات الدولارات، لا أن تنتظر زعيمها الروحي الرئيس الفرنسي “فرانسوا هولاند” أن يمنّ عليها بمساعدة ماليّة قيمتها “مليار يورو” تتسلّمه تونس على 5 دفعات طلية 5 سنوات.
الأصدقاء الخليجيون يا معالي الرئيس “قائد السبسي” لم يثبت في يوم من الأيام أنهم ساندوا التجربة الديمقراطية الناشئة في تونس كما لم يؤرّخ لهم المؤرّخون التونسيون في يوم من الأيام قبل 14 يناير أيّ موقف يحسب لهم عندما كان بن علي يبطش بشعبه وبمعارضيه اللّذين هم جزء من التونسيين.
أمّا قولك إنّ الزعماء الخليجيين ” يشعرون بتحفظ بسبب الحكومات التي صعدت إلى سدّة الحكم في النظام المؤقت الّذي عاشته تونس” ليس على إطلاقه، وإنّما السبب الأوّل للشعور بهذا التحفظ هو خوف هؤلاء الأصدقاء من رياح الثورات ونسمات التغيير بالإضافة إلى اختيار الترويكا الحاكمة في تلك الفترة أن توطّد العلاقات الدبلوماسية مع قطر وتستغني عمن سواها وهو ما يعلمه القاصي والداني في تونس ما أغضب “الأشقّاء” الخليجيين.
والسّبب الثاني، يا معالي الرئيس ما رواه الصحفي التونسي سفيان بن فرحات بسند متّصل والعهدة على من روى أنّك قلت له أثناء لقاء خاصّ جمعكما إنّ “دولة الإمارات طلبت منك إعادة سيناريو مصر وإزاحة حركة النهضة التونسية للإيفاء بتعهداتها المالية لتونس إلا أنك رفضت ذلك وفضلت سياسة الحوار والتوافق لتفادي الحرب الأهلية بالبلاد وإراقة الدماء”، ممّ يدلّ بما لا يدع مجالا للشكّ أن كره الأصدقاء الخليجيين للإسلاميين اللّذين ما فتئوا يردّدون أنهم علمانيون سببه “إخوانيّتهم” لا ضعفهم الدبلوماسي كما هو مجمع عليه داخل أوساط أهل الإختصاص في البلاد.
يا حضرة الرئيس يبدو أنّك بدأت تعود إلى حقيقة ما قلته أيّاما قبل الإنتخابات الأخيرة وتحديدا يوم الخميس 16 أكتوبر 2014، لصحيفة الصباح نيوز بأنّ“النداء والنهضة عبارة عن خطّيْن متوازييْن لا يلتقيان إلا بإذن الله.. وإذا التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله”، والظاهر من تصريحاتك الأخيرة أنّنا في هذه المرحلة وإن حاول وزير الخارجية السابق رئيس بن عبد السلام أن ينكرها بمعيّة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي.
فالأوّل قال إنّ هناك ثقة متبادلة بينك وبين الغنوشي وأنك لا تنفكّ تردّد أنك لا تثق إلا بالغنوشي، بل ووصف الثقة والإنسجام بينكما بأنّ “هناك كيمياء خاصة بينكما”، في حين قال الثاني مؤخّرا في مؤتمر الوفاء الّذي نظمّه حزبك الّذي “أسّسته”، إنّ “تونس طائر يحلق بجناحين النهضة والنداء.”
لقد أعلنها “قائد السبسي” صراحة في البحرين للغنوشي ولصهره رفيق بن عبد السلام، أنّ التوافق لا يعني أنّنا لسنا “في خطين متوازيين” وأننا لسنا في “مرحلة لا حول ولا قوة إلا بالله”، وذلك عندما حمّل حركة النهضة مسؤولية ما يحدث في البلاد، فقد قال في حواره المذكور “إنّ المشهد السّياسي بعد الثورة أصبح غير متوازن وكان يسيطر عليه الإسلام السياسي وأنتم تعرفون ما معنى الإسلام السياسي الذي سير البلاد في فترة وتركها في وضع اقتصادي مزر أكثر من هش وكذلك الوضع الأمني، فالإرهاب الذي نعاني منه اليوم أصله التساهل من قبل السلطة في ذلك الوقت مع السلفيين وغيرهم ممن يستغلون الإسلام للصعود للسلطة وهو إسلام مغشوش.”
يبدو أن الرئيس التونسي نسي أنه وحزبه يحكمان تونس منذ سنة ولن نقول مثلما قال القيادي المنشق عن نداء تونس لزهر العكرمي في حواره السابق مع “وطن” إنّ “تونس تحكمها المافيا والعائلات”، وكان من الأجدر بمن يحكم ويقود البلاد أن يصلح ما “أفسده” الإسلام السياسي” خاصّة وأنه وعد ناخبيه ببرنامج ثريّ قادر على تحسين الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية لكلّ التونسيين في عامه الأوّل من الحكم.
رئيس الجمهورية التونسية، كان من الأفضل له أن لا ينجرّ إلى تقسيم التونسيين إلى “إسلام سياسي” و”إسلام متطرف” و”إسلام مغشوش” و”يساري متطرّف”، لأنّه رئيس كلّ التونسيين وفق ما أكّده بنفسه في أكثر من مرّة ووفق ما ذكّرنا به القيادي في حزب النهضة العجمي الوريمي اليوم الجمعة عندما قال لوكالة تونس إفرقيا للأنباء “نحن لا نعلق على تصريحات رئيس الجمهورية ولم نتعود علي ذلك في حركة النهضة فهو رئيس كل التونسيين ويحظي بدعمنا.”
لا نلوم الوريمي فلا زال غارقا رفقة قياديي حركة النهضة في “الكيمياء الخاصة بين الرجلين” ولا يزالون في الوقت نفسه يحاولون مساعدة الطائر ذو الجناحين الّذي أعلن عنه زعيمهم الغنوشي على الطيران، خاصة وأن الشعب التونسي يعرف جيدا أن هذا الطائر يشكو منذ أشهر إصابة بالغة في كلتا جناحيه، وهو ما منعه من التحليق مجددا وجعل كل جناح منه يغرّد خارج السرب مثلما يقول المثل التونسي “يغني وجناحو يردّ عليه.”
الآن من مصلحة تونس يا معالي الرئيس أن تحتضن أبناءها وتبحث لهم عن حلول وعن توافق حقيقي، قبل أن يكون من مصلحتها عودة العلاقات الطبيعية بينها وبين بلدان الخليج اللّذين يعانون بدورهم من أزمات اقتصاديّة خانقة بسبب الإحتقان الّذي تشهده، وبسبب انخفاض أسعار النفط والعجز الضخم في موازنات العام 2015.
كذلك فإن نجدّد القول إنّ علاقاتنا مع كل من قطر والإمارات ليست طيبة و ليست على ما يرام، فالأولى تشتكي من الحملة الكبيرة عليها من قبل وسائل الإعلام والمعارضة في تونس لاتهامها بالوقوف وراء الإرهاب، والثانية لا يخفى على القاسي والداني أن علاقاتنا معها تكاد تكون مقطوعة منذ رفضت أن تزيد نقطة في حرف الباء من لقبك وتصبح سيسيّا لا سبسيّا.
وأما قولك “نحن بصدد إرجاع العلاقات إلى أصلها وأعتقد أن الجميع الآن يبارك ما حدث في تونس” فليس هو الآخر على إطلاقه، لأن ما حدث في تونس أصبح لعنة على المنطقة كما يقول البعض، ولو كان الأمر كما قلت لوقف “الأصدقاء” و”الأشقاء” معنا في محننا الّتي نمرّ بها منذ 5 سنوات ونحمد الله على عدم تفاقمها أكثر فأكثر.
ولا أفوّت الفرصة في هذا المقال يا معالي الرئيس إلّا أن أسوق لك ملاحظة مفادها أنّني بحثت في كلّ كتب ابن خلدون ولم أعثر على هذه المقولة الّتي نسبتها إليه والّتي قلت فيها نصّا إنّ”ابن خلدون المنظر العربي الأهم، التونسي المولد والمصري المدفن، كان يقول إن هؤلاء من البشر يصعدون لسدة الحكم ولا ينزلون إلا بسفك الدماء.”، فأرجو من مستشاريك أن يراجعوا مصنّفات ابن خلدون وأن يوثّقوا هذه المقولة في خطاباتك وأقواله المؤرشفة.
وفي الأخير يا حضرة الرئيس يمكننا القول، يبدو أنّك ذبحت طائر النهضة والنداء ذو الجناحين أثناء جولتك الخليجية ويبدو أنّك وزّعت لحمه الطريّ على رؤساء التحرير البحرينيين اللّذين فتحت لهم مقرّ إقامتك وبحت لهم بما تعتقد في حوارك الصّريح الّذي أثبت بما لا يدع مجالا للشّكّ صحّة الرواية التي تقول “إن طائر النهضة والنداء طائر مغشوش” وليس في الإسلام أصلي ومغشوش.