نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية مقالا للكاتب ديفيد اغناتيوس حول تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” مستبعدا أن يجري هزيمة هذا التنظيم في الفترة القريبة قائلاً ” لدى إمعاننا النظر في المشهد الراهن يتضح وجود انفصال مخيف بين التحذيرات الصادرة عن قيادات عسكرية بخصوص الحرب ضد تنظيم داعش والمجادلات البليغة الصادرة عن السياسيين من أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي “.
ويضيف الكاتب في مقاله ” من ناحيتهم، يصدر السياسيون تصريحات نارية حول هزيمة الإرهابيين، لكنهم لا يتحدثون كثيرًا عن حجم التكاليف أو التضحيات اللازمة لتحقيق ذلك. في المقابل، يدرك الجنرالات الذين يعايشون الحرب منذ 15 عامًا، أن النصر لن يأتي سهلاً، وأن إلحاق الهزيمة بهذا العدد يتطلب التزامًا من جانب الولايات المتحدة أكبر وأطول أمدًا بكثير عما يبدي السياسيون البارزون استعدادًا لتقديمه.
وقد جاءت زيارتي الأسبوع الماضي لمقر رئاسة القيادة المركزية، في إطار مؤتمر نظمه مركز التحليلات البحرية، الذي يقدم أبحاثًا إلى القوات البحرية وغيرها. ورغم أن قواعد تنظيم المؤتمر تمنعني من الكشف عن أسماء المتحدثين، لكن يمكنني طرح موجز لما سمعته، وهو ليس بالأمر المثير للتفاؤل.
تدرك قيادات عسكرية أنها تخوض حربًا لا هوادة فيها أمام خصم عتيد لجأ لتوه لتعديل أساليبه وتكتيكاته مع انضمام واشنطن وشركائها للقتال على امتداد الشهور الـ18 الماضية.
والملاحظ أن مقاتلي التنظيم خسروا قرابة 25 في المائة من الأراضي التي كانوا مسيطرين عليها في منتصف عام 2014، إلا أنهم تمكنوا في الوقت ذاته من ابتكار سبل لتعويض نقاط القصور لديهم.
من بين الأمثلة التي تكشف الروح النشطة لقيادات “داعش” استخدامها لأنفاق ووسائل إخفاء أخرى للتعتيم على تحركاتها، بجانب تطويرها عبوات ناسفة لزرعها بالسيارات، ووضعها المتفجرات في سيارات “بلدوزر” وإرسالها في موجات نحو الأهداف المطلوب تدميرها.
إضافة لذلك، نشرت طائرات صغيرة من دون طيار، وجهزت طائرات من دون طيار مسلحة. كما إنها استخدمت أسلحة كيماوية، داخل ميادين القتال.
لقد أدرك القادة العسكريون الأميركيون مدى صعوبة بناء قوة سنية قادرة على المعاونة في تطهير والسيطرة على أراضي داخل العراق وسوريا تخضع حاليًا لسيطرة “داعش”، خاصة في ظل مشاعر الريبة وعدم الثقة الكامنة بنفوس قيادات قبلية سنية تجاه الولايات المتحدة.
من بين التجارب التي خرج منها العسكريون برنامج “التدريب والتجهيز” الذي بلغت تكلفته 500 مليون جنيه إسترليني، ورمى إلى بناء قوة معارضة سورية بإمكانها المساعدة في مهاجمة “داعش”.
ومن بين الدروس التي حملتها هذه التجربة، صعوبة إيجاد وتدريب مقاتلين ناضجين، وأن بيئة القتال داخل سوريا متحولة باستمرار وغير مستقرة.
أما الدرس الأكثر عمقًا فيكمن في أن مسألة تدريب قوة عسكرية جديرة بالاعتماد عليها وملتزمة بالقواعد والمعايير الغربية، أمر يتطلب جيلاً كاملاً، وليس بضعة شهور. ويتمثل الدرس الرئيس من وراء هذا الصراع، والذي يبدو السياسيون والرأي العام الأميركي أنهم غير مستعدين لمواجهته، في أنه يتطلب التزاما على امتداد عقود.
وتكمن المفارقة في أن تصميم واشنطن على حماية جنودها قد يؤتي بنتائج عكس المرجوة، ذلك أن الحلفاء والخصوم يرون أن القوات الأميركية تعيش داخل مجمعات سكنية آمنة.
المؤكد أن العيش والقتال فعليًا إلى جانب شركائنا في العراق وسوريا سينطوي على أخطار أكبر بكثير، لكنه يبقى السبيل الوحيد نحو بناء تحالف متماسك بإمكانه القضاء يومًا على المتطرفين.
من جهته، تعهد الرئيس أوباما بأن “الأولوية الأولى ستكون حماية الشعب الأميركي واقتفاء أثر الشبكات الإرهابية”، ثم أضاف في غضون بضع دقائق أن هذه الشبكات “لا تهدد وجودنا الوطني”. ويبعث هذا القول برسالة مختلطة.
أما حديث أعضاء الحزب الجمهوري عن “داعش” فأسوأ، ذلك أنهم يطلقون الوعود بالانتصار دون التلميح لأي صورة من صور التضحية. وبذلك يتضح أن الرئيس القادم سيرث حربًا آخذة في الاتساع ضد عدو إرهابي عالمي، في وقت لم يبدأ فيه نقاش حقيقي حول السبيل الأمثل لدحر هذا العدو.