كشف إمام وخطيب، كان قد عزله وزير الشؤون الدينية السابق في تونس عثمان بطيخ، عن تضييق وتهديدات تعرض لها قبل أن يختار مغادرة تونس، قائلاً “بعد أن وجدت نفسي بين خيارين: الوطن أو الدعوة إلى الله”، وفق تعبيره.
وكتب الخطيب السابق للجامع الكبير بمدينة مساكن، التابعة لمحافظة سوسة، الشيخ البشير بن حسن، أنّه قرّر مغادرة البلاد بعد أن رأى أن “الوضع قد ساء والدكتاتورية والقمع عادا من جديد (…) قبل أن أخرج من تونس التي ضيقوا فيها علي وعلى أولادي بشكل غريب وعجيب”، وفق ما جاء في منشور له عبر صفحته على “فيسبوك”.
وتابع: “بعد إعلامي بقرار العزل وتسليمي إياه يوم النصف من شهر رمضان الماضي، أذعنت للقانون ولم أخرقه رغم ضغط الشارع في مدينة مساكن (…) وآثرت البقاء بعيدا عن المسجد، في بيتي خارج المدينة”.
الداخلية و”النداء” على الخط
وقال الشيخ بن حسن إنه تفاجأ بزيارة مسؤول كبير في حزب نداء تونس الحاكم، مع مجموعة أخرى،”مساندة لي وتعاطفا كما بدا منه ذلك”، مضيفا: “والأغرب من ذلك أن شخصا آخر من الحزب نفسه اتصل بي يخبرني أن الأمين العام (يقصد محسن مرزوق) وقيادي يريدان مقابلتي أيضا”.
وأضاف: “في بيت غير بيتي، وفي اليوم نفسه مع صلاة العصر، اتصل بي مسؤول من وزارة الداخلية يطلب مني ألا أصلي لا إماما ولا مأموما خاصة في الجامع الكبير بمساكن”.
وأشار الشيخ بن حسن إلى أنه سأل المسؤول الأمني عن سبب منعه من الصلاة في الجامع الكبير، فكان جوابه: “حتى لا تستعطف الناس”، متابعا بقوله: “سألته: أين أصلي إذن؟ فأجاب: تحت الهندي (التين الشوكي) وها نحن ننبهك”.
بين خيارين
ولفت بن حسن إلى أن مسؤولا من نداء تونس حمله “مسؤولية خروج أي مظاهرة أخرى في مساكن، وربما سيضطر الأمن إلى إطلاق النار”، معقبا بقوله: “رغم أنني ما نظمت مظاهرة ولا دعوت إليها أصلا”.
وقال: “لما رأيت أن الوضع قد ساء إلى هذه الحال المزرية وأن الدكتاتورية والقمع عادا من جديد، فإنني وجدت نفسي بين خيارين: الوطن أو الدعوة إلى الله، فآثرت الثانية لأنه امتحان صعب أن يجد الداعية نفسه بين وطنه ومسقط رأسه، وبين السير في بلاد الله عز وجل للدعوة إليه والدلالة عليه”، لافتا إلى أنه اضطر لمغادرة تونس.
لم يتقاض راتبا
وقال الشيخ بن حسن إنه لم يتقاض راتبا من وزارة الشؤون الدينية، طيلة أربع سنوات، “ولا لهثت خلف منصب ولا مكانة غير الحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة للتوحيد والسنة النبوية المطهرة (…) وكثيرون هم المغفلون الذين سوقوا لي أنني أدعو إلى ما يسمونه الوهابية”، وفق تعبيره.
وختم بأن أبناءه فارقوا مدارسهم في تونس، وحرموا منها “بسبب التضييق والاستفزاز المستمر من بعض الأساتذة اليساريين الشيوعيين في المعهد الذي كانوا يدرسون به”، على حدّ وصفه.
خطابات تكفير وتحريض
وفي المقابل، قال مصدر من وزارة الشؤون الدينية، طلب عدم ذكر اسمه، في تصريح مقتضب لـ”عربي21″، إن عزل الشيخ البشير بن حسن، بداية شهر تموز/ يوليو الماضي، كان “بسبب خطاباته التكفيرية والتحريضية”، بحسب قوله.
وأشار إلى أن القرار جاء عقب الهجوم المسلح الذي استهدف فندق “أمبريال” بمحافظة سوسة في حزيران/ يونيو من العام الماضي.
لكن الشيخ بن حسن علق على قرار عزله، في تصريح إعلامي في ذلك الوقت، بأنه لم يفاجئه، لافتا إلى أنه تعرض إلى “قصف إعلامي عشوائي على مدى الأشهر الماضية، فلا تمر مناسبة دون تشويهي والتحريض علي بتهم مجانية وملفقة”، وفق تعبيره.
الوزارة كانت تنتظر الفرصة
ورأى أن السلط المسؤولة، في إشارة إلى وزارة الشؤون الدينية، كانت تنتظر فرصة تفعيل قرار عزله إلى أن وقع هجوم سوسة ففعلت القرار، مؤكدا أنه كان دائما مثالا للخطاب المعتدل، وأن التنظيمات الإرهابية كفرته، كما قال.
ودعا المتعاطفين معه إلى “الالتزام بالسلمية والتعقل وعدم الانجرار خلف الاستفزازات أو غير ذلك من النوايا السيئة”.
وكان المكلف بمهمة لدى وزير الشؤون الدينية سليم بن الشيخ أشار سابقا في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء؛ إلى أن الشيخ بن حسن يمكنه العودة إلى الإمامة بعد تسوية وضعه، مضيفا: “يمكنه التقدم بملف إلى لجنة اختبار مخصصة للغرض قصد الخضوع إلى اختبار”.
ثلاثة آلاف محاضرة
ودرس الشيخ بن حسن بمعهد “أم القرى” بمكة المكرمة، وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية، وشهادة تكوين الدعاة من المركز الإسلامي والثقافي ببلجيكا، كما تلقى العلوم على عدد من الشيوخ السعوديين، مثل ابن عثيمين وصالح بن حميد. وله أكثر من ألف تسجيل في المتون، وأكثر من ثلاثة آلاف محاضرة.
وقرر الوزير السابق عثمان بطيخ عزل عدد من الأئمة والخطباء، على غرار وزير الشؤون الدينية الأسبق وإمام جامع الفتح بالعاصمة، نور الدين الخادمي، وإمام جامع اللخمي بمحافظة صفاقس، رضا الجوادي.. وغيرهما، إضافة إلى غلق عدد من الجوامع بحجة خروجها عن السيطرة.