“خاص- وطن”- شمس الدين النقاز- قبل ثلاثة أشهر كتبت مقالا بعنوان “لهذه الأسباب لا يمكن للإخوان أن يصبحوا دواعش” حاولت فيه أن أرصد الفوارق الجوهرية بين حركة الإخوان المسلمين وتنظيم الدولة الإسلامية بعد أن ظهرت دعوات ومقالات كثيرة من قبل عدد كبير من الكتاب حاولوا فيه الربط بين الجماعتين واتهام الإخوان المسلمين بالإرهاب والتطرف دون أدلّة دامغة.
وقبل أيام وتحديدا الخميس، أصدرت الحكومة البريطانية تقريرا حول نشاطات حركة الإخوان المسلمين خلصت فيه إلى أنه لا ينبغي تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية ولا ينبغي حظرها لكن وفي مقابل ذلك فإن ّعضوية الحركة أو الإرتباط بها يجب أن يعد مؤشرا ممكنا للتطرف.
رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون قال إنّ التقرير خلص إلى أن بعض أقسام حركة الإخوان المسلمين لهم علاقة ملتبسة جدا بالتشدد الذي يقود إلى العنف، وهو ما يعني أن حكومته ستكثف مراقبتها بشأن آراء وأنشطة أعضاء الإخوان المسلمين، في حين يبقى قرار حظر الجماعة من عدمه في بريطانيا قيد المراجعة كما ستقوم الحكومة بالتدقيق والفحص في أفكار الجماعة وأعضائها كما أنها ستمتنع عن إصدار تأشيرات السفر لأعضائها اللّذين يدلون بتصريحات متطرفة.
تصريحات كاميرون جاءت لتأكّد بما لا يدع مجالا للشك أن ضغوطات كبيرة سلطت على الحكومة البريطانية من قبل دول عربية عدّة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر من أجل الوصول إلى نتيجة مفادها ارتباط الإخوان المسلمين بالإرهاب خاصّة وأن التقرير حول وضع جماعة الإخوان المسلمين وأنشطتها في المملكة المتحدة أنجز خلال الصيف، إلا أنه لم ينشر، وقد اتُّهم الوزراء في بريطانيا وقتها بالتكتم على التقرير لتجنب “إثارة إزعاج حلفاء مهمين في الشرق الأوسط”.
التقرير المتكون من 11 صفحة لم يحمل أي جديد لمن خبر القوم وعرفهم وفقه سياساتهم خاصة في بلدان المهجر وهو ما يدفعنا إلى الجزم بأن التقرير سياسي بدرجة أولى بل إن المطلع على تاريخ الإسلام السياسي وخاصة في المهجر لم يفاجئ بما حوته صفحات التقرير 11 وهو ما دفع صحيفة “إيكونوميست” البريطانية إلى القول إنه إذا وجدت “معلومات جديدة صادمة، فلا بد أنها في أجزاء التقرير التي بقيت سرية ولم تنشر”.
يمكننا القول إن قوى الضغط في بريطانيا لعبت دورا كبيرا في صياغة هذا التقرير الّذي ربّما تقف وراء استنتاجاته وعود بمليارات الدولارات وصفقات واستثمارات جديدة في بريطانيا وفي الخليج من قبل الإمارات والسعودية، خاصّة وأنّ جريدة “ميل أون صنداي” البريطانية كانت قد نشرت الأحد 18 أكتوبر الماضي تقريرا مطولا كشفت فيه عن تعاقد دولة الإمارات العربية مع شركات للعلاقات العامة، بهدف التأثير على السياسيين والرأي العام البريطاني، من خلال إيصال معلومات لصحفيين بريطانيين ليقوموا بدورهم بنشر مقالات في صحف بريطانية تسعى إلى تشويه دولة قطر وجماعة الإخوان المسلمين وربطهما بالإرهاب.
التقرير البريطاني الأخير كان براغماتيا بدرجة أولى حيث أخذ بعين الإعتبار في نفس الوقت ضغوط أخرى من قطر وتركيا وهو ما دفع صحيفة “فاينانشيال تايمز” إلى القول إن تقرير الحكومة البريطانية عن الإخوان “راعى الحساسيات السياسية”، موضحة أن الحكومة البريطانية تعلم أنه لو كان التقرير شديد القسوة على الإخوان، فإن هذا من شأنه أن يُزعج حلفاء مهمين يدعمون الجماعة.
المتحدث باسم الحكومة البريطانية إدوين سمويل أدلى بدلوه في التناقض العجيب بين الموجود والمنشود حيث قال إن التقرير “لم يسفر عن أي تغيير في السياسة تجاه الإخوان” ولا نعلم كيف لم ولن يسفر هذا التقرير عن أي تغيير في حين أنّ صحيفة “ميرور” قالت ” إن خبراء مكافحة الإرهاب يشنون حملة جديدة على الإخوان، بعد تحذير كاميرون من أن الجماعة طريق لمرور بعض الإرهابيين .. وهذا يعني تحليل ما يكتبونه باللغتين العربية والإنجليزية، كما ستقرر الحكومة ما إذا كانت ستتخذ إجراء لوقف التواصل مع الإخوان، بما فى ذلك وقف أي شئ من شأنه أن يمنح المتطرفين شرعية أو منصة لهم.”
إن محاولة فهم تصريحات المسؤولين البريطانيين هذه المدّة تبدو صعبة جدّا خاصّة مع تسارع الأحداث وتناقض الأقوال مع الأفعال، فقد جاء في خطاب رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون أمام مجلس العموم، الخميس أن التقرير “أطلع الحكومة البريطانية على أشياء لم نكن نعرفها بشأن جماعة الإخوان المسلمين.. إن التنظيم العالمي منظمة غير شفافة، تعتمد السرية منهج عمل، وإيديولوجيتها وشبكتها ممرّ عبر من خلاله أفراد ومجموعات شاركوا في أعمال عنف” ولا نعلم كيف أنّ دولة مثل بريطانيا قد ملأت مراكز الأبحاث شوارعها وجامعاتها لم تكن تعلم هذه النتائج قبل هذا التقرير العجيب.
إنّ عمليّة سبر تاريخ الإخوان المسلمين في بريطانيا وفي الدّول العربيّة توصلنا إلى نسف رواية كاميرون حيث لم يثبت على الإخوان التحريض بقدر ما ثبت عنهم الدعوة إلى التهدئة وارتماء أكثر قيادييهم في أحضان المخابرات البريطانية في بريطانيا والسجون في الدول العربية دون أن يردوا الفعل خاصة في العقدين الأخيرين في كلّ من تونس ومصر.
التقرير البريطاني الأخير سياسي أكثر منه علمي أكاديمي والحكومة البريطانية التي استقبلت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المدان بارتكاب أبشع جرائم القرن 21 بدأت بخدمة بعض الأجندات الخارجية لمحاربة الإخوان المسلمين الذين تم تدجين أكثرهم على أيدي مخابراتها وتمّ تعذيب وتشريد عشرات الآلاف منهم في السجون العربية وعلى رأسها كلّ من مصر وتونس لكن ورغم الجهد الكبير الذي قدمه أعضاء كبار في حركة الإخوان المسلمين من اللاجئين في بريطانيا من محاربة “الإرهاب” والتطرف إلّا أنهم لم يقدروا على صدّ الضغوطات الخليجية والمصرية الكبيرة على رئيس وزراء “أكثر الدول ديمقراطية” في العالم.
وسائل الإعلام المصرية والخليجية خصوصا والعربية عموما رحبت بهذا التقرير الذي اعتبرته ضربة بريطانية للجماعة لأن الإخوان المسلمين والإرهاب وجهان لعملة واحدة واعتبروه أيضا هزيمة للجماعة “الإرهابية” في العاصمة البريطانية.
الصحف المصرية احتفلت بهذا التقرير ووصفته بالعلمي والشفاف والأكاديمي لأنه جاء منقذا للجنرال عبد الفتاح السيسي قائد الإنقلاب الناعم عند النظام الدولي، حيث رحّبت صحيفة الأهرام المصرية في افتتاحيتها الجمعة بربط جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب لأنه جاء بعد أبحاث ومشاورات وحوارات واسعة النطاق مع ممثلين عن الجماعة في بريطانيا، لتستنتج بعد ذلك الأهرام أنّه بفضل هذه الأبحاث والمشاورات لا يمكن لأحد أن يشكك في موضوعية وحيادية وواقعية هذه الإستخلاصات”.
أمّا الإخوان فقد ظلّوا وفيّين لعاداتهم ومحسنين الظّن بمن هبّ ودبّ حيث أنّهم تعاملوا بكل أريحية وشفافية مع المراجعة التي أمرت بها الحكومة البريطانية ولكن في المقابل لم يتمّ التعامل معها بنفس الأسلوب وفق ما قاله مكتب المحاماة “آي تي إن” المكلف من قبل جماعة الإخوان المسلمين والّذي أعرب أيضا عن قلقة إزاء ما قد يحتويه التقرير من أخطاء أو سوء فهم، خاصة بعد العلم بضلوع حكومات معادية للإخوان بممارسة ضغوط للتأثير على المراجعة في ظل عدم منح الجماعة فرصة الرد على التقرير أو التعليق عليه.
الإخوان المسلمون لم يقدروا على مقاومة النفوذ الإماراتي في بريطانيا حيث نشرت صحيفة “الغارديان” السنة الماضية سلسلة تقارير تفيد بأن قرار الحكومة البريطانية بإجراء المراجعة بشأن جماعة الإخوان المسلمين، كان في الواقع قد اتخذ تحت تأثير ضغوط مارستها حكومات أجنبية تعادي التوجه الديمقراطي في الشرق الأوسط على رأسها الإمارات التي كانت “تلوح بالراية الحمراء” احتجاجا على عدم المبالاة التي تظهرها المملكة المتحدة تجاه جماعة الإخوان المسلمين وهو ما دفع دولة الإمارات العربية المتحدة وفق الغارديان إلى عرض إبرام صفقات مغرية في مجال السلاح والنفط من شأنها أن تعود بمليارات الجنيهات على الشركة البريطانية لتقنيات الطيران والفضاء (بي إيه إي) وأن تسمح لشركة النفط البريطانية (بي بيه) بالمنافسة على التنقيب على النفط في منطقة الخليج.
حركة الإخوان المسلمين وقياديوها في عزلة الآن، فهم إما مهجّرون ومنفيّون في بريطانيا وتركيا وأوروبا وقطر وإمّا مطاردون ومسجونون في السعودية ومصر والإمارات ولعلّ ما حدث لهم من مجازر وتنكيل بعائلاتهم وبالمتعاطفين معهم في مصر في عهد الجنرال السيسي وعدم ردّهم للفعل صكّ براءة لهم من تهمة الإرهاب والتّطرّف.
في الأخير لا يمكننا القول إلّا “الرّحمة عليك أيّتها الديمقراطية” فقد أصبح العالم اليوم محكوما بقانون الغاب وبالمال ومن يدفع أكثر يكسب أكثر حتّى وإن كان المكسب متعارضا مع حقوق الإنسان الّتي صدّعوا رؤوسنا بالدعوة إلى احترامها.