نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني مقالا للكاتب عزام تميمي، الأكاديمي البريطاني الفلسطيني، رئيس قناة “الحوار” للتعليق على “مراجعة” الإخوان المسلمين، التي أصدرت الحكومة البريطانية نتائجها بعد طول انتظار.
وقال تميمي إن موقف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون العدائي والمنافق تجاه جماعة الإخوان المسلمين لا يمكن تفسيره سوى أنه خضوع لضغوط وابتزاز أنظمة خليجية مستبدة وغنية بالنفط منها دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأضاف تميمي ان مؤسسات الدولة البريطانية اعتبرت الإخوان قوة معتدلة في مواجهة الاتجاهات المتطرفة والعنيفة داخل وخارج بريطانيا، بل وإشراكها أيضا على مختلف المستويات.
وأشار إلى أن حكومة كاميرون واصلت الجهود المبذولة في هذا الصدد من قبل حكومة حزب العمال السابقة، والتي شهدت مشاركة أعضاء قياديين بجماعة الإخوان المسلمين بالمملكة المتحدة في مشاورات ومشاريع مشتركة. وكان واحدا من النجاحات المبكرة إنقاذ مسجد فينسبري بارك الذي اختطف سابقا من المجتمع المسلم المحلي من قبل أتباع رجل الدين الراديكالي المتطرف أبو حمزة. واستمر هذا التعاون رغم الخلاف مع إدارة توني بلير حول الحرب على العراق.
وتابع الكاتب: عندما وقعت هجمات 7 يوليو 2005 في لندن، شجب قادة بارزون للمجتمع الإسلامي، كانوا على صلة بجماعة الإخوان المسلمين، الهجمات علنا، ليس ذلك فحسب، بل حثوا أفراد المجتمع الإسلامي على التعاون مع الأجهزة الأمنية في جهودها الرامية لمنع تكرار مثل هذه الأعمال الوحشية، بما في ذلك الإبلاغ عن المشتبه بهم حتى لو كانوا أقاربهم.
وأشار إلى أنه عندما تم اختطاف الصحفي البريطاني آلان جونستون في قطاع غزة من قبل مجموعة متطرفة تدعي الانتماء إلى تنظيم القاعدة، أطلقت قناة “الحوار” الفضائية حملة من أجل إطلاق سراحه، وساعد عضو إسلامي قيادي بالمجتمع الفلسطيني ببريطانيا في تنسيق الجهود البريطانية مع “حماس” في غزة لتأمين إطلاق سراحه وعودته سالما إلى المملكة المتحدة.
وأضاف: على الرغم من أن حكومة بلير استسلمت للضغوط الإسرائيلية والأمريكية وقادت التحرك الأوروبي لتسمية “حماس” منظمة إرهابية، واصلت الحكومة البريطانية بشكل غير رسمي، مثل العديد من الحكومات الأخرى في الاتحاد الأوروبي، إظهار اهتمام في المشاركة غير المباشر مع الحركة، خاصة منذ أن فازت بالانتخابات التي جرت في غزة والضفة الغربية في يناير عام 2006.
ومع هبوب نسيم الربيع العربي من تونس إلى مصر، أظهرت إدارة كاميرون مزيد من الاهتمام، وسعت لمزيد من الانخراط مع حركة الإخوان المسلمين العالمية التي بدت متجهة لقيادة التغيير في كثير من أنحاء العالم العربي.
ولفت الكاتب إلى أن مسئولي الحكومة، مثل بقية صناع السياسة في الغرب، بدوا مستسلمين بحقيقة أن العالم العربي كان على وشك تحول تاريخي كبير تقوده على الأرجح جماعة الإخوان المسلمين، أكبر حركة إسلامية عالمية والتي أطلقت حملة من أجل التغيير السلمي وتبنت الاعتقاد بأن القيم والممارسات الديمقراطية كانت متوافقة تماما مع الإسلام.
وطوال عامي 2011 و 2012، بينما كان الربيع العربي يطيح بدكتاتور تلو الآخر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عقدت حكومة كاميرون سلسلة من الاجتماعات مع كبار أعضاء جماعات الإخوان المسلمين من المنطقة ومن داخل بريطانيا لمناقشة آفاق المستقبل.
وبعد فترة وجيزة من انتخاب الشعب المصري لمحمد مرسي رئيسا للبلاد، دعا كاميرون مرسي لزيارة رسمية إلى لندن. وكان مرسي قام في وقت سابق بعدد من الزيارات الخارجية، باعتباره أول رئيس مدني منتخب لمصر، بما في ذلك ألمانيا والبرازيل وجنوب أفريقيا.
وتم إطلاع شخصيات بارزة في جماعة “الإخوان المسلمين” في بريطانيا على الزيارة المقبلة إلى لندن وأبلغوا أن مرسي كان لديه إفطار رمضاني في “داوننج ستريت” في11 يوليو 2013.
وقال الكاتب: إن ما يؤسف أن الإفطار لم يحدث قط بسبب ما وصفه بـ “الانقلاب العسكري” في مصر برعاية الإمارات والسعودية الذي سحق ديمقراطية مصر قبل أسبوع واحد من هبوط مرسي المفترض في مطار هيثرو.
وأضاف: يجب أن يدفع ذلك المرء للتساؤل: لماذا أيا من الحقائق المذكورة أعلاه لم يشر إليها كاميرون على الإطلاق في بيانه الذي لخص النتائج المفترضة لمراجعة السير جون جينكنز لجماعة الإخوان المسلمين؟
وتابع: فجأة، لم يكن هناك سوى الشك والقلق، ناهيك عن التلميح بأن الجماعة ربما لديها ميول متطرفة أو صلات إرهابية.
وأوضح الكاتب أن كاميرون على الأرجح تعمد حذف بعض ما أدرجه جينكينز في تقريره الخاص، الذي لم ينشر بعد كاملا، وفشل في ذكر حقيقة أن الإخوان المسلمين أثبتوا أنهم أكثر ديمقراطية من أي تشكيلات سياسية أخرى في العالم العربي، بما فيها الجماعات العلمانية والليبرالية. وبدا أن كاميرون غافل عن حقيقة أنه كلما شاركت الحركة في انتخابات حرة ونزيهة تكون على القمة لأنها تمتعت بدعم وثقة الجمهور.
وأشار تميمي إلى أن كاميرون لم يذكر أي كلمة تعاطف مع عشرات الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذي يقبعون اليوم في مراكز احتجاز سلطات الانقلاب العسكري في مصر بما في ذلك الرئيس المعزول محمد مرسي.
واعتبر أن الخطيئة الوحيدة التي ارتكبها هؤلاء المعتقلين والآلاف من إخوانهم وأخواتهم الذين قتلوا بدم بارد في “رابعة” وميادين مصرية أخرى كان معارضتهم الانقلاب على الديمقراطية. وأخيرا، كان على كاميرون أن يقول شيئا عن “حماس” لأنها الكيان الوحيد الذي يمكن أن يربطه مع الإرهاب والإخوان. هذا على الرغم من حقيقة أنه استعد مؤخرا لاستضافة قيادة حماس في لندن.
وأشار إلى أنه قد تم تسليم الدعوة فعلا لزعيم “حماس” خالد مشعل في الدوحة عن طريق توني بلير سيئ السمعة، الذي قام بالتنسيق مع جهود رئيس الوزراء كاميرون لإقناع حماس بالجلوس على طاولة المفاوضات في لندن لتسوية المشاكل بين غزة وإسرائيل.
وختم الكاتب مقاله بالقول: أنا شخصيا لا أتمنى أن أكون في موقف كاميرون: التصرف بنافق، والخضوع للابتزاز من قبل الحكام العرب المستبدين والأغنياء في الخليج للمشاركة في الجهود المبذولة لإحباط النضال الديمقراطي في العالم العربي، في الوقت الذي أقود فيه واحدة من أقدم الديمقراطيات في العالم.