“خاص- وطن”- كتب شمس الدين النقاز- 46 ثانية فقط استغرقها إعلان الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد ووزير الدفاع في المملكة العربية السعودية عن تشكيل تحالف إسلامي سني لمجابهة الإرهاب وذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في قاعدة الملك سلمان العسكرية إثر الإعلان عن تشكيل تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب بقيادة السعودية.
وزير الدفاع بدى مبتسما ومستبشرا في كلمته التي ألقاها بالمناسبة ولا يمكننا أن نعلم السبب الحقيقي لهذه الإبتسامة الّتي من المؤكّد أنّ الأيّام القادمة ستكشف لنا سرّها وتجيب عن سؤالنا هل كانت الإبتسامة والإستبشار في محلّهما أم لا؟
الأمير محمد بن سلمان الّذي تأخّر عن الصحفيين المنتظرين ظُهوره في الندوة الصحفية الّتي أقيمت خصّيصا لشرح ملابسات بيان الإعلان عن تشكيل تحالف إسلامي لمجابهة الإرهاب، كان واضحا منذ البداية عندما قال “إنّ هذا التّحالف الإسلامي شكّل حرصا من العالم الإسلامي لمحاربة هذا الدّاء-الإرهاب- الّذي تضرّر منه العالم الإسلامي أوّلا وقبل المجتمع الدّولي ككلّ”.
لا يمكننا تأويل كلام بن سلمان كثيرا ولن يستغرق تفسير الأسباب التي دفعت المملكة لتشكيل هذا التحالف الإسلامي كثيرا من الوقت لأنّنا كنّا نتوقّع تحرّكا مثل هذا في الأشهر الأخيرة خاصّة وأنّ ماكينة الإعلام الغربيّة كانت قد مارست هوايتها المفضلة المتمثّلة أساسا في التّوجيه والتّأثير في المدة الأخيرة، وذلك عبر اتهامها للمملكة بوقوفها وراء الإرهاب وتمويله وأنّها السبب فيما يحدث في العالم.
القادة والمسؤولون الغربيون بدورهم مارسوا ضغوطات كبيرة على القيادة السعودية خاصة والعربية عامة من أجل تشكيل تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب معلنين موقفهم القاضي بعدم إرسال جيوشهم للدفاع عن العرب والمسلمين بالنيابة مهما حدث.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما من جهته كان قد أكّد في أكثر من مرّة أن الولايات المتحدة تحتاج إلى شريك فعال في محاربة “الدولة الإسلامية” على الأرض وأن القوات البرية المحلية هي التي يجب أن تحارب ميدانيا لا أن “نحارب مكانها”.
وفي السياق ذاته، استبعد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس شتولتنبرج في حواره مع صحيفة تاجس أنتسايجر السويسرية منذ أيّام نشر قوات برية قائلا “هذا ليس مطروحا على جدول أعمال التحالف وأعضاء حلف شمال الأطلسي” وأوضح سبب ذلك بأنّ “المسلمون على الخط الأمامي لهذه الحرب ومعظم الضحايا مسلمون ومعظم من يقاتلون ضد داعش مسلمون لذلك لا نستطيع أن نخوض هذا الصراع بالنيابة عنهم”.
لا يمكننا إلّا أن نحيّ شتولتنبرج على صراحته عندما قال إن القتلى مسلمون ومن يقتُل ويُقتل من المسلمين، فقوله هذا حجّة على حكّام المسلمين بدون استثناء.
إنّ المسؤولين الغربيّين ليسوا حمقى و لا مغفّلين لأنّهم يعلمون جيّدا حقيقة الصراع وطبيعته والفارق بين الإمكانيات المطلوبة والمتاحة لديهم للدخول في حرب برية جديدة وهذا ما لم يفقهه البعض، ولهذا لن يقدروا على تكرار نفس الأخطاء التي ارتكبوها في هذه الألفيّة الثالثة والتي كلفتهم تريليونات الدولارات و عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وذلك إثر غزوهم لأفغانستان والعراق.
وسائل الإعلام الغربية هي الأخرى كانت قد نشرت تقارير عديدة في الأشهر الأخيرة حذّرت فيها بلدانها من المشاركة بقوات بريّة في الحربين السورية والعراقية لأنّ الجيوش العربية من غير المعقول أن تقف مكتوفة الأيدي وتقاتل بالنيابة عنها الجيوش الغربية.
تصريحات المسؤولين الغربيين بالإضافة إلى التقارير الإعلامية التي تحذّر من قوّة تنظيم الدّولة الإسلاميّة وخطورة القيام بأي تحرّك برّي غربي ضدّه تدفعنا إلى التّساؤل عن مدى نجاح هذا التحالف الإسلامي السني في القضاء على الإرهاب مستقبلا خاصّة إذا ما كتب له التشكّل على الأرض في ظلّ المفاجئات غير السارة وهي إعلان كلّ من لبنان وباكستان وعمان وتركيا وإندونيسيا رفضها المشاركة العسكري في هذا “التحالف السّني”.
المملكة السعودية تريد أن تثبت للعالم أنّها ضدّ الإرهاب وأن التهم الموجهة لها بأنها تقف وراءه وتدعم الجماعات الإرهابيّة عارية عن الصّحّة حتّى أنّ جناحها الإعلامي المتمثّل في قناة العربيّة كان قد نشر منذ أسبوعين وثائقي بعنوان كيف واجهت السعودية القاعدة تمّت صياغته بحرفيّة تقنيّة عالية وبطمس كبير للحقائق.
الأجنحة الإعلامية للسعودية في كل أنحاء العالم لم تقدر على صدّ الهجمة الشرسة على السعودية واتهامها بدعم وتشجيع الإرهاب والسبب في هذا الفشل يعود إلى أنّ معظم وسائل الإعلام ذات التمويل السعودي فاقدة للمصداقية في العالم بل وفي المملكة نفسها.
التحالف العربي الإسلامي السنّي لم ولن يكون إلّا زوبعة في فنجان والمتابع لما يحدث على الساحة اليمنية سيتأكّد من أنّ الأمّة العربية والإسلامية في فترة حساسة تتطلب العقلانية والجلوس للتحاور لحل المشاكل لا أن تنجرّ إلى الحروب المتتالية.
مليارات الدولارات التي أنفقتها الدول العربية لشراء الأسلحة المتطورة والمتنوعة للدفاع عن وحدة أراضيها من الأطماع الخارجية ذهبت هباءً منثورا ووجه أكثرها صوب الشعوب.
الوضع متأزم جدّا وحالة الإحتقان داخل المجتمعات العربية والغربيّة على أشدّها في الأيّام الأخيرة، كما أنّ العام 2014 تأكّد لنا بما لا يدع مجالا للشّكّ أنّه أقل عنف ودموية وإرهاب.
التحالف الإسلامي الجديد جاء تلبية لطلب العم سام والعم هولاند والخالة ميركل والخال كاميرون، ولا يمكن لنا كعرب أصيلين أن نردّ طلب هؤلاء فهم وكما لا يخفى على الجميع لم يبخلوا علينا بالسلاح لكي نقتل به بعضنا البعض.
لقد حقّق المحرّضون غايتهم وبدأ المسلمون في مقاتلة بعضهم البعض، لكي يحافظ زيد وعمر على مناصبهم ولو كلفهم ذلك أكثر من 300 ألف تثل وضعفهم من الجرحى وأضعافهم من النازحين والمهجرين.
لا نبالغ إن قلنا إن تنظيم الدولة الإسلامية يبدو مستبشرا هو الآخر من تشكيل هذه التحالفات، لأنّه ومع كلّ تحالف جديدا يشعر بأنّه “غريب” والغربة في النصوص الإسلامية الّتي تتحدّث عن أحداث آخر الزمان تعني النصر بعد الصبر والفرج بعد الشدّة.
تنظيم الدّولة بدأ في تطويع النصوص لصالحه وبدأت عملية حساب الرايات والجيوش ودراسة الجغرافيا السورية والعراقية، فالمتأمّل في إصداراته الأخيرة عن دابق وعن الرايات سيتأكّد من قولنا هذا.
سوريا، أمريكا، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، مصر وغيرها من الدول المشاركة في التحالفات العربية الغربية لمقاومة الإرهاب خائفة ومُحرجة في الوقت نفسه، فالخوف نابع لتحوّل المعركة إلى داخل الدول الغربيّة، والحرج ناتج عن موقفهم أمام شعوبهم بعد أن فشلت حملاتهم للقضاء على الإرهاب.
على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن ينتهي من الإرهاب في محافظة سيناء وصحاريها قبل أن ينتقل إلى العراق وسوريا، وعليه أيضا أن يكفّ إرهابه وقمعه لشعبه ولمعارضيه قبل أن يلقي علينا دروسه ومواعظه.
الإرهاب إرهاب مهما كان مصدره ومهما حاول البعض تبريره، فما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في حروبها التي خاضتها وإسرائيل في حق الفلسطينيين وبشار بقصفه واستهدافه للمدنيين إرهاب يعاقب عليه القانون الدولي الذي لا يُطبّق إلا على الضعفاء والفقراء.
الرئيس السوري بشار الأسد متكئا على أريكته يفاوض وأبو بكر البغدادي متخفيا ومختفيا من الرصد والإغتيال ينتظر، والعالم يتشقق وينفطر ولم يفقه الذّكي ما يحصل ولا يعلم النّبيه ماذا سيحدث.
ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان يبدو أنّه بدأ يقرّر وينفّذ بالنيابة عن أبيه العاجز عن إدارة شؤون المملكة الداخلية وسياستها الخارجية في نفس الوقت ولعلّ المتابع لتحرّكاته وتنقّلاته الأخيرة بالإضافة إلى التسريبات الصادرة من الديوان الملكي السعودي التي ينقلها المغرّد “مجتهد” يتأكّد بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ هذا الأمير الشاب في عجلة كبيرة من أمره لتسلم زمام الحكم.
في الأخير يمكننا أن نقول إنّ لعنة المتاجرة بدماء الشعب السوري حلّت على العرب والعجم بلا استثناء وإن كان عام 2015 دمويا فمن المنتظر أن يكون 2016 أدمى بفضل هذه التحالفات العربية والغربية للقضاء على الإرهاب من جهة واحدة.