رأى الجنرال الإسرائيليّ في الاحتياط، عاموس يدلين، مدير مركز أبحاث الأمن القوميّ التابع لجامعة تل أبيب، رأى أنّه للدولة العبريّة توجد مصالح متناقضة فيما يتعلّق بالنزاع الروسيّ-التركيّ، ولكنّ هذا الأمر يؤكّد على وجود الهدف الأهّم في هذه الحقيبة الزمنيّة، أيضًا بالنسبة للولايات المُتحدّة الأمريكيّة وللقارّة الأوروبيّة: تحديد وبناء إستراتيجيّة تهدف إلى إضعاف أوْ القضاء على ما أسماهم الجنرال يدلين بالجهات السلبيّة الناشطة في سوريّو: من ناحية نظام الحكم الذي يقوده الرئيس السوريّ، بشّار الأسد، ومن الناحية الثانية تنظيم “الدولة الإسلاميّة”، على حدّ تعبيره.
وتابع يدلين، وهو الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكريّة في الجيش الإسرائيليّ، تابع قائلاً إنّه من الضرورة بمكان اللجوء إلى خطوةٍ عمليةٍ لإيجاد حلّ سياسيّ في بلاد الشام، يكون مدعومًا بالتدّخل العسكريّ، والدبلوماسيّ والسياسيّ. وبرأيه، فإنّ الإبداع الإسرائيليّ في هذا السياق يجب أنْ يؤكّد على أنّ الحلّ السياسيّ في سوريّة لا يُمكن إخراجه إلى حيّز التنفيذ، بدون إعادة تقسيم سوريّة من جديد، لأنّه بات من رابع المُستحيلات، برأيه، أنْ يتّم توحيد هذا البلد العربيّ من جديد بسبب الأهليّة الدائرة فيه منذ حوالي خمس سنوات.
واقترح يدلين أنْ يتّم تقسيم سوريّة إلى فدراليات عرقيّة وإثنيةٍ وطائفيّةٍ. ولفت الجنرال يدلين إلى أنّه في كلّ حلّ سيتّم التوصّل إليه، يجب أنْ يُفهم أنّ النزاع الروسيّ-التركيّ بالنسبة لجميع اللاعبين المحللين والإقليميين في سوريّة بأنّه في نسيج العلاقات الدوليّة بمنطقة الشرق الأوسط، لا يُمكن للخلاف بين طرفين من الأطراف أنْ يؤدّي إلى تبييض صفحة الثالث أوْ الآخر، بكلماتٍ أخرى، أضاف يدلين في دراسته، التي نُشرت على موقع الإنترنت، التابع للمركز، بكلماتٍ أخرى، مُعارضة التدّخل الروسيّ والإيرانيّ في سوريّة لا تمنح صكّ البراءة لأنْ يكون تنظيم “الدولة الإسلاميّة” أوْ “جبهة النصرة”،هما البديل للرئيس الأسد، وبموازاة ذلك، أضاف يدلين، أضعاف تنظيم “الدولة الإسلاميّ” لا يمنح صكّ البراءة للرئيس الأسد.
وزاد قائلاً إنّ التحدّي المفصليّ يكمن في إيجاد إستراتيجيّة صحيحة، كاملةً ومُتكاملةً، المدعومة بالإصرار، بالموارد وبالقوّات البريّة، والتي يُمكنها خوض الحرب بالتوازي وفي نفس الوقت ضدّ الدولة الإسلاميّة وضدّ نظام الرئيس السوريّ الأسد، وبعد الانتهاء من هذه المُهمّة، برأي الجنرال الإسرائيليّ، يجب أنْ تسعى الإستراتيجيّة عينها إلى تثبيت واقعٍ دائمٍ في سوريّة، على حدّ تعبيره. وحل الموقف الإسرائيليّ من النزاع المُتأجج بين موسكو وأنقرة، قال يدلين إنّه من ناحية، في مُستوى العلاقات الثنائيّة، فالمصلحة الإسرائيليّة الواضحة تؤكّد حتمية دعم تل أبيب لموسكو، فالدولتان برأيه، تُقيمان علاقات قويّةٍ، ودائمةٍ، وحتى اليوم تمكّنت هذه العلاقات من القفز عن التدّخل الروسيّ في سوريّة.
بموازاة ذلك، أضاف يدلين، فإنّ العلاقات بين إسرائيل وتركيّا وصلت إلى الحضيض منذ أحداث سفينة (مافي مرمرة) في أيّار (مايو) من العام 2010، وأنّ الكره الذي تكنّه تل أبيب لأنقرة وبالعكس أيضًا، بات أكثر وضوحًا بعد أنْ تسلّم رجّب طيّب أردوغان رئاسة الجمهوريّة. ولفت الجنرال يدلين إلى أنّ الدعم الإسرائيليّ لروسيا قد يُثمر من الناحية الاقتصاديّة، إذْ أنّه بعد العقوبات التي فرضتها موسكو على أنقرة بسبب إسقاط الطائرة، فإنّ الدولة العبريّة قادرة على أنْ تكون بديلاً جزئيًا عن تركيّا، بحيث تقوم بتزويد روسيا بالخضراوات والفواكه، كما أنّها ستكون هدفًا للسياحة الروسيّة، عوضًا عن تركيّا، التي كان يزورها كلّ سنة أكثر من ثلاثة ملايين روسي ويصرفون فيها، بحسب الإحصائيات، حوالي 4.5 مليار دولار.
ولكنّ الجنرال يدلين رأى أيضًا أنّه من الجهة الأخرى، فإنّ دعم تل أبيب لأنقرة يخدم في نهاية المطاف المنطق الصحيح للمصالح الإستراتيجيّة للدولة العبريّة، ذلك أنّ النشاط الروسيّ ضدّ تنظيم “الدولة الإسلاميّة”، يعني بكلماتٍ أخرى منح شرعية دوليّة لألد أعداء إسرائيل، إيران، حزب الله ونظام الرئيس الأسد، وفي هذا السياق توجد لإسرائيل ولتركيّا، شدّدّ الجنرال يدلين، مصالح مُشتركةٍ، والتي تشمل إقصاء الرئيس الأسد من منصبه، إضعاف الهيمنة الإيرانيّة بسوريّة، وكتحصيل حاصل، فإنّ ذلك سيُلحق بحزب الله اللبنانيّ أضرارًا بالغةً، على حدّ تعبيره.
وأوضح الباحث الإسرائيليّ أيضًا أنّ النزاع بين أنقرة وموسكو، الذي اندلع بعد إسقاط الأتراك الطائرة الحربيّة الروسيّة، شطب تقريبًا جميع الإنجازات المُهمّة لتحسين العلاقات بين البلدين، والذي بدأ مع تسلّم حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيّا في العام 2002، ولفت إلى أنّ النزاع سيدفع تركيّا إلى تقليل تعلقّها باستيراد الغاز الروسيّ، كما أنّه سيؤدّي إلى تنازلٍ مُعينٍ في مواقفها بشأن النزاع في قبرص، وأيضًا فيما يتعلّق بالنزاع مع الدولة العبريّة.
علاوة على ذلك تساءل يدلين: إلى أين روسيا مستعدةً للذهاب بعيدًا في النزاع مع تركيّا، ذلك لأنّه يمسّ بها أيضًا. وخلُص إلى القول إنّ النزاع الجديد بين الدولتين هز إرهاصٌ أضافيٌ للنزاع في منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ عامٍ، وبالنسبة للأزمة السوريّة بشكلٍ خاصٍ، وعبّر الجنرال يدلين عن إيمانه بأنّ هذا النزاع سيتّم التداول حوله بين الدول العظمى ضمن المحاولات لإيجاد حلٍّ له.
وختم: روسيا على استعدادٍ لدفع الثمن الاقتصاديّ لهذا النزاع لأنّها عبر ذلك تُريد تحجيم الدور التركيّ حول مستقبل سوريّة وحول الحلّ الإقليميّ في المنطقة، بحسب تعبيره.