نشر موقع “سويس انفو” السويسري تقريرا عن الأوضاع الحقوقية في دولة الإمارات التي يحكمها محمد بن زايد فعليا, مشيراً إلى أن الإمارات لم تختر تعديل ساعتها وفقا لتطلعات الأجيال الصاعدة، من خلال إدخال إصلاحات نسبية مثلما فعلت السعودية وقطر والكويت بعد التغييرات التي حصلت في المنطقة، عقب الربيع العربي، وكان الرد الحكومي عنيفا وسريعا من خلال الاعتقالات والتضييق على حرية التعبير.
وتحت عنوان “الحصيلة المُرّة لأوضاع حقوق الإنسان في الإمارات”، قال التقرير السويسري إن أصحاب القرار في الإمارات “شيوخها” رؤوا عقب الثورات العربية أنها تهدّد وحدتها ووجودها، ومن ثمّ فقد عملت السلطات الاماراتية على محاصرتها وإجهاضها”، بحسب ما عبر عنه مراقبون وباحثون.
وجاء ذكر الإمارات في معرض تناوله لبعض الأنظمة التي تفتقر بالأساس إلى شرعية انتخابية ديمقراطية واختارت أن تعاكس تطلعات الشعوب، وتنتصر لما يُسمى بـ”الثورات المضادة”.
ونقل تقرير الموقع عن صفوة عيسى، وهي رئيسة المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، المنظمة غير الحكومية، ومقرّها في جنيف، قولها: “حدث انقلاب في سياسات دولة الإمارات سنة 2011، عندما طالبت مجموعة من الإماراتيين بإجراء إصلاحات داخل الدولة، وهؤلاء كانوا من داخل النخبة الحاكمة، وأساسا ممن يُعرفون بمجموعة الإصلاح (نسبة إلى جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي المحظورة حاليا)، ومعهم فئات أخرى من الليبراليين”.
وأضافت: “بدلا من أن تختار دولة الإمارات تعديل ساعتها وفقا لتطلعات الأجيال الصاعدة، من خلال إدخال إصلاحات محسوبة ونسبية مثلما فعلت ولا تزال السعودية وقطر والكويت، كان الرد الحكومي عنيفا وسريعا، حيث تحرّكت أجهزة الأمن الإماراتية فاعتقلت في البداية مجموعة صغيرة تشمل خمسة أشخاص ثم وسّعت حملتها لتصل إلى 94 شخصا من بينهم 13 امرأة، بتهمة التآمر على أمن الدولة، ورافقت تلك الحملة عمليات سحب لجنسيات بعض الأفراد، وصدور أحكام بالسجن تزيد على عشر سنوات، فضلا عن تفاقم ظاهرة الاختفاء القسري، والسجون السرية”.
وترى السيدة عيسى أن هذا الرد العنيف من طرف السلطات على مطالب الإصلاح يعود إلى أن “دوائر صنع القرار في الإمارات كانت مُحاطة بشخصيات من خارج الإمارات، ليست بالضرورة ديمقراطية، ولها حقد دفين على تيار سياسي وأيديولوجي بعينه”.
وقالت إن كل مقيم أو وافد في الإمارات يناصر الثورات العربية أو أي توجّه من التوجهات الإصلاحية، هو هدف مشروع للمضايقات والمحاصرة ومختلف أنواع الانتهاكات.
وخلال السنوات الأخيرة، رصدت تقارير المنظمات الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، مثل المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان (مقره جنيف)، ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، ومنظمة العفو الدولية، بالإضافة إلى وثائق آليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان والمقررين الدوليين، كلها تعجّ بحالات انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات.
وفي تقرير وجّه إلى الدورة الثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (مقره جنيف) المؤرخ في 17 آب/ أغسطس 2015، فقد أبرز الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، المضايقات التي يتعرّض لها المدافعون عن حقوق الإنسان في العديد من البلدان، وذكر من بينها الإمارات.
وأشار كي مون حينها بالتحديد إلى قضيّة أسامة النجار، وهو مواطن إماراتي أصبح ضحية للمضايقات والاعتقال بعد لقائه مع السيدة غابريلا كنول، المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، خلال الزيارة التي قامت بها إلى دولة الإمارات في شهر شباط/ فبراير 2014.
ولفت تقرير الموقع السويسري إلى أن المعتقلين في الإمارات يُودعون في سجون سريّة لا يُعرف مكانها أو ما يدور فيها. وأضاف: “في إطار تنكيلها بمعارضيها، توظّف السلطات الإماراتية لإدارة هذه المعتقلات حراسا نيباليين يحتجزون المعتقلين بالأشهر، ويتعرّضون داخلها إلى التعذيب الوحشي، ويُحرم فيها المعتقل من زيارة الأقارب، كما أنه يحرم لفترة من الطعام، ويُجبر على الإقامة في ظروف سيئة جدا، وكلّها حالات من التشفّي والانتقام”، وذلك وفقا لرئيسة المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان.
وضرب الموقع مثالا على ذلك، فلفت إلى ما أورده تقرير المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، عن حالة ناصر بن غيث الذي لا يزال مُحتجزا في سجن سرّي. وهو اقتصادي وأكاديمي معروف عمل مستشارا اقتصاديا وقانونيا في المجال العسكري، وحُوّل بعد اعتقاله إلى مكان مجهول. وكذلك الحال بالنسبة لأحمد محمد الملاّ وعبد الله الحلو.
بحسب الموقع، “لم تسلم المرأة من التنكيل كذلك. فقد اتضح أن العديد من الإماراتيات كُنّ ضحية لردود أفعال انتقامية تقوم بها أجهزة الأمن تجاه زوجات وبنات المعتقلين”.
ومن ذلك، “حرمانهنّ من الحصول على جواز سفر أو منعهن من التنقل إلى خارج البلاد. كما أنهن يمنعن من زيارة أقاربهن في السجون أو الحصول على مرتباتهم، وذلك وفقا لتقارير منظمة هيومن رايتس ووتش التي حاولت في الفترة الماضية تنظيم مؤتمر صحافي حول هذا الموضوع في الإمارات فمُنعت من ذلك”.
ونقلا عن بيان أصدره المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، فقد “اعتقل جهاز الأمن الإماراتي الشقيقتيْن أمينة وموزة محمد العبدولي وأخاهما مصعب محمد العبدولي، وتمّ اقتيادهم إلى مكان مجهول”.
وأضاف البيان أنه “أثناء عملية الاعتقال لم يعلم المحتجزون بالتهم الموجّهة إليهم، وإن كان من المرجّح أن يكون الأمر متعلقا بوالدهم الذي قتل خلال مواجهات في سوريا”.
ووصف الموقع السويسري ما تقوم به السلطات الإماراتية بـ”الانتهاكات المفزعة لحقوق الإنسان”، وأشار إلى أنه على الرغم من كل النداءات الحقوقية، والممارسات القمعية للدولة، فقد “نجحت أبو ظبي في تجديد عضويتها بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للفترة المقبلة (2016- 2018). وفي هذا الصدد، عبّرت صفوة عيسى الناشطة الحقوقية الدولية عن الأسف لمواصلة الأمم المتحدة منح ثقتها إلى هذا البلد، خاصة بعد أن توجّهت له آليات هذه المنظمة بانتقادات لاذعة بسبب الانتهاكات التي يتعرّض لها مواطنوه”.
وعزا موقع “سويس إنفو” التعتيم الإعلامي على الوضع الحقوقي في الإمارات إلى صعوبة الحصول على المعلومة، حيث لا تسمح الحكومة بزيارة المراقبين الدوليين، وتمنع الناشطين من إبلاغ صوتهم إلى الخارج، بل تمّ منع المقرّرة الخاصة باستقلال القضاء التابعة للأمم المتحدة من مقابلة بعض المواطنين وعدد من المنظمات التي لا ترضى عنها الجهات الحكومية، خلال زيارة سابقة قامت بها إلى الدولة، وقبل المغادرة طالبت المقررة من السلطات السماح لها بزيارة السجون، لكنها مُنعت من ذلك أيضا”.
وأضاف أن الإمارات نجحت في الفترة الأخيرة في التسويق لنفسها على أنها “حصن لبقية الدول ضد الإرهاب”، حيث وقّعت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي على اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي في مجال محاربة الإرهاب.
وعلى الجهة المقابلة، ردّت المنظمات الحقوقية الدولية على ما رأت فيه “تجاهلا لأوضاع حقوق الإنسان” في هذا البلد الخليجي بترشيح الحقوقي الإماراتي أحمد منصور، لنيل جائزة مارتين أنالز، التي تُعدّ بمثابة “جائزة نوبل” في المجال الحقوقي.