رأى البروفيسور إيال زيسر، باحث في معهد دايان لدراسات الشرق الأوسط في تل أبيب أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة وحزب الله ليسا تنظيم “الدولة الإسلاميّة، لكن بموازاة ذلك، شدّدّ على أنّهما يُشكّلان خطرًا ملموسًا بالنسبة للدولة العبريّة، على حدّ تعبيره.
وقال زيسر، الذي يُعتبر في إسرائيل المُتخصص رقم واحد في الشؤون السوريّة، قال في مقالٍ نشره في صحيفة (يسرائيل هايوم)، المُقريّة جدًا من رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، قال إنّ الهجوم الإرهابيّ الفتّاك الذي حدث في كاليفورنيا في نهاية الأسبوع الماضي وأودى بحياة 14 مواطنًا أمريكيًا، هو تأكيد على أنّه حتى عندما يُحاول العالم الانفصال عن الشرق الأوسط بأزماته ومشكلاته، فإنّ الشرق الأوسط يًطارده في عقر داره. لكن، لفت البروفيسور الإسرائيليّ، حتى في مواجهة الهجوم الإرهابيّ الأخير تجد الإدارة الأميركية صعوبة في تسمية الولد باسمه، وتحديد ماهية المشكلة التي يُواجهها اليوم العالم الغربي- إرهاب إسلامي راديكالي- تنظيم داعش هو أحد وجوهه فقط، على حدّ قوله.
ورأى أيضًا أنّه في الخطاب الذي وجهه أوباما في مطلع الأسبوع للشعب الأمريكيّ، تعهد بأنْ تقضي الولايات المتحدة على تنظيم داعش، وتباهى بأنّ الهجمات الجويّة الأمريكيّة توجه ضربات قاصمة للتنظيم. لكنّه في الوقت عينه حذّر من الانجرار إلى حرب برية طويلة في سورية. وبرغم الكلام الحماسيّ للرئيس الأمريكيّ، تابع زيسر، يبدو أنّ الصراع الذي يخوضه ضدّ داعش هو في الأساس صراع افتراضي (virtual) هدفه العلاقات العامة، واصفًا إيّاه بأنّه صراع موجّه إلى الرأي العام في الغرب والولايات المتحدة، أكثر ممّا هو موجّه ضد داعش. فمن الواضح للجميع، قال زيسر، أنّ التنظيم لن يخضع من الجو، وإذا لم توجد قوة برية محلية تضربه فهو سيواصل العمل مطمئنًا من معاقله في سورية والعراق.
وبحسب زيسر، الذي قامت مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة، التي تتخّذ من بيروت مقرًا لها، بنقل مقاله إلى العربيّة، بحسب زيسر فإنّ المشكلة هي أنّ الفراغ لا بدّ من أن يمتلئ، والفراغ الذي تركته وراءها واشنطن في المنطقة ولجت إليه موسكو. وفي الواقع، أردف، يثير الوجود الروسي في المنطقة بالنسبة لإسرائيل ولدولٍ عربيّةٍ معتدلةٍ جملة مشكلات. أولاً، لم يأتِ الروس إلى سورية لمحاربة تنظيم داعش، إنمّا لإنقاذ الرئيس د. بشّار الأسد.
وبالنسبة إليهم الصراع ضدّ هذا التنظيم يُمكنه الانتظار حتى تأمين نظام بشار الأسد والقضاء على المتمردين المعتدلين الذين يحاربونه. ثانيًا، المشكلة الأخطر هي أنّه لإنقاذ الأسد عقد الروس حلفًا مع إيران، وبصورة غير مباشرة مع حزب الله. وووفقًا للمُستشرق الإسرائيليّ، فإنّ هذا الواقع يذكّر ببداية سنوات الألفين، حين وقفت إيران في مواجهة عدوين قويين: من الشرق نظام طالبان في أفغانستان، ومن الغرب نظام صدام حسين في العراق. لكن خلال ثلاث سنوات دمر الأمريكيون بدلاً من طهران عدوّيها: ففي سنة 2001 غزوا أفغانستان وأسقطوا حكم طالبان، وفي سنة 2003 غزوا العراق وأسقطوا حكم صدام حسين.
وتابع: لقد كانت الخطوات الأمريكيّة مبررة وضرورية بعد الهجمات الإرهابية للقاعدة بزعامة أسامة بن لادن الذي كان يقيم في أفغانستان، وإزاء وحشية صدام حسين. لكن الأمريكيين لم ينجزوا المهمة حتى النهاية، وبإقدامهم على تصفية عدوّي إيران سمحوا لها بالتحوّل إلى قوة عظمى تُروّع الشرق الأوسط بأسره. وبرأي زيسر، يقوم الأمريكيون اليوم بتكرار أخطائهم، لافتًا إلى أنّه وتحت شعار محاربة داعش التي تركوها للروس، يسمحون لمحور الشر – إيران سورية وحزب الله – بأن يرفع رأسه مجددًا.
وفي الواقع، فإنّ الرابح على الأمد البعيد من التدّخل الروسي سيكون إيران، فهي مثل حزب الله قوة محلية لها وجود على الأرض وقادرة على تحمل خسائر، وهذا ما لا يستطيع تحمله الروس.
وشدّدّ أيضًا على أنّ إيران وحزب الله ظاهريًا ليسا مثل داعش. وطهران بزعامة روحاني التي انضمّت إلى المجتمع الدوليّ بعد توقيع الاتفاق النووي هي اليوم شريكة مرغوب فيها في الصراع ضدّ الإرهاب الإسلامي السني. لكن من وجهة نظر إسرائيل، فإنّ إيران وحزب الله يُشكّلان خطرًا ملموسًا، ليس فقط بسبب البرنامج النوويّ الإيرانيّ، إنمّا بصورةٍ خاصّةٍ بسبب عشرات آلاف الصواريخ التي زودت بها إيران تنظيم حزب الله في لبنان. وأردف أنّه نظريًا وعمليًا وعلى أرض الواقع، لا تختلف إيران وحزب الله في نظر إسرائيل عن تنظيم داعش.
وقال: صحيح أنّ لديهما مصالح تفرض عليهما أن يكونا براغماتيين، لكن شعار “الموت لإسرائيل” ما يزال يُسمع في شوارع طهران بدعم من المرشد الأعلى للجمهوريّة الإسلاميّة، وفي لبنان يحرص حزب الله على تعزيز منظوماته الصاروخية الموجهة كلها نحو إسرائيل.
وخلُص البروفيسور زيسر إلى القول إنّه في وضعٍ يتسّم بعدم وجود الولايات المتحدة في المنطقة، وإزاء التخلّي الذي تقوم واشنطن في إطاره بتسليم المفاتيح لموسكو وتستعين انطلاقًا من اعتباراتها بالإيرانيين، فإنّ التحدي أصبح واضحًا لإسرائيل، وحسنًا تفعل تل أبيب إذا بلورت إستراتيجية شاملة في مواجهة الواقع الجديد الآخذ في التشكل في المنطقة، بحسب قوله.