مجدالدين العربي-خاص
ثلاثة أخبار متعاقبة، لايبدو أن بينها رابطاً ولا حتى واهياً، لكنها في الحقيقة مرتبطة أشد الارتباط بالفكرة التي تريد لإسرائيل أن تكون “باقية وتتمدد”، وترى أن على العرب والفلسطينين بالذات بلع هذه الفكرة-الوصفة وهضمها حتى ولو أصيبوا بالتسمم والموت جرءاها.
يقول الخبر الأول إن داعش مقبلة بلاشك على مهاجمة إسرائيل، وفق تصريحات صدرت يوم الأحد منسوبة لمسؤول رفيع في جيش الاحتلال، اعتبر فيها أن هجوم التنظيم واقع لا محالة وأن وقوعه مسألة وقت لا أكثر.
ويقول الخبر الثاني إن هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية الأوفر حظاً لخلافة أوباما في البيت الأبيض، وصفت إسرائيل في أحدث خطاباتها (يوم الأحد) بأنها “حليف وصديق حقيقي، الآن وإلى الأبد”، متعهدة بدعم وتمتين العلاقة بين واشنطن وتل أبيب التي هي علاقة “متينة بالأصل” وفق تعبير كلينتون.
أما الخبر الأخير الذي يثبت أن إسرائيل باقية وتتمدد على جثث الفلسطينيين، فهو من نوع الكوميديا السوداء، التي قص شريطها وزير الأمن العام العبري “جلعاد أردان” وهو يزعم أن المحققين في كيانه “ما يزالون يفتقرون إلى أدلة كافية لتوجيه اتهامات ضد المشتبه بهم اليهود”، الذي اعتقلوا بعد جريمة إحراق بيت فلسطيني راحت ضحيته عائلة كاملة حرقاً، من بينها طفل رضيع يبلغ حوالي سنة ونصف، يدعى علي دوابشة.
وبالعودة إلى الخبر الأول، نرى أن تل أبيب وجدت أخيرا شماعة جديدة لمحاربة الفلسطينيين، وهي الشماعة الجاهزة في كل مكان، بل إن الدولة العبرية وهي التي تفاخر بقوتها وتفوقها على جيوش بأكلمها، لم تستح أن تقول على لسان مسؤول حربي كبير إن “هجوم تنظيم داعش على إسرائيل هو مسألة وقت فقط”.
واستعانت تل أبيب على تضخيم فزاعة داعش بأحداث باريس وكاليفورنيا الأخيرة، معتبرة أن الدولة العبرية ليست في منأى عن هجمات مماثلة، ومذكرة بأن جهاز الأمن الداخلي يعتقد بوجود أكثر من 40 متطوعا فلسطينيا وعربيا من داخل أراضي 48 منضمين للتنظيم، علما أن عدد مقاتلي التنظيم يعد بعشرات الآلاف.
مثل هذا التصريح بمفرده يثير السخرية، إذ إن تل أبيب لم تبرح تقدم نفسها للغرب على أنها محارب عنيد للإرهاب، حسب وصفها، بل إنها تقدم نفسها بصفة رأس حربة ودرع يحمي الغرب من تقدم المتطرفين نحوه، فما الذي جرى حتى تهز تل أبيب هذه الصورة، وتبدو عاجزة لا حيلة لها أمام “داعش”؟
ولكن إذا ماربطنا خبر توقع هجوم داعش على إسرائيل بخبر عجز الأمن العبري عن توفير أدلة كافية لإدانة المتطرفين اليهود الذي قتلوا الرضيع علي دوابشة وأمه وأباه، فسيخيل للقارئ أننا نتحدث عن دولة من العالم العاشر، ليس لديها لا أجهزة مخابراتية ولا تجهيزات ولا شرطة ولا جيش.. مغلوبة على أمرها فقط في وجه “داعش” والمتطرفين اليهود، أما في وجه الفلسطينيين فهي قادرة على البطش والقتل واقتلاع البشر والشجر والحجر بلا هوادة!!
هذا الكذب المكشوف والمضحك من وزير الأمن الإسرائيلي وهو يدعي عجز كيانه عن ملاحقة حفنة من المتطرفين اليهود وإدانتهم، يحاكي تماما العقلية الصهيونية التي ترى إن إسرائيل لا يمكن لها أن تبقى وتتمدد إلا بممارسة الكذب والمراوغة.
فبعد أكثر من 4 أشهر على جريمة قرية “دوما” بالضفة الغربية، التي أحرق فيها متطرفون يهود أسرة دوابشة وهي نائمة، فقضى الرضيع علي دوابشة (18 شهرا)، ووالداه سعد وريهام.. بعد أكثر من 120 يوما، لم تجد تل أبيب أدلة كافية بعد “لتوجيه اتهامات” ضد منفذي الهجوم/ وهي نفسها تل أبيب التي تستطيع إيجاد كل الدلائل وتوجيه كل الاتهامات لكل الفلسطينيين بعد 120 ثانية من وقوع أي حادث داخل حدود كيانها!
وليس ذلك فحسب، بل إن وزارة الأمن والسلطات القضائية تمنع الإفصاح عن تفاصيل التحقيق وهوية “المشتبه بهم”، ووزير الأمن يقول إنهم يواجهون “تحديات” في محاولتهم “سبر أغوار الجماعة اليهودية المتطرفة التي يعتقد أن تكون وراء الهجوم”، منوها بأن هؤلاء “يعيشون على قمم التلال النائية في الضفة الغربية”.
إذن فالمسؤول الحربي الكبير معذور حين يبدي عجز دولته عن مواجهة “داعش” وصد هجومها المحتمل، رغم أنه يقر بأنه واقع لامحالة، فهذا وزير الأمن، لايستطيع حل لغز جماعة صغيرة ولا القبض على أعضائها ولا توجيه التهم لهم، رغم أنهم تحت قبضته!.. فهل هناك دليل أكبر من هذا على إن إسرائيل باقية وتتمدد في عالم المراوغة ونسج الأساطير، أساطير القوة والجبروت حيناً وأساطير الضعف والمظلومية أحياناً، وفق ما يقتضي المشهد.
صانعو القرار الأمريكي من ناحيتهم، هم سادة من روج لمبدأ “لا عداوات ولا تحالفات دائمة” في السياسة، ولكنهم أيضا سادة من أصروا ودافعوا عن تحالفهم الدائم بل والأبدي مع إسرائلي، ليقولوا لكل العالم إن هذا الكيان باق ويتمدد، شاء من شاء وأبى من أبى.
ومن أحدث ما صدر في هذا الإطار، ما صرحت به هيلاري كلنتون مرشحة الديمقراطيين للرئاسة، حيث قالت من قلب معهد “بروكينغز” إن على القادة الأمريكيين والإسرائيليين “تذكير شعبينا بالقواسم المشتركة الكثيرة بينهما والحفاظ على علاقتنا فوق السياسات الحزبية”.
ونعتت كلينتون إسرائيل بأنها “حليف وصديق حقيقي.. الآن وإلى الأبد”، متعهدة بالمضي في “العلاقة القوية أصلا إلى مستوى أعلى”، مضيفة: “من مصلحتنا القومية أن تبقى إسرائيل معقلا للاستقرار وحليفا أساسيا في منطقة تغرق بالفوضى”.
ولم تنس “كلينتون” أن تلوح بفزاعة داعش كغيرها، قائلة إن من المؤسف تهميس محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، ومحذرة من أن تهميشه لن ينتج سوى بديل واحد هو”داعش بأعلام السوداء”
ألم أقل لكم إن “إسرائيل باقية وتتمدد”؟!