“وطن- خاص” كتب شمس الدّين النّقّاز- لا تزال سيناريوهات الأفلام الهوليودية مؤثرة في صياغة أخبار أغلب وسائل الإعلام التونسية خاصة فيما يتعلق بموضوع الإرهاب والإرهابيّين.
فبعد أن تحدثّت صحيفة يومية تونسيّة يوم الإثنين الماضي عن تنفيذ قوات الأمن التونسي لعملية نوعية تمكنت من خلالها من القاء القبض على شاب “تكفيري” يتبنّى الفكر “الداعشي” لتورّطه في تغسيل الإنتحاري الّذي فجّر نفسه في حافلة الأمن الرئاسي في شارع محمد الخامس بالعاصمة الثلاثاء الماضي قبل أن ينفّذ العمليّة بهدف مقابلة الحور العين في الجنّة،جاء الدّور بعد 3 أيّام لاكتشاف سيناريو هوليودي اخر لا يقل أهميّة عن سابقه بل يمكننا القول إنّه فاق الخبر المشار إليه تشويقا وإثارة.
لقد تحدّثت بعض وسائل الإعلام في تونس يوم الخميس 3 نوفمبر عن تمكّن قوّات الأمن مرّة أخرى من إلقاء القبض على فتاة قاصر تدرس في أحد المعاهد الثّانويّة في احدى مدن الشّمال الغربي بتهمة تجنيد النّساء وإرسالهم إلى سوريا للجهاد، وقد بلغ عدد النّسوة الّتي قامت بتجنيدهم وإرسالهم إلى بؤر التّوتّر قرابة الألف.
لا تتعجّب أيّها القارئ الكريم الّذي اختار أن يقرأ هذا المقال وأن يدخل على هذا الموقع المحترم من الخبر العظيم الّذي اهتزّت من هوله الجبال واحتارت عند سماعه أجهزة المخابرات الأمريكيّة و الإسرائيليّة والأوروبيّة الّتي عجزت طيلة فترة تجنيد الألف امرأة عن كشف الجهة الّتي تقف وراء إرسالهم إلى سوريا.
غيض من فيض من حماقات بعض وسائل الإعلام التّونسيّة الّتي امتهنت الكذب في صناعة الأخبار وصياغتها بعد 14 يناير، فلا يكاد يمرّ يوم إلّا وتتصدّر الصّفحات الأولى لمعظم الصّحف الورقيّة والإلكترونيّة المحلّيّة أخبار تتعلّق بالإرهاب ومشتقّاته حتّى أضحت هذه الأخبار الهوليوديّة خبز المواطن اليومي.
أصبحت “النّخبة المثقّفة” في تونس تتحدّث بما قرأت وسمعت ولا حديث يدور في مجالسهم العامرة بما لذّ وطاب من المأكولات إلّا عن الإرهاب “وجهاد النّكاح”، فلا عجب أن ترى طبيبا صرف من عمره سنوات طوال في تعلّم الطّب والجراحة يتحدّث في مقهى أو داخل عيادته مع المرضى عن تمكّن قوّات الأمن من إلقاء القبض على “داعشيّة” خطيرة سفّرت أكثر من 1000 امرأة لبؤر التّوتّر، وليس غريبا أن تسمع محام يتسلّى مع حرفائه أو زملائه بالحديث عن “جهاد النّكاح” في سوريا والعراق ثم يتدرّج نحو قذف كلّ من تلبس الحجاب متّهما إيّاها بأنّها داعشيّة.
لا تتعجّب أيّها القارئ الكريم فالمصاب جلل والغباء لا ينحصر في جماعة معيّنة لم يسبق لها القراءة لا الكتابة بل الغباء والحماقة داءان أعيا من يداويهما، فجولة صباحيّة في مترو في العاصمة أو في أيّة وسيلة نقل عموميّة تؤكّد لك أنّ كاتب المقال احتفظ بعديد الأسرار لنفسه لأنّه يستحي من ذكرها وكتابتها في مقال كهذا.
غدت التّهم تُكال وتُوزن في تونس بعد 14 يناير، فمن ينتقد تصرّفات بعض الظّلمة تكون العزلة والهجمات المتتالية في انتظاره لإثنائه عن التّغريد خارج سرب المرتزقة اللّذين باعوا كرامتهم وكرامة مهنتهم ونبلها بدولارات معدودة لا تتجاوز في أقصى الحالات 50 دولار أمريكي، كما أصبح التّغريد خارج السّرب تبييضا للإرهاب و لو كان كبار الكتّاب في صحف “نيوزويك ونيويورك تايمز والواشنطن بوست والغارديان” وغيرها من الصّحف العالميّة العريقة متواجدين في تونس ويكتبون بكل موضوعيّة لاتّهموهم بتبييض الإرهاب والطّعن في المؤسّسة الأمنيّة والعسكريّة وتمجيد الإرهاب والثّناء على الإرهابيّين.
من خبر تاريخ القوم المتصدّرين وسائل الإعلام التّونسيّة لن يتعجّب من قراءة أو سماع الحماقات الّتي يقبل عليها فئة كبيرة من “المثقّفين” للأسف الشّديد،فبحجم الكذب في الصّفحة الأولى تزيد المرابيح وترتفع المبيعات.
لم تقدر معظم وسائل الإعلام التّونسيّة على خلع جلبابها البنفسجي الّذي أهداه لها الرّئيس السّابق زين العابدين بن علي،ومن يذكر بن علي يتذكّر اليّا تنكيله بالإعلاميّين الأحرار وترويعهم وتجويع أهاليهم والتّضييق عليهم داخل البلاد وخارجها في المقابل حظوته بإعلاميّي السّلطة اللّذين كانوا يحتفلون بيوم السّابع من نوفمبر أكثر من احتفالهم بعيد الفطر.
عندما قرّر الرّئيس السّابق المنصف المرزوقي كشف القائمة السّوداء لإعلاميي النّظام للشّعب التّونسي جنّ جنون القوم ووجّهوا نبالهم وسهامهم نحو الرّئيس وحاشيته الأمر الّذي دفعه لغلق الموضوع ونسيانه وهو ما يمكن تفسيره بتفسيرين اثنين “قوّة إعلام بن علي” و”ضعف القيادة السّابقة”.
في فترة ما قبل الإنتخابات التّشريعية والرّئاسيّة الأخيرة في تونس، سلّطت وسائل الإعلام المحلّيّة مصادرها النّافذة داخل دواليب الدّولة من أجل كشف ما يدور داخل القصر الرّئاسي وكيف أنّ الرّئيس منصف المرزوقي في بحبوحة من العيش يأكل ويشرب وينفق الملايين بلا رقيب ولا حسيب وكيف أنّه أنفق الملايين لجلب آلاف الكتب العلميّة هبة من سويسرا وهو ما دفع أحد الإعلاميّين إلى التّساؤل وقتها “ماذا نفعل بالكتب”.
بين ماذا نفعل بالكتب وبين تجنيد فتاة قاصر لألف امرأة أرسلتها إلى بؤر التّوتّر علاقة وثيقة تلخّص حال الإعلام والشّعب التّونسي الذّي أصبح يعيش ظروفا نفسيّة صعب وفق ما أكّده علماء الإجتماع والأطبّاء النفسانيّون.
في الأخير لا يمكننا أن نلقي باللّوم على عموم الشّعب المغلوب على أمره خاصّة عندما نسمع بعض أساتذة الإعلام في تونس يتحدّثون عن قيمة المصادر والنّزاهة والأخلاق والموضوعيّة أثناء ممارسة المهنة الصّحفيّة في تدريسهم لمادّة أخلاقيّات الإعلام ثمّ سرعان ما ينسفون كلّ هذه القيم أثناء حديثهم مع بعضهم البعض صباحا قائلين “أرأيت تلك الدّاعشيّة الّتي جنّدت 1000 امرأة؟و هل سمعت بتمكّن قوّات الأمن من إلقاء القبض على التّكفيريّ الّذي غسّل إنتحاريّ شارع محمّد الخامس بالعاصمة قبل تنفيذ العمليّة لمقابلة الحور العين وفق معتقدات الجهاديّة التّكفيريّة؟”.