مجدالدين العربي- وطن – خاص
لايختلف العلم الباكستاني عن العلم التركي سوى بلون الخلفية، فكلاهما يحملان نفس الرمز (النجمة والهلال)، على خلفية خضراء بالنسبة لباكستان وخلفية حمراء بالنسبة لتركيا، لكن بين البلدين المصنفين ضمن المعسكر السني فوارق جوهرية لايمكن إغفالها، تضع أصحاب الخلفية الخضراء في المقدمة عسكريا، رغم أنهم متأخرون اقتصاديا.
تركيا بحكم قربها الجغرافي وتلاقحها مع محيطها العربي وجدت نفسها معظم الأوقات في بؤرة الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية، وقد تطاير كثير من شرر تلك الأحداث إلى قلب الأناضول، بعكس باكستان التي شكل بعدها الجغرافي فجوة مع العرب قلل من هوتها بعض الشيء الانتماء الديني الموحد، لغالبية الباكستانيين والعرب.
وعندما عمت موجة الربيع العربي، كان انعكاس الانخراط التركي فيها واضحا، خلافا لتعاطي باكستان التي لم تعر هذه الموجة كبير اهتمام، كونها تقع في منطقة بعيدة عنها، إلى أن مرت هذه الموجة بعنق الزجاجة الأحرج ومرحلتها الأخطر في سوريا، حيث اختلطت الأوراق ودخلت دول كثيرة ساحة العراك وتصفية الحسابات، وتحولت الثورة إلى حرب داخلية ثم إلى معركة عالمية تشارك فيها جيوش وأجهزة استخبارات كثيرة.
والمتابع للأنباء والتسريبات خلال الفترة الأخيرة، يلاحظ كثرة التركيز على إمكانية تشكيل حلف ثلاثي يضم تركيا والسعودية وباكستان، اعتمادا على تصريحات صدرت عن رئيس وزراء تركيا “أحمد داود أوغلو” قال فيها إن بلاده والسعودية ودولة ثالثة –لم يذكر اسمها- سيدؤون عملية للتدخل في سوريا.
ويبدو أن أسهم الحديث عن مثل هذا التحالف الثلاثي قد ارتفعت مجددا، مع تدخل موسكو العلني وزجها مختلف طاقاتها العسكرية من طائرات وقاذفات وصواريخ باليستية وسفن لدعم بشار الأسد في سوريا ومنع إسقاطه، وهو ما لاطاقة لتركيا ولا للسعودية أن تواجهانه منفردتين أو مجتمعتين.
نظريا يبدو هذا الحلف ممكنا بل ومطلوبا، لاسيما أن باكستان تشكل إضافة أكثر من جوهرية له، وهي الدولة الإسلامية النووية الوحيدة في العالم، ولوجود هذا السلاح بحوزتها فوائد ردعية لا تضاهى، حافظت على استقرار باكستان وأمنها في وجه التهديدات الهندية لعقود.
طبعا من المستبعد حد الاستحالة أن تستخدم إسلام آباد سلاحا نوويا في حال دخلت الحلف الثلاثي وتدخلت في سوريا، ولكن مجرد وجود هذا السلاح يعطيها صورة الدولة المرهوبة الجانب والمزودة بأنياب فتاكة، ويجعل من اللعب معها خطرا للغاية، فضلا عن أنها دولة تملك أقوى سابع جيش على مستوى العالم، لديه خبرات وتقنية عسكرية لا يستهان بها، جعلت الهند التي تعد حوالي ملياراً و200 مليون شخص وتتلسح بالنووي تقف باحترام أمام إسلام آباد، وتتريث قبل التحرش بها.
لكن باكستان التي تتقارب في المساحة مع تركيا (الأولى حوالي 800 ألف كم مربع، والثانية 783 ألف كم مربع) تتباعدان اقتصاديا، فتركيا تتقدم على باكستان في مجال الناتج القومي بأكثر من 3 أضعاف، حيث يناهز مجمل ناتج تركيا 800 مليار دولار، بينما يقف ناتج باكستان عند حدود 247 مليار دولار سنويا، وهذا ما يجعل من تركيا عملاقا اقتصاديا يحجز مكانه ضمن الدول العشرين الكبرى، بينما لاتزال باكستان بعيدة عن هذا التصنيف.
ومما يزيد طين باكستان بلة في المجال الاقتصادي أن سكانها يزيدون بحوالي 105 ملايين نسمة عن تركيا، فسكان باكستان يتجاوزون 185 مليون نسمة، بينما لا يتخطون حاجز 80 مليون نسمة في تركيا، وهكذا فإن متوسط دخل الفرد التركي يقترب من 10 آلاف و500 دولار سنويا، فيما يتوقف متوسط دخل الباكستاني عند حد 1400 دولار، أي أقل بحوالي 11 ضعف من نظيره التركي.
ومن أجل سد هذه الفجوة الاقتصادية وتسديد أي فاتورة للتدخل العسكري المزمع، يبدو وجود السعودية ضروريا لتشجيع باكستان المقربة منها، بحكم علاقات التعاون السياسي والعسكري الكبير بين البلدين، وبحكم وجود نواز شريف في سدة الحكم بباكستان، وهو أقرب المقربين للرياض، بل والمدينين لها، حيث احتضنته بضعة سنوات، بعدد نفيه من باكستان، ليعود مجددا ويستعيد منصب رئيس الوزراء عبر انتخابات نظمت في أواسط 2013.
وليست السعودية ضرورة اقتصادية وحسب، بل هي قبل ذلك ضرورة شرعية لإسباغ طابع سني على التحالف المزمع، انطلاقا من أن السعودية تعد زعيمة العالم الإسلامي، لاحتضانها الأراضي المقدسة، مكة والمدينة.
من منطلق الرؤية النظرية، يبدو تحالف أنقرة والرياض وإسلام آباد ممكنا بل ومطلوبا، لمواجهة استحقاقات تدخل روسي إيراني كشر عن أنيابه الدينية والاستعمارية، الهادفة لابتلاع المنطقة وتغيير هويتها، وتبدو فرض هذا التحالف قائمة بنسبة كبيرة على الورق، نظرا للتكامل الذي يسوده، حيث تعوض كل دولة ما تفتقده الدولة الأخرى.
لكن التحالف الذي ينشط الحديث عنه، يبدو عمليا أمرا بعيدا ومعقدا في ظل المقاومة الشرسة التي ستسعى لإجهاضه، وقد تتفق على إفشاله كل من واشنطن وموسكو وإيران، وبشكل لم يسبق للعواصم الثلاث أن اتفقت عليه حيال كثير من المسائل.
أما وقوف القوى الدولية والإقليمية ضد التحالف الثلاثي المنتظر، فلا يحتاج لكثير تحليل، إذ إن من شأن تحالف كهذا ولو كان مؤقتا أن يبدل الخرائط ويغير توازنات القوى بشكل لايرضى طموحات الدول المتحكمة ببوصلة الصراعات وسوق السلاح، هذا على أقل تقدير، وهذا إذا استبعدنا الحساسية الدينية البالغة التي يمكن أن يثيرها تحالف أكبر 3 دول سنية على مستوى العالم.
لقد حاولت تركيا خلال السنوات الأخيرة أن تتدخل في تغيير معادلات القوى في المنطقة العربية، لكنها لم تستطع أن تنجح في مهمتها كما كانت تخطط، وما زالت تحاول أن تغير في الوضع السوري خصوصا، كونه الأقرب لها والأكثر تأثيرا بها، ومع كل ما بذلته أنقرة بقي الوضع بين مد وجزر بعيدا عن الحسم أو حتى مقدماته.
لكن دخول باكستان بعلمها ذي النجمة والهلال على خلفيته الخضراء، كفيل -إن حدث- بتغيير واضح وربما جذري على مستوى الوضع السوري، الذي سيكون بمثابة حجر دومينو ستتبعه تغييرات أخرى ربما يكون أهمها في مصر، وهذا ما يعقد مهمة تشكيل الحلف الذي يراد له أن يكون محصور المهمة، لكن ذلك لن يكون، فالدوائر التي يحدثها إلقاء صخرة كبيرة في البحيرة لا يمكن أن تقارن بالدوائر الناجمة عن إلقاء حجر صغير أو متوسط الحجم.