نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” البريطانية تقريرا مفصلاً عن الدولة الاسلامية “داعش” وطبيعة الحياة في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم ولماذا يهرب السوريين إلى تركيا, لافتة إلى أن التنظيم بات اليوم يواجه ظروفا صعبة بعد مهاجمة قوافل النفط التي يهربها الامر الذي دفعه إلى اللجوء إلى فرض الضرائب على المواطنين السوريين.
وفي التفاصيل تقول الصحيفة إن مراسلها بن هابارد، التقى في مدينة سالين أورفا التركية العديد من السكان السابقين في مناطق “تنظيم الدولة”، ومنهم مهندس بترول قبل عرضا مغريا للعمل في المنشآت النفطية السورية، بعدما توقفت الحكومة السورية عن دفع راتبه.
وقد حصل على 3 أضعاف راتبه الأصلي عندما قبل التعاون مع الجهاديين في مشروع “دولتهم”. ولكنه اكتشف أن النفط الذي يملأ الشاحنات يستخدم في تمويل نشاطات التنظيم العسكرية “اعتقدنا أنهم يريدون التخلص من النظام واكتشفنا أنهم لصوص”.
ويعلق الكاتب أن مشروع “تنظيم الدولة” يواجه مشكلة أكثر من الوقت السابق، وذلك بحسب شهادات مع عدد من الأشخاص الذين فروا حديثا من مناطق الدولة. فنتيجة للغارات الجوية التي تشنها عدة دول وخسائره أمام المقاتلين الأكراد بدأت تظهر تصدعات في مشروع التنظيم.
وتقول الصحيفة إن بعض المقاتلين قبلوا تخفيضا في رواتبهم وقرر آخرون التوقف عن القتال وتسللوا بهدوء إلى خارج مناطق الدولة, ومع تراجع معدلات تهريب النفط وتجارته باتت “الدولة” تعتمد على الضرائب المفروضة على المواطنين التابعين لها.
ويرى الكاتب أن الضغوط التي يعاني منها التنظيم قد تقدم فرصة لأعدائه وهم كثر للتقدم وإنهائه. ومع ذلك فهي ضغوط لا تؤشر إلى قرب نهايته. فما هو غائب عن إستراتيجية الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها في قتال التنظيم، هي القوات البرية كي تزحف نحو معاقله في سوريا والعراق.
ونقل التنظيم المعركة من داخل مناطقه إلى الخارج من خلال العمليات الكبيرة ويستثمر بشكل واسع في الفروع الأخرى له، خاصة في ليبيا، حيث يبرز “تنظيم الدولة” هناك واحدا من أقوى فروعه على البحر المتوسط.
ورغم كل هذا، فحلم الدولة على الأراضي السورية والعراقية، والذي كان أحد أهم الملامح الذي ميزته عن تنظيم القاعدة ومن خلالها، جلب أعدادا كبيرة من المقاتلين، يتعرض للخطر.
ومع أن الدعوة للدولة الإسلامية لا تزال تحدث أثرها على وسائل التواصل الاجتماعي إلا أنها بالنسبة للسكان تظل دعوات فارغة، حيث يفرون بأعداد كبيرة بسبب الفقر وزيادة الغارات الجوية التي يقوم بها التحالف الدولي ضد تنظيم يراه عدد كبير من المسلمين السنة أنه عصابة إجرامية منظمة وليس مدافعا عنهم.
وتقول الصحيفة إن الكثير من السكان الذين قرروا البقاء بعد دخول الجهاديين لمناطقهم يدفعون الآن مالا للمهربين، كي يخرجوهم عبر نقاط التفتيش التي تمنعهم من الخروج.
ونقلت عن مدرسة من دير الزور فرت منها الشهر الماضي إلى تركيا “هناك الكثير من الناس يهاجرون”. وأضافت أن “تنظيم الدولة” يرغب في إقامة “مجتمع جديد وسينتهي وحيدا”. فعندما أغلقت المدارس الحكومية قامت بإنشاء مدرسة غير رسمية ظلت مفتوحة حتى وصول الجهاديين الذين فرضوا على المدارس لباسا موحدا “الجلباب” الذي أجبرت النساء على ارتدائه.
ورغم وحشية التنظيم وقسوته، إلا أنه دائما ما اعترف بأهمية توظيف الخبراء والعمال المهرة وبناء مؤسسات فاعلة على غرار الدولة.
وعادة ما ينشر دعايات وإعلانات يطالب فيها الموظفين وأصحاب الكفاءات بالقدوم من كافة أنحاء العالم الإسلامي إلى “أرض الخلافة”، وفي واحد من أعداد المجلة الناطقة باسمه “دابق”، جاء فيه إن الخلافة “تحتاج أكثر من أي وقت مضى للخبراء والحرفيين والمتخصيين الذين يمكنهم المساعدة في تقوية بنائها والوفاء باحتياجات إخوانهم المسلمين”.
ولكن الاستجابة للدعوة لم تكن قوية، وهو ما ترك التنظيم أمام تحديات كبيرة لإصلاح معدات النفط وشبكات الكهرباء وتوفير المعدات الطبية، كما يقول سكان الدولة السابقين.
وبحسب صيدلي من شرق سوريا “ليس لديهم حرفيون، ولهذا فعليهم دفع المال للناس كي يقوموا بالمهام”.
وجزء من مشكلة الإدارة في مناطق التنظيم هي أنه منح الوظائف بناء على الولاء وللأشخاص غير المؤهلين للقيام بها. فمثلا يدير الخدمات الطبية في واحدة من البلدات عامل بناء سابق، كما إن مدير أحد الحقول النفطية كان تاجر تمور حسب موظف سابق.
وفي مدينة الرقة العاصمة الفعلية للتنظيم تم إغلاق المستشفى الوطني، الذي ظهر في كل أشرطة الفيديو الدعائية، بسبب هروب الكثير من الأطباء حسب عمال الإغاثة.
وبسبب منع الأطباء الذكور من تقديم العلاج للنساء وجدت بلدة نفسها من دون خدمة صحية حسب صاحب صيدلية. وحاول الجهاديون ملء الفراغ من خلال توظيف القابلات.
ولا يعتبر غياب الخدمات السبب الرئيس وراء هروب السكان بل الضرائب الباهظة المفروضة عليهم باسم الزكاة. ويحصل الجهاديون على ضريبة سنوية عن كل شيء مثل المحاصيل والمواشي وضريبة عن المحلات التجارية.
ويفرض الجهاديون مخالفات على من لا يلتزم بالزي الشرعي أو يقبض عليه متلبسا بجرم التدخين. وهناك الكثير من السكان الراغبين بالفرار من الدولة إلا أن عملية الهروب باتت صعبة بسبب القيود التي يفرضها التنظيم على حركة الناس.
ودفع نايف الأسد (55 عاما) 150 دولارا عن كل فرد من أفراد عائلته، وهم عشرة، كي يتم تهريبهم من بلدة الشدادي القريبة من الحدود التركية. وفي الطريق داس شخص على لغم مما أدى لمقتل ابنته وزوجها واثنين من أبنائها وقريب آخر.
ولا يزال التنظيم يمارس الترويع ضد السكان ويخشى من هربوا إلى تركيا من تعرضهم لهجمات يقوم بها عملاؤه في جنوب تركيا.
ويقول عامل النفط السابق إن الحكومة السورية كانت تمنحه راتب 150 دولارا في الشهر قبل أن تخفضه في مارس العام الماضي، وبعد ذلك وظفه “تنظيم الدولة” للعمل في نفس الحقل وأعطوه في البداية 450 دولارا وارتفع لاحقا إلى 675 دولارا في الشهر.
وقال إنهم دفعوا له راتبا جيدا لعدم وجود من يقوم بالمهمة. ولحاجة “تنظيم الدولة” لخبراته ضبطوه مرة وهو يدخن لكنهم غضوا الطرف عن الجريمة التي يعاقب مرتكبها بالجلد والغرامة المالية. وبدأ لاحقا بالقلق حول وضع التعليم والصحة وسكنه شعور بأنه سينقل إلى العراق للعمل هناك، ولهذا دفع مبلغا لأحد المهربين ليخرجه وزوجته وأبناءه الثلاثة إلى تركيا، ووصل إلى اليونان بالقارب على أمل الهجرة إلى ألمانيا.
ومثل غيره يرى أن وعود الجهاديين بالدولة لم تتحقق مضيفا أن الدعم الشعبي مهم وهو ما لم يحصل مقاتلو الدولة عليه.
ورغم حالة الحصار المفروضة على التنظيم وشهادات المواطنين السابقين لديه، إلا أن قادة التنظيم طوروا شبكة محكمة من العلاقات مع تجار السوق السوداء، وهم من يقومون بتوفير السلاح والذخيرة له ولمقاتليه في عموم “الدولة”.
وقبل أيام، كتبت إريكا سولومون وأحمد ميهدي تقريرا من جنوب تركيا وقابلا فيه أبو علي الذي كان يبيع السلاح لجماعات المعارضة في شرق سوريا.
ويتذكر قبل عامين كيف جاء إليه قياديان من التنظيم واعتقد أن أيامه صارت معدودة عندما نزلا من سيارة بيكب وقدما له ورقة كتب عليها “يسمح لهذا الشخص بشراء وبيع كل أنواع السلاح داخل الدولة الإسلامية”.
وقال أبو علي إن الورقة كانت مختومة بختم “مركز الموصل”. فبدلا من ملاحقة أو سجن أو منعهم وجد تجار السوق السوداء أنفسهم محلا لاهتمام الجهاديين، وتم استيعابهم في نظام معقد للإمدادات الذي يجعل أكثر الأنظمة ثراء مكتفيا من الأسلحة والذخيرة. ويقول أبو علي إنهم “يشترون مثل المجانين، ويشترون كل يوم: في الصباح والمساء والليل”.
وفي صيف عام 2014 عندما تقدم مقاتلو “داعش” في العراق واحتلوا الموصل ومدنا عدة في شمال العراق سيطروا على كميات كبيرة من الأسلحة تقدر قيمتها بملايين الدولارات.
ومنذ ذلك الوقت راكم التنظيم من ترسانته العسكرية بعد كل معركة خاضها وكسبها. وتضم المعدات التي حاز عليها عربات مصفحة أمريكية الصنع من نوع “أبرامز” وبنادق من نوع أم16 ومقذوفات صاروخية غنمها من الجيش العراقي وبنادق روسية الصنع من نوع أم-40 غنمها من الجيش السوري.
ولكن تجار الأسلحة يقولون إن هذه الترسانة بحاجة لغذاء دائم وهي الذخيرة. فهناك طلب دائم على ذخيرة للكلاشينكوف والبنادق والرشاشات المتوسطة العيار وذخيرة للصواريخ المضادة للطائرات (14.5 و 12.5 ميليميتر) ويشتري “تنظيم الدولة” أيضا مقذوفات صاروخية ورصاص لبنادق القناصة ولكن بكميات قليلة.
وترى الصحيفة أنه من الصعب حساب فاتورة المشتريات من الأسلحة التي يحصل عليها التنظيم ولكنها تقدر بالملايين. ففي بداية هذا العام احتاج التنظيم في معركة من معاركه التي خاضها على خطوط النار في شرق دير الزور كميات من الذخيرة وصلت قيمتها، في كل شهر، مليون دولار وذلك حسب شهادات من مقاتلين وتجار سلاح.
واحتاجت معركة أخرى استمرت أسبوعا قرب المطار إلى مليون دولار إضافية. وتعلق الصحيفة أن حاجة التنظيم للذخيرة تكشف عن تكتيكاته في المعركة، فهو يعتمد على الشاحنات المحملة بالذخائر والتي يقودها انتحاريون، وكذا يعد أحزمة انتحارية وقنابل معدلة محليا في أثناء تقدمه، أو عندما يتراجع من ساحات المعارك.
هذا بالإضافة لاعتماد التنظيم على الهجمات المفاجئة والقصف المكثف من الكلاشينكوف والرشاشات التي تستهلك عشرات الألوف من الرصاص في اليوم الواحد.
ولتأمين الذخيرة يدير التنظيم شبكة معقدة من الدعم اللوجيستي يشرف عليها المجلس العسكري تشبه الطريقة التي يدير من خلالها عمليات تهريب وبيع النفط الذي يعتبر من أهم مصادر الدخل التي تعتمد عليها “الدولة”.
ويعتبر المصدر الرئيس للذخيرة هو الميليشيات الشيعية المؤيدة للحكومة العراقية، والتي تقوم ببيع ذخيرتها إلى تجار السوق السوداء، والذين يبيعونها بدورهم لـ”تنظيم الدولة”.
وفي سوريا يعتمد مقاتلو التنظيم على خصومهم في الحرب ذات الأبعاد الثلاثية بين قوات بشار الأسد والمعارضة السورية التي تريد الإطاحة به و”تنظيم الدولة”.
وفي هذه الحرب يلعب تجار السوق السوداء دورا مهما. فتجار مثل أبو علي هربوا عندما طلب منهم التعاون معهم، لكنَ آخرين مثل أبو عمر انغمسوا في التجارة. ونقل عنه قوله: “نستطيع الشراء من النظام والعراقيين والمقاتلين، ولو استطعنا الشراء من الإسرائيليين لما اعترضوا طالما حصلوا على السلاح”.
ومن يوافق على التعاون مع الجهاديين من تجار السلاح الأسود يحصلون على بطاقات هوية تستصدرها مؤسستان أمنيتان تابعتان للتنظيم. ويسمح التنظيم للتجار بالتعامل بالسلاح طالما باعوه للتنظيم وبشكل حصري.
وتشير الصحيفة إلى أن منافسي التنظيم مندهشون من قدرة المقاتلين على نقل كميات كبيرة من الأسلحة أثناء القتال. وأفاد التقرير أن مقاتلي البيشمركه في شمال العراق عثروا على وثائق تفصل شحنات أسلحة وذخيرة طلبت لاستخدامها في المعركة التي انتهت.
ونقل عن مسؤول أمني قوله “وصلت الشحنات لهم خلال 24 ساعة بالسيارة. ويتحدث المقاتلون وتجار السلاح عن فعالية وكفاءة لدى التنظيم عندما يتعلق الأمر بتوفير الأسلحة. ويشيرون إلى سرعة في الاتصالات. ويتولى فريق متحرك المهمة ويقوم بالاتصال مع “مراكز” السلاح في كل ولاية من أجل الحصول على طلباتها المتعلقة بالذخيرة وتأمينها للأمراء.
وفي بعض الأحيان يسمع أمراء المناطق العسكريون وهم يتحدثون مع مراكز السلاح على اللاسلكي. وتصدر مراكز السلاح كل عدة أيام قائمة بأسعار الأسلحة كالقنابل والرصاص المطلوبة.
ويقول تجار السلاح إنهم كانوا يحصلون على عمولة تتراوح ما بين 10إلى 20%. ويوضح أبو أحمد أن أسعار الذخيرة في ارتفاع دائم بسبب تشديد الأتراك الرقابة على الحدود والحملات الجوية التي أبعدت التنظيم كثيرا عن مناطق الحدود.
ويكشف أبو أحمد أن الأيديولوجية لا تهم كثيرا عندما يتعلق الأمر بالربح “فهناك تجار يكرهون داعش، ولكن هذا لا يهم طالما حققوا أرباحا”.
ويستخدم تجار السلاح الشاحنات والعربات التي تنقل موادا غذائية وخضروات ومواد بناء ويخفون بينها السلاح، كما يتم استخدام الشاحنات التي تنقل الوقود.
ويقول أبو عمر إن الجهاديين يحبون المنتجات الروسية، ولكنهم يشترون السلاح الإيراني لرخصه.