(وعد الأحمد-وطن-خاص)- سُئلت الممثلة الفرنسية الكبيرة “كاترين دونوف” ذات يوم: “ماذا يقول وجهك عندما تنظرين في المرايا ؟ أجابت : لن أنتظر حتى ينهار قلبي، سأظل عاشقة، وأغرز أظافري في النار، قيل لي عندما كنت مراهقة أنني أسطورة صغيرة تليق بالحكايات التي تُروى في الليالي التي يكثر فيها اللهاث وراء القمر، هذا الكلام لازمني كما الظل، أنا الظل لذلك الظل، وتابعت دونوف: “قد تقولون أنني أخشى الاغتسال بالذكريات، هذا صحيح ، لا أكون وحيدة حين أنظر في المرايا. لا أدري لماذا أشعر بأن الأزهار تتبعني. لم تتعب قدماي ، ولن أدع الغبار يقترب من قلبي ، لكن القراءة التي قد تكون مكاني الأخير ترسم بعض العصافير على يدي.
إنها المرآة ليست مجرد سطح زجاجي مصقول نرى فيه صورتنا وهيئاتنا، بل هي أشبه بكائن يختزن في ثناياه أحلامنا وخيالاتنا وذاكرة أيامنا، ويعكس دواخلنا أيضاً وليس ملامحنا الخارجية فحسب.
وإذا كان كل شيء يتبدل، الملامح ،الثقافة ، المرأة السياسة …فإن المرآة وحدها بقيت ثابتة دون تغيير، دورها الوحيد هو أن تنقل إلينا ملامحنا بصدق … تعرضنا كما نحن و”إذا كانت المرآة تُنسي ما كنا عليه قبل أسابيع أو سنوات، أو حتى لحظات، فنحن دائما في نظرها، الهيئة في اللحظة الحالية” كما يقول الأديب الجزائري الراحل الطاهر وطار- مضيفاً : “لكي يكون للمرآة ذاكرة، علينا أن نغمض عينينا ونحن ننظر إليها”.
ولكن ما الذي تعنيه المرآة لكلٍ منا، هل هي مجرد سطح مصقول يعكس صور وجوهنا أم هي حيِّز يختزن أحلامنا وخيالاتنا.
حول المرآة ودلالاتها النفسية والاجتماعية كان لـ”وطن” هذا التقرير:
” المرآة موجودة داخلنا قبل أن تكون خارجنا”هكذا قال الشاعر “عدنان المقداد” واصفاً ما تعنيه المرآة بالنسبة له وأضاف: “بقدر ما تكون المرآة مصقولة لا تخبىء تفاصيل الصورة، نحن من يعطي للمرآة ماهيتها، وموقفنا منها هو موقفنا من أنفسنا في نفورنا وإقبالنا، قد نمر بها ونهملها، قد نتجاهلها تخفيفاً للضغط وهروباً من الحقيقة بحكم الرغبة والخوف، المرآة وما أدراك ما المرآة هي التي لا تراك أبداً، إلا حين تنظر إليها وهي الفراغ المفتوح على احتمالات الخارج وهي التي تأخذ العمق الممتد وراءك، لترميه أمامك فتتوهم اتساع المستقبل من اتساع الماضي فيما أنت قد قطعت جلَّ الطريق .. وللحديث دوماً بقية.
عين فاضحة تكشف عوالم الذات
وترى الفنانة السورية المغتربة “منى رستم” أن المرآة هي ذاك السطح الشفاف الذي يمتص تفاصيل الصور ، يحلل انفعالاتها ، يرسمها شيفرة معقدة الرموز حتى إذا انغمست في غشاوة طافحة يبقى لها اللغة والمعنى والبعد الواسع، وتضيف رستم “للمرآة عين فاضحة تكشف عوالم الذات وقلب يخفق بدلالات تتمحور في إشعاعات صادقة وحقائق لا يمكن إخفاؤها ، تخاطبك بصمت قد لا تُحسن فك رموزه حتى ولو تغير إسقاط الضوء عليها واعترتها العتمة تبقى لها لغتها الخاصة وصوتها الذي لا يمكن أن يسكت أبداً” .
القصة هي مرآة كاتبها
ويجري الناقد والقاص السوري سامر الشمالي مقارنة بين القصة والمرآة في كتابه “وجوه ومرايا” حيث يقول: “القصة هي مرآة كاتبها يرى فيها وجهه مثلما يرى فيها القارىء وجهه أيضا، إضافة إلى وجه مؤلفها ووجوه من حوله القصة مرآة سحرية لا تكتفي بعكس المشاهد التي أمامها فقط بل تستحضر الكثير من الصور دون أن يكون للمسافات المكانية أي تأثير على صدق صورها كما المرآة تماما وكذلك تستحضر الزمن الماضي والحالي والآتي دون أن يفقد الزمن خصوصيته التاريخية ، القصة مرآة عجيبة لا تكتفي بتقديم الصورة المادية، بل تجسد على صفحتها توق الروح وخلجات النفس ، واضطرابات المشاعر ونزق الأحاسيس كما هي المرآة تماماً
المرايا صديقات حميميات
وتقول الطالبة مادلين مصطفى– سنة ثالثة أدب انكليزي – اربد : “في بيتي الكثير من المرايا منها ما يشجعني على التحديق بها كثيراً ومنها ما يدفعني إلى تجاهلها وكأن المرايا صديقات حميميات لي حيث هناك الأفضل والأسوأ وأحياناً أشعر بالرغبة في تحطيم المرآة التي لا تعجبني لكن ماذا أفعل لو كنت في أحد المطاعم وخذلتني المرآة وأنا بأمس الحاجة إليها ? إذا لابد من العودة إلى المنزل بأسرع وقت, لو اختفت المرايا من حياتنا كنت سترى كل البنات يتوجهن إلى برك المياه, من أجل أن يرين صورتهن فيها كما فعل “نرسيس” الأسطوري الذي بقي يحدق في صورته في المياه إلى أن وقع ومات ومن هنا جاءت تسمية النرجسية أو”حب الذات” .
مرآة الانسان هي روحه
وللمدرسة “أمل العلي” رأي مختلف فهي تعلق قائلة: “لا تعني المرآة لي شيئاً, لا أحبها ولا أكرهها ولا اصطحبها معي, كما أنني لا أبعدها عن حياتي نهائياً, أحتاجها لكي أخرج من بيتي أنيقة, ولكنني لست مهووسة بها أبدا كغيري من النساء .
وتشرح الكاتبة “سميرة عواد” علاقتها بالمرآة قائلة: لا أحب طريقة تعلق النساء والفتيات بشكل خاص بالمرآة ,وأرى في الأمر دليل نقص، لأن الاهتمام بالمظهر بشكل مبالغ فيه يجعلنا نشك في مزايا الفتاة الأخرى, العفوية شي يجب ألا تتخلى عنه البنت والبساطة محببة للشاب أكثر من الزركشة والتصنع والتبرج المبالغ به ، ما يهمني أن يقال عني أنني مثقفة وواعية وناضجة وعفوية وغيرها من الصفات الإنسانية الراقية, وأعتبر أن مرآة الانسان هي روحه وحسب.
أميرة الثلج
دخلت المرآة كعنصر هام من العناصر المستخدمة في الممارسات الاعتقادية في الوسط الشعبي السوري، فإذا انكسرت مرآة أو أي إناء زجاجي يقولون ” انكسر الشر ” لاعتقادهم أن فيها شر كامن لأحد أفراد الأسرة كان يمكن أن يحيق بأحدهم إلا أن هذا الشر زال بانكسار المرآة ، كما يعتقد العامة في سورية أن النظر في المرآة ليلاً غير محمود فقد يكون النظر فيها مجلبة لمخلوقات شريرة ولاسيما بالنسبة للأطفال ، وللمرآة حضور كبير في حكايات الأطفال وكلنا قرأ أو سمع قصة المرايا السحرية التي يرى الإنسان نفسه فيها وهو يضحك مرة ويبكي مرة أخرى .وقصة ” أميرة الثلج – سنهوايد والأقزام السبعة ” التي تحكي عن مرآة عجيبة متكلمة تسألها الخالة الشريرة عن أجمل امرأة في العالم فتخبرها أن أميرة الثلج ابنة زوجها هي الأجمل، وبحسن نية تتسبب هذه المرآة في محاولة الخالة الشريرة قتل “أميرة الثلج” لتكون هي أجمل امرأة في العالم، وكذلك نجد المرآة السحرية في قصص ألف ليلة وليلة وهذه المرآة تُري من يملكها أي شيء يريد أن يراه.