كتب مصطفى سعدون : يحلم يهود العراق الذين أخرجوا من البلاد عنوة، أو هاجروا بسبب الاضطهاد والاعتداءات عليهم قبل أكثر من ستّة عقود، بالعودة إلى الوطن الأمّ، إذ ما زالوا يشعرون بالحنين إلى معابدهم والأزقّة التي ترعرعوا فيها. هذا الحلم صعب التحقيق، بيد أنّه بدأ على أيّ حال من إقليم كردستان العراق.
يعود تاريخ وجود اليهود في أرض الرافدين إلى نحو عام 721 قبل الميلاد، حيث مارسوا دوراً مهمّاً في الحياة الاقتصاديّة والثقافيّة. إلّا أنّهم منذ أربعينيّات القرن الماضي، تعرّضوا إلى اعتداءات منظّمة، إذ جرى قتل أعداد منهم، وسرقت منازلهم ونهبت، فهاجروا إلى أوروبّا وأميركا وإسرائيل. جرى كلّ هذا تزامناً مع صعود الحركة الصهيونيّة في فلسطين وطرد العرب منها وتأسيس دولة إسرائيل، في حين لا يدّ ليهود العراق في هذا العمل.
سكن أغلب اليهود في العاصمة بغداد، ولهم معابدهم وطقوسهم الخاصّة التي كانوا يمارسونها في شكل طبيعيّ. وكان وزير الماليّة الأوّل بعد تأسيس الدولة العراقيّة في عام 1921 يهوديّاً إسمه حسقيل ساسون الذي تسلّم الوزارة لمدّة عامين بين 1921 و1923، وعرف عنه التزامه ومهنيّته في قيادة الوزارة.
في 13 تشرين الأوّل/أكتوبر المنصرم، أعلنت حكومة إقليم كردستان العراق عن افتتاح ممثّليّة للديانة اليهوديّة في وزارة الأوقاف والشؤون الدينيّة. وقال المتحدّث بإسم الوزارة في حكومة إقليم كردستان العراق ميروان نقشبندي لـ”المونيتور”: “إنّ برلمان الإقليم أصدر في شهر نيسان/أبريل الماضي قانون حقّ الأقلّيّات، وجرى التصويت عليه بإجماع تامّ، قبل أن يصادق عليه رئيس الإقليم مسعود بارزاني. ويعطي هذا القانون الحقّ لكلّ ديانة لديها أتباع في الإقليم لإنشاء ممثّليّة لها وممارسة طقوسها بكلّ حريّة.
وأشار نقشبندي إلى وجود “أكثر من 300 عائلة يهوديّة تعيش في الإقليم، والعدد يزداد في كلّ يوم، لذا جرى افتتاح ممثّليّة لهم مثل الديانات والطوائف الأخرى، وأصبح من حقّ اليهود تقديم المشاريع الخاصّة بهم إلى حكومة الإقليم وبناء المعابد، عبر ممثّليّتهم في الحكومة”.
وأضاف أنّ “هناك أعداداً كبيرة من العوائل اليهوديّة تنوي العودة من الخارج والعيش في الإقليم، لأنّها ترى فيه مكاناً آمناً، خصوصاً وأنّها أكّدت عدم مشاركتها في العمليّة السياسيّة ودخولها فيها”.
من جانبه، قال المتحدّث باسم رئيس الحكومة العراقيّة حيدر العبادي، سعد الحديثي لـ”المونيتور”: “إنّ افتتاح ممثّليّة لليهود في إقليم كردستان العراق خطوة مرحّب بها، شرط أن تكون بعيداً عن نفوذ دولة إسرائيل، لأنّ العراق يرفض أيّ علاقات مع هذه الدولة”.
وعمّا إذا كان هناك طلب لافتتاح ممثّليّة لليهود في بغداد والمحافظات الأخرى، قال الحديثي: “ليس لديّ علم بوجود أيّ طلب، لكنّ عدد اليهود الموجودين في بغداد لا يرتقي إلى افتتاح ممثّليّة لهم مثل باقي المكوّنات، لأنّ افتتاح الممثّليّات يخضع إلى حجم السكّان”.
تذكيراً بالماضي، يرى يهود العراق أنّ القرار الذي أصدرته الحكومة العراقيّة في عام 1950 بإسقاط الجنسيّة العراقيّة عنهم هو قرار عنصريّ تمييزيّ مجحف في حقّهم، إضافة إلى أنّ حكومة نوري سعيد في العهد الملكي نفسها زادت الأمر إجحافاً بإصدارها في الثالث من تشرين الأول / إكتوبر عام 1951 قانوناً يجمّد أموال كلّ من أسقطت عنه الجنسيّة.
وقال آراز شكري (اسم مستعار)، وهو أحد اليهود العراقيّين الموجودين في إقليم كردستان العراق لـ”المونيتور”: “إنّ وجودنا في العراق ليس جديداً. نحن نعيش في هذا البلد منذ آلاف السنين، وهناك من عمل قبل أكثر من نصف قرن على طردنا من العراق وتهجيرنا إلى دول أخرى، ومن حقّنا أن نعود إلى بلادنا”.
وأضاف: “هناك عوائل يهوديّة تعيش في إسرائيل وتنوي العودة إلى العراق والعيش في إقليم كردستان، لأنّها تشعر بأنّ الوجود في العراق والعيش فيه جزء من تاريخها ووجودها في هذا العالم. وعلى الرغم من أنّ كلّ شيء متوافر لهم في إسرائيل، لكنّ العراق يمثّل الوطن الأمّ بالنسبة إليهم”.
وقالت الباحثة في شأن يهود العراق إسراء خالد في حديث إلى “المونيتور”: “كان يجب العمل بقرار حكومة كردستان مباشرة بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، على الرغم من إصداره المتأخر، إلّا أن القرار مهمّ ويحسب لصالح حكومة الإقليم التي تضمّ أقدم الطوائف في العراق والعالم وأعرقها، إذ لا يزال العديد من الأسر اليهوديّة الكرديّة تسكن الإقليم حتّى هذه اللحظة، لكنّها تخفي انتماءها الدينيّ، خوفاً من الاضطهاد المجتمعيّ”.
وتمنّت خالد من الحكومة الاتّحاديّة “افتتاح ممثّليّة خاصّة بيهود بغداد وباقي المحافظات، بوصفهم عراقيّين تركوا البلاد من دون ذنب بعدما مورست في حقّهم أبشع أساليب العنف، ليتركوا وطنهم الأمّ ويهاجروا وفي داخلهم حنين إلى أرضهم التي عاشوا فيها قبل آلاف السنين”.
وأشارت خالد إلى أنّ “على حكومة الإقليم القيام بمهام كثيرة من بينها حماية اليهود، والاعتراف بانتمائهم الدينيّ، وتوفير الفرصة لمشاركتهم في العمليّة السياسيّة، وترميم معابدهم والأضرحة الخاصّة بهم، وتوفير الحماية لهم عند زيارتها وممارسة طقوسهم مثل باقي الديانات في الإقليم”.
تعدّ عودة اليهود إلى إقليم كردستان العراق خطوة إيجابيّة، وفي إمكانها أن تستمرّ في شكل طبيعيّ، لكنّها لن تكون كذلك، على الأمد القريب، في باقي مدن العراق التي لا يفرّق سكّانها بين الإسرائيليّين واليهود والصهاينة، إذ عمل نظام صدّام حسين على ترسيخ فكرة أنّ اليهود هم أعداء العراق، وأنّ العداء مع إسرائيل يضمّ اليهود لبيه.