يمر اليوم 3 سنوات ونصف على اعتقال الشيخ سلطان بن كايد القاسمي والذي أثار مشاعر الاستنكار والاستهجان الشعبي واسع النطاق على استمرار هذا الاعتقال غير المبرر، كما تصفه تقارير حقوق الإنسان وتدينه كل منظمات حقوق الإنسان.
الشيخ القاسمي المعتقل في السجون الإماراتية، لم يثبت فقط أن اعتقاله باطلا قانونيا ووطنيا وإنما أثبت أن ما اعتقل من أجله هو حق الإمارات والإماراتيين عليه.
فمن هو الشيخ المعتقل؟ ولماذا اعتقل ومن أجل ماذا؟ وماذا يريد الشيخ المعتقل؟ وما هو مضمون مقال “من أجل كرامة المواطن” سبب اعتقاله المباشر؟ وماذا لقي أثناء هذه السنوات الثلاث؟
من هو الشيخ المعتقل
الشيخ الدكتور سلطان بن كايد القاسمي هو أحد أبناء أسرة القواسم الحاكمة في إمارة رأس الخيمة، وهو ابن عم حاكم رأس الخيمة الشيخ سعود بن صقر القاسمي. ويصف الشيخ المعتقل علاقته بحاكم رأس الخيمة السابق الشيخ صقر بأنها كانت تقوم على الثقة والاحترام، كما يصف في حديث إعلامي بتاريخ (26|12|2005).
والشيخ القاسمي هو رئيس جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي برأس الخيمة، وهو من المؤسسين الأوائل لها وأصحاب الدور الواضح في مسيرتها الاجتماعية والخيرية والثقافية والشأن العام، وكان من بين المتقدمين لطلب ترخيص هذه الجمعية للشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم عام 1974، والتي لم يمنحها الترخيص فقط، وإنما قدم لها كل دعم وتشجيع متبرعا بالمقر الرئيس لها في دبي إلى جانب تكفله بتشييد فرعين آخرين على نفقته الخاصة، وفق مؤرخين لمسيرة دعوة الإصلاح.
وهو خبير تربوي مشهود له بالكفاءة والإنجازات المهمة في تطوير عمل وزارة التربية والتعليم، أسس عدداً من الإدارات التربوية الفنية المتخصصة فيها، وهو رئيس جامعة الاتحاد.
ملامح من شخصية الشيخ القاسمي
اتسم الخطاب العام للشيخ سلطان بالهدوء والاتزان وإدراك خصوصية الشعب الإماراتي والمتطلبات الفعلية لدولة الإمارات من مشروعات إصلاحية. لذلك، فالشيخ سلطان بالتعبير عن نفسه أو بالتعبير عن دعوة الإصلاح، لم يطرح نفسه يوما بديلا عن أحد، ولم ينازع أحدا موقعه ومكانته.
وكان الشيخ المعتقل من أوائل الموقعين على عريضة الثالث من مارس 2011 التي طالبت بضرورة تطوير التجربة الديمقراطية، بشقها المتعلق بانتخاب المجلس الوطني والسماح للشعب الإماراتي كافة بالترشح والانتخاب، وتطوير صلاحياته.
مقال “من أجل كرامة المواطن” إثر رفع العريضة لرئيس الدولة، شنت أجهزة الأمن الإماراتية حملة اعتقالات وسحب جنسيات من كبار أعضاء دعوة الإصلاح ومثقفيها.
وإزاء ذلك كتب القاسمي مقالا بعنوان: “من أجل كرامة المواطن”، قال فيه: الوطن بالمعنى المجرد يتكون أساساً من أرض وبشر، وإن اللحظة التي نفرط فيها بواحد من إخواننا مواطني هذه الأرض الطيبة، لا تختلف عن اللحظة التي نفرط فيها بقطعة من أرض الوطن”.
وأضاف: “إذا استمر تقديس القرارات الخفية لجهاز أمن الدولة فسيأتي غداً على جميع مكتسبات الوطن في حرية الإنسان وكرامته”. وبكل ثقة بالشباب الإماراتي قال: لقد تغير الزمان، وشعوبنا لم تعد بسيطة بدائية، وأصبح وعيها بحقوقها ليس كما كان في زمن الآباء والأجداد، وانكسر حاجز الخوف وانتهى، فلا نكسر حاجز الحب والاحترام بأيدينا. إن دعوة الاصلاح ستبقى متمسكة بمنهجها الوسطي المعتدل”.
واستطرد الشيخ المعتقل، “إن الموت أهون على الإنسان من أن تسقط جنسيته، ثم يتبع ذلك بحملة إعلامية شعواء لتشويه صورته، وأي جانب من الصورة؟ إنها ولاءه لوطنه، وطنه الذي يفديه بالغالي والرخيص”.
وندد الشيخ القاسمي بجهاز أمن الدولة في مقاله، “إن جهاز الأمن الذي تبنى هذا القرار الجائر لتقديمه أمام صاحب السمو الوالد الشيخ خليفة حفظه الله، لا يؤتمن أن يتبنى غداً أي قرار آخر غير محسوب العواقب على أمن الوطن وكرامة المواطن”.
وناشد الشيخ القاسمي رئيس الدولة، بإطلاق “مبادرة حكيمة توازن بين هيبة الدولة من جهة وكرامة المواطن من جهة أخرى. “بتحرير الحياة المدنية من الهيمنة الأمنية” والحد من الصلاحيات المطلقة لجهاز الأمن.
اعتقال الشيخ القاسمي ومحاكمته
وفي العشرين من أبريل 2012 وبعد أيام قليلة من اقتحام الرئيس الإيراني السابق أحمد نجاد للجزر الإماراتية المحتلة بزيارة استفزازية، وفي حين كان يتوقع الإماراتيون رد فعل دبلوماسي على الأقل يرقى لجريمة نجاد، يفاجأ الإماراتيون باعتقال الشيخ سلطان القاسمي من بيته برأس الخيمة ليقضي بضعة أسابيع في قصر حاكم رأس الخيمة قبل نقله إلى أبوظبي بعد فشل جميع الضغوط والمساومات التي تعرض لها الشيخ سلطان، وفق ما يقوله مقربون من دعوة الإصلاح.
وفي (21|4|2012) أصدرت دعوة الإصلاح بيانا استنكرت فيه اعتقال الشيخ القاسمي “بأشد عبارات الإدانة والاستنكار” حسب وصف البيان. لتبدأ فصول المحاكمة له ولعشرات آخرين عرفت قضيتهم بـ”ال94″ ليحكم عليه بالسجن لمدة 10 أعوام.
مرافعة الشيخ المعتقل
قدم الشيخ المعتقل مرافعة تاريخية حول لائحة اتهامات نيابة أمن الدولة، مفندا وداحضا “المزاعم” الواردة فيها بالدليل والمنطق والبرهان، غير أنه وكما قال الشيخ في ذات المرافعة، إن جهاز الأمن لا يأبه بأي دليل أو توضيح حول دفوع المعتقلين كونه اتخذ قرارا بالمضي في هذه المحاكمات حتى النهاية.
وقال الشيخ، “اتهمتنا نيابة أمن الدولة، بدون دليل معتبر، بأننا أسسنا تنظيماً يهدف إلى الاستيلاء على نظام الحكم في الدولة. وهذا افتراض خاطئ فيه إهانة لنظام الحكم في دولة الإمارات، كونه يصوره بأنه نظام ضعيف، آيل للسقوط، وسهل الاستيلاء عليه، وهذا افتراض متهافت، لا نقبله”.
وأضاف بكل ثقة، “إن شعب الإمارات الأصيل، شعب قوي متماسك لا يمكن أن يفرط بقيادته الرشيدة أو يسمح لأحد أن يتعدى عليها، وفي نفس الوقت لا يمكن أن يفرط بفرد واحد من أبنائه بناءاً على تهمة لا أساس لها”.
وعد الشيخ القاسمي جهاز أمن الدولة كغيره من الأجهزة التنفيذية الأخرى التي لا تعلو على المحاسبة والنقد والتصحيح في حال انحرافه أو تقصيره.
وأكد أن الشيخ صقر بن محمد القاسمي –رحمه الله- هو من كلفه برئاسة جمعية الإصلاح، وما دعوة الإصلاح إلا إحدى فروعها الإدارية. ليؤكد ما نص عليه قانون العقوبات: “لا جريمة إذا كان الفعل قياماً بواجب تأمر به الشريعة أو القانون، إذا كان من وقع منه الفعل مخولاً بذلك قانوناً”.
ونفى الشيخ المعتقل، “تسمية التنظيم السري” قائلا، ماذا بقي من السرية إذا كان مجلس إدارة دعوة الإصلاح، رئيساً و أعضاءً، أسماؤهم معلنة في الانترنت ووسائل الإعلام، وكذلك الحال بالنسبة لكل لجنة من لجان العمل؟؟
ودحض شبهة الولاء للدولة، قائلا،” إن ولاءنا لربنا ثم لولاة الأمر ليس تكتيكاً بل هو ثابت من الثوابت الشرعية في دعوة الإصلاح، فحكامنا، يعتبرون خطاً أحمر، لا يجوز تجاوزه بأي حال من الأحوال. ولهم علينا حق الطاعة والنصح بالمعروف”.
واختتم الشيخ القاسمي مرافعته التاريخية بالقول،” إن الوطنية الحقيقية ليست قولاً باللسان فحسب، بل لابد أن يصدقه الفعل والعمل، وتظهر مكانتها الحقيقية لدى المواطن إذا اختبرت بالبلاء ومواقف التضحية”. وفي موضع محاكمة الشيخ سلطان “المسيسة”، والتضحية التي قدمها في الصبر والاحتساب بالسجن ومصادرة الممتلكات لهو النجاح الحقيقي في اختبار الوطنية الذي سقط فيه كثيرون.
الانتهاكات الحقوقية بحق الشيخ
قبل اعتقال الشيخ سلطان بدأت منظمات حقوق الإنسان رصد وتوثيق الانتهاكات الحقوقية الواقعة على معتقلي الرأي بصفة عامة، وعلى الشيخ سلطان بصفة خاصة.
ومن بين التقارير الحقوقية الرسمية الموثوقة تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر عام 2013، الذي أكد وجود شهادات من معتقلين تفيد “قيام مسؤولين حكوميين بممارسة التعذيب”.
وأضاف، “كانت هناك عدة تقارير تذكر عن وحشية الشرطة وحراس السجون وتقارير إضافية تفيد أن أعضاء مجهولين ممن ينتسبون إلى قوات الأمن يسيؤون معاملة المحتجزين”.
ويشير التقرير إلى محاكمة الشيخ سلطان، في أكتوبر تم محاكمة سجناء بتهمة “التآمر لإنشاء فرع لجماعة الإخوان المسلمين”.
و فصّل التقرير أنواع التعذيب التي تعرض لها الشيخ سلطان ورفاقه، “قام حراس السجون بإخضاع السجناء للضرب والصعق بالصدمات الكهربائية، وتعريضهم لحرارة شديدة جداً أثناء تواجدهم في الحبس الانفرادي”.
واستطرد التقرير، كذلك أفاد “السجناء بتعرضهم لتهديدات الحراس بإصابتهم بفيروس نقص المناعة البشرية أو الاعتداء الجنسي أو الموت أو تعريضهم لمزيد من التعذيب لعدم اعترافهم بالتهم الموجهة ضدهم”.