مجدالدين العربي – وطن (خاص)
يقولون إن أسرع الطرق إلى قلب الرجل هو معدته، بينما ترى الشعوب العربية في ظل حكامها المزمنين أن أسرع الطرق إلى كتاب جينيس هو “الطبخ” ومشتقاته، ومن هنا شاعت في دنيا عرب اليوم ثقافة أكبر وأطول وأضخم، التي تدور في حلقة الطعام ولا تكاد تخرج عنه.
والمثير في الأمر أن العرب يتنافسون على جينيس الطعام فيما بينهم، فإذا غارت “فلافل ستان” من “طاجن ستان”، صنعت أكبر قرص فلافل لتزيحها عن عرش جينيس، وإذا حاولت “تبولة ستان” تحقيق اختراق على جبهة الرقم القياسي انبرت لها “كبسة ستان” فردتها على أعقابها خائبة، وإذا ما قررت “باجة ستان” أن تحمل اللواء وتنهض بالأعباء، واجهتها “ملوخية ستان” أو “عصيدة ستان” أو “كشري ستان” بضراوة.. وهكذا تستمر المعارك بين جمهوريات وملكيات “طبخ ستان” وتتجدد كل حين بإشراف ورعاية وتشجيع منقطع النظير من “العم جينيس”.
نتجنى؟.. طبعا لا.. نبالغ؟.. قطعا، بل إننا نهون من الأمر، ففي أرشيف الإعلام العربي مئات التقارير عن أكبر صحن كبسة وأطول سندوتش فلافل، وأضخم صحن تبولة أو حمص و..و..، من ميادين تتبارى شعوب العرب فيها منذ عشرات السنوات، لتلتهم أطنانا من الغذاء و”تلحس” عقول الجماهير، دون أن يتغير تعلق الناس بها وجريهم وراءها رغم تغير ظروف المنطقة وتقلباتها.
ولنأخذ بعض الأمثلة قريبة العهد، التي توضح احتكار العرب باب الطبخ في كتاب جينيس، ففي 22 نوفمبر من كل عام تحل ذكرى استقلال لبنان، وفي ذكرى هذا العام التي تصادف مرور 72 سنة على الحدث الجليل، لم يجد بعض اللبنانيين من طريقة للتعبير عن فرحهم بالذكرى وولائهم للوطن إلا عبر تحضير “أكبر منقوشة زعتر على الصاج” في العالم، متسلحين بعزيمة لا تلين لكسر الرقم القياسي السابق، الذي تم تسجيله في المملكة العربية السعودية!
وإذا كان لبنان من أشهر من فتح باب التنافس في باب الطبخ، فصنع أكبر صحن حمص، وأضخم صحن تبولة، وأعد أكبر صحن فلافل، متماشيا مع تراث شعبه الذي يتفنن في إعداد الطعام وتزويق السفرة، فإن من الغريب أن تسعى بلاد ممزقة بالحرب ومثقلة بمئات آلاف القتلى وملايين المشردين، أن تسعى للمنافسة في باب الطبخ، بينما لايكاد بعض أبناء هذا البلد يجدون ما يسد رمقهم.
فقبل نحو 4 أشهر، أعلن في مدينة حمص السورية عن دخول موسوعة “جينيس” عبر أطول سندويش فلافل في العالم.
حمص التي هجر النظام أغلبية أهلها وسكانها الأصليين، اختارت صنع سندويش الفلافل الأضخم بطول 65 مترا، ليس فقط ليقول النظام إنه أعاد الحياة إلى المدينة المدمرة عبر هذا السندويش، بل لينافس أيضا الجارة اللبنانية “عكار” التي سبق لها أن حازت قبل عام فقط على شارة جينيس، بسندويش فلافل طوله 40 مترا.
ولا يظنن أحد أن هذا هو حال الشعوب العربية المحكومة بالاستبداديين الذي جاءوا على ظهر دبابة أو بانتخابات صورية مزيفة، ففي مهد الربيع العربي تونس، شمر الكثيرون عن سواعدهم لصنع أكبر عجة بالنقانق في العالم، وقد شارك في تجهيز العجة الضخمة أكثر من 40 طباخا.
والأمثلة عن تنافس العرب في ميدان الطبخ والطعام لا تنتهي، ولو أردنا مجرد المرور عليها لاحتجنا صفحات وصفحات، أما لو أردنا أن نصف هوس العرب بالجري في هذا المضمار، فلربما يخطر ببالنا عبارات نركب بعضها على شاكلة شعارات شغلتنا عقودا طويلة، قبل أن نكتشف أنها كانت مجرد “زبد” يطفو، لتبقى الشعارات الحقيقية هي: الطبخ خيار العرب الاستراتيجي، كلنا في الطبخ شرق، ويل لأمة تزهد في جينيس الطعام ولا تسعى لتحطيم أرقامه، لاصوت يعلو فوق صوت الطبيخ، عشتم وعاش الطعام، الطبخ قضيتنا المركزية، ما أخذ بالصحن لا يسترد إلا بالملعقة، الكل يجازف أثناء الطبخ لكن أكبر مجازفة أن لا تطبخ، صراعنا مع الطعام صراع وجود.