نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريرا سلطت فيه الضوء على الهجوم الكلامي بين الولايات المتحدة وروسيا إزاء استراتيجيتهما في سوريا، وهو كلام يأتي في وقت يتعاون فيه دبلوماسيو البلدين لصياغة اتفاق سياسي محتمل لإنهاء الحرب الأهلية السورية التي قتلت أكثر من ربع مليون شخص وهيأت للدولة الإسلامية منزلاً.
وأضافت المجلة الأمريكية أن مسؤولاً روسياً رفيعاً سخر الثلاثاء الماضي من الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية ووصفها بأنها عديمة النتائج، وهي سخرية سارعت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون” للرد عليها؛ إذ استهزأ مسؤول عسكري أميركي من التكتيكات الجوية الروسية فوق سوريا ووصفها بالمنتهية الصلاحية، وأنها تكتيكات عفا عليها الزمن.
وأشارت المجلة إلى أن هذا التأرجح في الكلام بين روسيا وأميركا يمكن أن يحجب تحولاً هاماً في ميدان القتال في سوريا، حيث أقر مسؤولون أميركيون أن موسكو شرعت في قصف أهداف للدولة الإسلامية بشكل أكبر من قصفها لمجموعات تمرد تقاتل -بمساعدة أميركية في أحيان كثيرة- نظام بشار الأسد، وهي نقطة مثلت خلافاً بين روسيا وأميركا منذ بدء الغارات الروسية أواخر شهر سبتمبر الماضي.
وأشارت فورين بوليسي إلى أن جولة المحادثات الأخيرة التي انتهت في فيينا الأسبوع الماضي دعت السعودية إلى استضافة اجتماع لرموز المعارضة السورية منتصف ديسمبر المقبل، لاختيار وفد ينضم للمحادثات مع النظام السوري، وأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار يمكن أن يكون مصاحباً للمفاوضات تلك.
أوضحت المجلة أن الروس كانوا أول من يبدون هذا الاشتباك مع الأميركيين، فقد اتهم وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف في حوار للتلفزيون الروسي الثلاثاء الماضي واشنطن بأنها تخفف هجومها على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وشبه لافروف الولايات المتحدة “بالقطة التي تريد اصطياد السمك من الماء دون أن تبتل”.
واعتبر لافروف أن واشنطن ترغب فعلياً في بقاء الدولة الإسلامية كي تضعف نظام الأسد، وتريد في الوقت ذاته إبعاد التنظيم عن الهيمنة الكاملة على سوريا.
وأشار لافروف إلى أن أكثر من 8 آلاف غارة جوية نفذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد الدولة الإسلامية منذ أواخر 2014 لم تعطي نتائج ملموسة، وأنها أسهمت في توسيع رقعة التنظيم.
وفي معرض رده على تصريحات وزير خارجية روسيا، وصف المتحدث باسم التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، العقيد الأميركي ستيف وارن، ضربات روسيا بأنها تفتقد للدقة المطلوبة، وأن الطيران الروسي في سوريا يستخدم قنابل غير موجهة، كما أن تاريخ روسيا في انتقاء الأهداف المشروعة يتسم بالطيش وعدم المسؤولية.
ويشير وارن إلى القصف الهائل الذي تنفذه القاذفات الروسية ضد مدينة الرقة التابعة للدولة الإسلامية وحقول النفط، وزعم أن هذا النوع من القصف صار عتيقاً، وأن الدول الغربية لم تعد تستعمله.
يوضح وارن أن تجميع عدد كبير من الطائرات الحربية لقصف مكان واحد يعد تكتيكاً «بالغ القدم»، ومثل هذه التكتيكات تستخدم فقط إذا لم تملك الدولة الضاربة التكنولوجيا والمهارات والقدرة على إجراء ضربات دقيقة، وهي المهارات المتوافرة لدى التحالف الدولي بقيادة أميركا.
لكن في الأسابيع الأخيرة، تغيرت تركيبة الغارات الجوية فوق سوريا بشكل كبير، ففي البداية ركز الطيران الروسي صواريخه بشكل حصري على المجموعات المناهضة لنظام بشار الأسد.
أما في الثلاثاء الماضي، ووفقا لمسؤولين أميركيين، فإن روسيا وجهت ضربات مباشرة لمعقل تنظيم الدولة في سوريا وحقول النفط التي تمول معظم عمليات التنظيم.
وتشير فورين بوليسي إلى أن الضربات الروسية الأخيرة فوق الرقة تمثل المرة الأولى التي تنبه فيها روسيا التحالف بإجرائها عملية جوية، وذلك عقب الاتفاق الذي وقع في الـ 20 من الشهر الماضي والمعني بتقليل خطر اصطدام الطائرات الروسية بنظريتها من التحالف أثناء تنفيذها مهمات فوق روسيا.
لكن مع تصعيد فرنسا لغاراتها فوق سوريا عقب العمليات الدامية التي أسفرت عن قتل 120 مدنياً في باريس في عملية لتنظيم الدولة، فإن الحرب في سوريا تتأهب لتحول آخر مجددا.
وأشارت المجلة إلى أن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند يعتزم التنسيق عسكريا مع نظرائه في أميركا وروسيا.
ففي الأسبوع الماضي أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الطراد الصاروخي “موسكوفا” بالعمل مع حاملة الطائرات تشارل ديجول لضرب تنظيم الدولة.
وختمت المجلة بالقول: إنه فيما تبدو فرنسا عازمة على التعاون مع أي دولة منخرطة في الصراع السوري، فإن الجيش الأميركي حتى الآن يواصل رفض التعاون مع الروس.