وعد الأحمد- وطن – خاص
بدأ المصفقون للاحتلال الروسي لسوريا باختلاق الأعذار التي ما أنزل الله بها من سلطان ويجمعون “الشتيتين” أو “الشامي على المغربي”–كما يقول الشوام في أمثالهم الشعبية- وآخر هذه التبريرات اعتبار سوريا “أرض مقدسة ” وهو تبرير يستلهم إلى حد كبير ماورد في وعد بلفور المشؤوم قبل أن يحتل شذّاذ الأرض فلسطين العربية”.
وفي هذا السياق نشرت الكاتبة الروسية (آنا بورشفسكايا) في موقع معهد واشنطن دراسة بعنوان:(دعاية روسيا بشأن سوريا) بدأتها بعبارة “هذه أرضنا…أرضنا المقدسة!” التي وصف بها النائب في البرلمان الروسي سيمون باغداساروف سوريا في معرض البرنامج الحواري التلفزيوني الرائد “ليلة مع فلاديمير سولوفييف” على قناة روسيا 1 الحكومية في بداية تشرين الأول/أكتوبر”وتابع باغداساروف- كما تقول بورشفسكايا-: “أتتنا الحضارة من هناك بالذات… فلولا سوريا، لما كانت روسيا اليوم” موضحاً أن تاريخ روسيا يعود إلى زمن وصول الكهنة السوريين “وليس اليونانيين أو الله يعلم مَن” إليها من أنطاكية.
وأوضحت الكاتبة الروسية أن “معظم الروس يعارضون التدخل العسكري الروسي في سوريا”. وواجهت آلة الدعاية التابعة للكرملين صعوبات نوعاً ما في إيجاد الرسالة المناسبة حول سوريا. وقد استغرق الأمر-كما تقول-عدة أيام لكي تجيب وزارة الدفاع الروسية على أسئلة الصحفيين، وعندما قامت بذلك، ارتأت أحياناً بكل بساطة عدم التعليق. وبدا أن المسؤولين الروس رفيعي المستوى كانوا يفتقرون إلى فهم واضح لنوايا الحكومة”.
ولفتت كاتبة الدراسة إلى عدد من التبريرات التي وضعها الكرملين كذريعة للتدخل الروسي ومنها ما جاء على لسان المتحدث باسمه “ديمتري بيسكوف” عندما قال بأن معظم عناصر «الجيش السوري الحر» المدعوم من الغرب قد انضموا إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، وعلى النقيض من ذلك قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن «الجيش السوري الحر» ليس تنظيماً إرهابياً ويجب أن يشكل جزءاً من أي حل سياسي”.
ولفتت الكاتبة الروسية وفقاً لتصريحات المسؤولين الروس إلى أن “الغرب يُعتبر مسؤولاً عن بروز الإرهاب في سوريا وهو يواصل دعم الجماعات الإرهابية في صراع جيوسياسي يهدف إلى تقويض روسيا”وانطلاقاً من هنا، يتصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجهود الفعلية الرامية إلى استئصال الإرهاب، بالرغم من عدم تقديم تعريف واضح عن الإرهاب” ومضت الكاتبة لتشير إلى التحرك الديني في روسيا بإتجاه تبرير إحتلال روسيا لسوريا حيث “سارعت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، التي يستخدمها الكرملين كأداة للقوة الناعمة، إلى دعم الكرملين. وفي السياق ذاته أعلن رئيس دائرة الشؤون العامة في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الأب فسيفولود تشابلن أن “المعركة ضد الإرهاب هي حرب معنوية إذا ما صح القول، وهي حرب مقدسة”
وسرعان ما أحدثت الدعاية فرقاً على الأرض. ففي أواخر تشرين الأول/أكتوبر، أظهرت الاستفتاءات معدل نمو قياسي في الأصوات المؤيدة لبوتين نسبته 89.9 في المائة، وقد عزت الإجراءات التي اتخذها بوتين في سوريا كأحد أسباب هذه الزيادة، في حين لا تزال أقلية فقط تعارض التدخل الروسي في سوريا. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا- بحسب الكاتبة الروسية-“إلى أي مدى يمكن الوثوق بنتائج هذه الاستفتاءات وإلى متى سيستمر هذا التأييد؟”
وتشير بورشفسكايا إلى تداعيات هذا التحرك السياسي والديني الذي” حلّت فيه أخبار سوريا بسرعة محل أخبار أوكرانيا” وأصبحت – حسب وصف الكاتبة بمثابة مخدِّر جديد، أو كما ورد على لسان المحلل السياسي أندري بيونتكوفسكي، “مخدّر إمبراطوري” يسمح للشعب الروسي بـ “نسيان الإحراج الذي انتابه بفِعْل التجربة الأوكرانية الفاشلة، وإعادة بث روح النصر المسكّرة التي طبعت الربيع الروسي عام 2014، والقضاء في الوقت نفسه على شعور الغرابة والانزعاج الذي بقي يراود الروس عندما قتلوا الأوكرانيين الشبيهين بهم”.
وسخرت الكاتبة من محاولة الربط بين ماجرى من التدخل الروسي في أوكرانيا ومن التدخل ذاته في سوريا، مشيرة إلى أن الصور في سوريا على عكس أوكرانيا تبدو عقيمة”. وهي تذكّر المرء في بعض الأحيان-كما تقول- بأفلام المغامرة أو ألعاب الفيديو المشوقة” مضيفة أن “هناك طائرات تقلع وقنابل تسقط على المباني في الوقت الذي يناقش فيه المعلقون، على سبيل المثال، ما إذا كان الطقس في سوريا مؤاتياً للضربات الجوية- بينما تقدم وزارة الدفاع تقارير إخبارية منتظمة مع خرائط ملونة وتقارير عن مهام ناجحة. كما عُرضت مقابلات مع قوات الأسد وهي تبدي امتنانها لروسيا على خلفية المساعدات التي تقدمها لهم”.
والأهم من ذلك – كما توضح كاتبة الدراسة- التقارير التي تشير إلى أن الطيارين الروس في محافظة اللاذقية يحصلون على قسط كبير من الراحة ويطالعون الكتب ويتناولون وجبات دسمة في منشآت نظيفة في أوقات فراغهم”.
وتسوق الكاتبة الروسية بعض طرق التأثير على كل من الشعب الروسي والسوري وهي طرق لا تخلو من المشاعر-بحسب وصفها وعلى سبيل المثال، تصف القصيدة الغنائية “سوريا، أختي، أخوك الروسي سينقذك” مقابلات مع سوريين تتطرق إلى وحشية “المتطرفين” المدعومين من الغرب. وهي تروج لفكرة أن كل من يحارب الأسد في سوريا هو وحش يمارس التعذيب والقتل بأفظع الطرق. كما أن صور الأشخاص الأبرياء، خصوصاً الأطفال وهم يتعرضون للتفجير، تُظهر العنف وإراقة الدماء، وتعزز الفكرة بأنه لا توجد بدائل أخرى للأسد وأنه هو المصدر الوحيد لفرض النظام وإحلال السلام.