كتب “الأنثروبولوجي” الفرنسي، سكوت أتران، في مقال نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية أن العنف المجنون الذي يمارسه تنظيم الدولة هو تعبير عما سماه الباحث أبو بكر الناجي في كتابه “إدارة التوحش”.
ويرتكز الكتاب الذي أُعد خصيصا ليكون دليلا إرشاديا لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين على تنويع الهجمات وضرب الأهداف اللينة لتحالف الصليبية – الصهيونية في كل مكان من العالم الإسلامي وخارجه لتشتيت التحالف قواه وتجفيف منابعه.
ويدعو الكتاب المقاتلين ضرب الأعداء وهم في غفلة من أمرهم، من مثل استهداف مواقع سياحية يرتادها “الصليبيون”، وهو ما سيؤدي إلى تشديد الحراسات عليها وزيادة النفقات. ويدعو الكتاب إلى استهداف الشباب الغاضب الذي يتمتع بالطاقة والمثالية ولديهم الاستعداد للتضحية بأنفسهم. ويحتوي الكتاب على إرشادات تدعو لتعرية ضعف أمريكا وقوتها المركزية ودفعها للتخلي عن الحرب النفسية والحرب بالوكالة وبالتالي جرها لحرب مباشرة.
ويشير “أتران” إلى أن تنظيم الدولة يريد بعملياته كسر التقسيم الحدي بين الخير والشر ويعتقد أن هناك منطقة رمادية حان تدميرها من خلال إعلان الخلافة. مشيرا إلى مقالة نشرتها مجلة “دابق” التابعة له. ويرى “أتران” أن الإحيائية العربية السنية المتشددة، والتي يقودها تنظيم الدولة الإسلامية، تعبر عن حركة ثورية دينامية ورواية مضادة للسائدة ذات خطاب عال، ولديها متطوعون من جنسيات مختلفة لم تحظ بها حركة منذ الحرب العالمية الثانية.
وهي حركة استطاعت في أقل من عامين السيطرة على مناطق ذات مساحة تزيد عن مئات الألوف من الكيلومترات المربعة ويعيش فيها ملايين الناس. ورغم الهجوم عليها من كل الأعداء في الخارج والداخل، إلا أنها لم تضعف أو تستسلم على الأقل في الوقت الحالي. ويتجذر التنظيم في المناطق الخاضعة له ويتوسع في جيوب داخل مناطق آسيا- الأوروبية.
ويعتقد “أتران” أن التعامل مع تنظيم الدولة كحركة متطرفة أو إرهابية سيؤدي للتعمية على شروره أو خطره. كما إن وصفه بالعدمية يعبر عن محاولة تجنب فهمه والتعامل معه ومهمته المغرية لتغيير العالم. ويرى أن الحديث الدائم عن هدف التنظيم لإعادة عجلة التاريخ للوراء وإلى العصور الوسطى كمن يقول إن حزب الشاي الأمريكي يريد أن يعود لسنة 1776. ولكن الحقيقة تظل أعقد مما يرى البعض.
فكما يقول أبو موسى وهو مسؤول إعلامي في مدينة الرقة: “نحن لا نريد عودة الناس لزمن الحمام الزاجل، بل على العكس نريد الاستفادة من التقدم ولكن بطريقة لا تناقض الدين”. ويقول “أتران” إن تنظيم الدولة يحاول ملء الفراغ في أي مكان من أفريقيا أو آسيا يعيش فوضى ويحاول صنع “توحش” في أوروبا.
وفي هذا يقوم التنظيم باستغلال الدينامية المثبطة بين صعود التشدد الإسلامي وإحياء المشاعر المعادية للأجانب لدى الحركات القومية – الإثنية في أوروبا، والتي تقوم بتقويض الطبقة المتوسطة عماد الاستقرار والديمقراطية بنفس الطريقة التي قامت بها الحركات الشيوعية والفاشية بتدمير الديمقراطية خلال العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي.
وفي شهادة له أمام الكونغرس ومجلس الأمن، قال فيها إن ما يجذب اللاعبين القتلة في العالم اليوم ليست تعاليم القرآن أو التعاليم الدينية بقدر ما يلهمهم القضية المثيرة التي تعدهم بالمجد والرفعة. فالجهاد هو وظيفة تتساوى فيها الفرص، سريعة ومجيدة ومقنعة وموضة في الوقت نفسه.
وحسب استطلاع أجراه معهد أي سي أم في يوليو 2014 وجد أن واحدا من كل أربعة فرنسيين من الفئة العمرية ما بين 18-24 لديهم مواقف متعاطفة تنظيم الدولة، مع أن نسبة المسلمين تتراوح ما بين 7-8% من عدد السكان.
فالتنظيم جماعي، وهناك 3 من كل 4 متطوعين من الخارج ينضمون إليه مع عائلاتهم وأصدقائهم. وكلهم شباب يعيشون مرحلة انتقالية في حياتهم، مهاجرين وطلابا وشبابا يبحثون عن عمل أو تركوا بلادهم وينضمون للدولة.
ويقول “أتران” إن هناك “رواية مضادة” وغير جذابة وغير ناجحة وسلبية في الأعم الأغلب لمواجهة المدخل الذي يعتمد عليه التنظيم، وهو إدارة الشباب لا الحوار معهم. ويقضي مثلا التنظيم مئات الساعات من أجل تجنيد فرد واحد والتعرف على مشاكله الشخصية ومظالمه وإدراجها في الرواية العامة عن اضطهاد المسلمين.
ومن هنا يرى “أتران” أن المدخل لمواجهة التشدد يفتقد الكثير من المظاهر الإيجابية وأهمها تجنبه فهم طبيعة الجهاديين. فمن أجل مواجهة تنظيم الدولة علينا فهمه كما يقول، وهو فهم غائب عن رؤية الطبقة السياسية.