“مشكلات مصر تتسبب في تآكل صورة السيسي الذي لا يقهر”.
تحت هذا العنوان، جاء تقرير بوكالة أنباء أسوشيتد برس، حول تزايد الانتقادات الحادة التي تمس الرئيس المصري في الآونة الأخيرة.
وإلى نص التقرير
لقد كانت انتقاداتها حادة ومذهلة، لا سيما وأنها جاءت من مقدمة برامج بالتلفزيون المصري.
على غرار معظم وسائل الإعلام في مصر، اعتاد التلفزيون المصري ألا يفعل شيئا إلا امتداح الرئيس السيسي، الجنرال المصري الذي تحول إلى رئيس.
المذيعة عزة الحناوي طالبت السيسي باتخاذ موقف تجاه حالات الوفاة الناجمة عن السيول التي ضربت المناطق الشمالية.
وأرجع الكثيرون العديد من حالات الوفاة إلى إهمال السلطات للبنية التحتية.
وذكرت الحناوي أن ثمة حالة تجاهل للفساد، وخاطبت الرئيس بقولها: “طالما لا يخضع أحد للمساءلة، ستظل فقط تتحدث وتقدم وعودا دون نتائج. ولذلك يشعر الناس بالسأم”.
ونتيجة لذلك، اتخذت القناة قرارا فوريا بوقف الحناوي على الفور بدعوى ممارستها “سلوكا غير مهني”.
تعليقات الحناوي الصريحة في الأول من نوفمبر الجاري تشير إلى تآكل هالة السيسي “الذي لا يقهر”، التي كان يتمتع بها.
وبدا السيسي منيعا ضد الانتقادات منذ أن قاد عزل أول رئيس منتخب ديمقراطيا في 2013، بعد احتجاجات في أنحاء البلاد ضد مرسي والهيمنة السياسية للإخوان المسلمين.
واقتحم السيسي فيما بعد الرئاسة بعد نصر كاسح في انتخابات 2014.
ولأكثر من عامين، جرى امتداح السيسي ووصفه بمنقذ مصر.
وامتدح الإعلام كل خطوة للرئيس، وأخبروا العامة إنه يضع مصر على طريق الأمن والانتعاش الاقتصادي.
وفي واقع الأمر، لم يقابل السيسي أي معارضة سياسية، بعد انضمام غالبية الأحزاب العلمانية لقائمة الهاتفين للسيسي، وبفعل القمع العنيف الذي سحق الإخوان المسلمين، وقتل المئات من أنصارها، وزج بالآلاف داخل السجون.
النشطاء العلمانيون والموالون للديمقراطية الذين أججوا ثورة 2011 ضد المستبد طويل الأمد حسني مبارك لم ينجو من ذات المصير، إذ جرى حبس العشرات منهم، أغلبهم بتهمة خرق قانون يحظر بشكل مؤثر احتجاجات الشوارع.
ولكن في الأسابيع الأخيرة، بدا السيسي يصارع تطلعات الشعب الذي أنهكته سنوات من الاضطرابات، والذي لا يزال لا يرى إلا القليل من التحسن في الاقتصاد، أو البنية التحتية، أو على صعيد مكافحة الفساد.
هواجس القلق بشأن الاقتصاد تضاعفت بفضل تحطم طائرة الركاب الروسية في شبه جزيرة سيناء، الذي أسفر عن مقتل 224 كانوا على متنها.
الولايات المتحدة وبريطانيا يعتقدون إن الطائرة سقطت بفعل قنبلة زرعها فرع موال لداعش في سيناء، يشن تمردا ضد حكومة السيسي.
واتخذت روسيا قرارا بتعليق رحلاتها الجوية لمصر، وأوقفت رحلات مصر للطيران إلى أراضيها، وهي أمور من المرجح أن تترك تأثيرا مدمرا على السياحة.
السيسي نفسه يمتلك القليل من الصبر تجاه النقد، وعبر عن ذلك غاضبا: “ما يصحش كدة، ما يصحش كدة، إحنا بنتجاوز كل حاجة، ما يصحش كدة”، تعليقا على انتقادات أحد الإعلاميين بلقاء الرئيس رجل أعمال غربي بينما كانت الإسكندرية تغرق بالسيول.
ومضى السيسي يقول: “انتو بتعذبوني إني جيت وقفت هنا”.
خطاب السيسي قوبل بسخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وردا على سؤال مراسلة تلفزيونية الأربعاء بشأن أزمة السياحة، أجاب السيسي بشكل عاطفي مطالبا الشعب بعدم القلق، وتابع: “مش هناكل؟ ما ناكلش، نجوع يعني؟ نجوع، إيه المشكلة يعني؟ لكن بلادنا في سلام وأمان، وبنطلع لأدام، والنجاح واضح ولسة هانستمر إن شاء الله”.
وبالرغم من أن التذمر يشكل بالكاد أي تهديد مباشر على سلطة السيسي، إلا أن تبلد الحماس قد يمثل تحولا في شعبيته.
لا توجد استطلاعات رأي يعتد بها لقياس شعبيته السيسي.
لكن المشاركة الضعيفة نسبيا خلال الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، والتي بلغت 26.6 % فسرها معلقون، بينهم مؤيدون، على أنها برهان عدم ثقة في العملية السياسية التي يشرف عليها السيسي، وتجسد السخط تجاه الاقتصاد.
وتزايدت وتيرة التصدعات بشأن قانون التظاهر العنيف الذي تم فرضه بعد سقوط مرسي، برغم أحكام السجن الطويلة ضد من ينظم مظاهرات.
العديد من الجماعات شنت احتجاجات للتعبير عن مظالم شتى، بالرغم من عدم كبر أحجام المظاهرات، وتركيزها على مطالب محددة، لا قضايا سياسية كبيرة.
من جانبه، قال عماد الدين حسين رئيس تحرير صحيفة الشروق اليومية: “هذه الأزمات الاجتماعية والاقتصادية تتجاوز نطاق سيطرة السيسي. من المستحيل أن تقول بشكل دقيق إذا ما كان الرئيس يفقد شعبيته، لكنه إحساس عام يراود الكثيرين”.
تعليق عزة الحناوي المتحدي كان الأكثر صراحة تجاه السيسي، لكن ثمة تذمر متزايد جراء إخفاقات سياسية مدركة.
أسباب التذمر تتضمن السيول، وضعف قيمة العملة المصرية، والتداعيات السلبية التي صاحبت القبض على مالك صحيفة خاصة صري، والاحتجاز العسكري لناشط حقوقي وصحفي بارز.
في برنامجها هذا الأسبوع، ألقت لميس الحديدي بشكل غير مباشر اللوم على السيسي، رغم أنها مصنفة ضمن أقوى أنصار الرئيس.
وتطرقت الحديدي إلى واقعتي إلقاء القبض على رجل الأعمال صلاح دياب ونجله، والشجب الدول الذي صاحب احتجاز حسام بهجت، الناشط الحقوقي وصحفي التحقيقات.
ورغم إطلاق سراح الثلاثي، لكن الضرر طال بالفعل المناخ الاستثماري، وسجل الحريات الفقير بالفعل.
وحذرت الحديدي مما سمته “ثمنا سياسيا باهظا”، وتابعت: “ينبغي أن نمتلك عقلية سياسية تدير تلك البلاد، عقلية تأخذ في اعتبارها إذا ما كان الثمن باهظا”.
وعلى صعيد حقوق الإنسان، ثمة أصوات بين أنصار السيسي تشعر بالقلق بأن الأمر قد تجاوز المدى.
ثمة موجة من الاختفاءات لنشطاء شباب، ألقى مناصرون للديمقراطية اللوم بشأنها على الأجهزة الأمنية، لكن وزارة الداخلية نفت مسؤوليتها عن تلك الاختفاءات.
الأصوات المعارضة يتم إسكاتها بشكل سريع، كما أثار قانون كاسح لمكافحة الإرهاب القلق بشأن سلطة الشرطة.
من جانبه، قال وحيد عبد المجيد، البرلماني السابق والمحلل السياسي: “الأجهزة الأمنية لديها السيطرة الكاملة، حيث منحهم السيسي السلطة لإنهاء الحياة السياسية في مصر لأنه يرى أنها تعترض طريقه”.
واستطرد: “ والآن، فإنهم أحرار في فعل ما يشاءون. والنتيجة هي اتخاذهم قرارات تنعكس سلبا عليه”.