قال “رون بن يشاي” المحلل الإسرائيلي للشئون العربية إن تفجيرات باريس التي وقعت أمس وخلفت نحو 128 قتيلا هي بداية لحرب عالمية ثالثة، بين الغرب والإسلام الجهادي على حد وصفه.
واعتبر “بن يشاي” في مقال بصحيفة “يديعوت أحرونوت” أن هذه الحرب ستشن من البر والجو والبحر وستشمل العديد من الدول حول العالم في أسيا وإفريقيا وأوروبا ، مشيرا إلى أن الغرب سيضطر للتخلي عن شعارات حقوق الإنسان ليضمن أهم حقوق مواطنيه وهو الحق في الحياة.
إلى نص المقال..
آن الاوان أن ندرك أننا أمام حرب عالمية ثالثة. حرب ستكون مختلفة عن سابقتيها، لكنها ستدار أيضا في جميع أنحاء العالم. في البر، والجو والبحر. إنها حرب بين الإسلام الجهادي وبين الحضارة الغربية، حرب بين الإسلام المتشدد وبين كل من يعارض الاستسلام لقيمه ومطالبه السياسية.
هذه الحرب سوف نضطر كما هو متوقع أن نخوضها على الأرض، بالوحدات والدبابات الأمريكية، والفرنسية والبريطانية التي ستعمل في سوريا والعراق، وكذلك عبر وسائل أمنية تتخذ على المعابر الحدودية وعلى يد وحدات خاصة وعملاء استخبارات في بلجيكا وفرنسا وألمانيا وكذلك في الفلبين والصين وروسيا.
سنخوض تلك الحرب في مياه البحر المتوسط وكذلك من الجو بمقاتلات تشن الغارات على أهداف داعش والقاعدة في أنحاء أسيا وأفريقيا ومن خلال اتباع وسائل تأمين في المطارات وطائرات الركاب في كل أنحاء العالم. هذا هو شكل الحرب العالمية الثالثة، التي نحن جزء منها، ليس فقط منذ اليوم.
توجهت أصابع الاتهام على الفور تجاه داعش، وبعد أن تبنى المسئولية يمكن أن نرى في ذلك تعبيرا عن الاستراتيجية المحددة للتنظيم: تنفيذ ضربات إرهابية مؤلمة في الأماكن التي يسهل عليه العمل فيها ويمكن أن يحقق فيها انتصارا على مستوى الوعي مع الحد الأدنى من الجهد والمخاطر.
يمكن أن نرى بداية الهجوم الحالي عبر تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء قبل ثلاثة أسابيع. فالحرب في باريس جرى إدارتها وفقا لتلك الاستراتيجية. من الصحة الافتراض أنه تم التخطيط للهجوم على مدى شهور طويلة، لكن الخلفية متطابقة مع اعتداء الطائرة: فداعش يتلقى الآن ضربات قاسية في سوريا والعراق ويخسر عددا من مواقعه الهامة في قلب الخلافة الإسلامية التي يطمح في إقامتها.
لذلك يضرب داعش في عمق أعدائه، وكالعادة أوروبا هي أول من يتلقى الضربات. يفضل داعش والقاعدة ضرب أوروبا كونها تعتبر مهد المسيحية وما زالت التنظيمات الإسلامية المتطرفة ترى فيها موطن الصليبيين، الذين كما في الماضي يخوضون حربا دينية وثقافية على الإسلام. جاء اختيار فرنسا وباريس تحديدا كهدف للهجوم المركب لأن فرنسا تخندقت في جبهة الصراع الحضاري ضد الإسلام المتشدد. كذلك فإنها الهدف الأكثر سهولة للهجوم.
لماذا فرنسا؟
كانت فرنسا الهدف للهجوم المركب الذي شنه الإسلام المتطرف ليس فقط لأنها تحوي تقاليد حقوق الإنسان وحرية الحركة، بل لأن فرنسا والثقافة الفرنسية رمز لكل ما يخشاه الإسلام المتشدد ويشن عليه حربا شاملة.
سنت فرنسا قانونا يحظر على النساء ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، ووافقت المحكمة العليا لمجلة “شارلي إيبدو” على نشر الرسوم الكاريكاتورية عن النبي محمد ، ورفض الرئيس هولاند مؤخرا طلب الرئيس الإيراني المسلم روحاني بعدم تقديم الكحول على مأدبة عشاء أقامها على شرفه.
بالنسبة للجهاديين مثل كل هذا استفزازا لم يتجرأ أحد في العالم العربي على أن يأتي بمثله حتى الآن. لذلك هذا هو السبب الأول الذي جعل فرنسا تعلن الحداد على 150 شخصا من القتلى الأبرياء.
السبب الثاني أن فرنسا تضم أكبر وأقدم سكان مسلمين في أوروبا يعيشون في بؤر حضرية كبيرة، معظمهم في الأحياء الفقيرة، الأرض الخصبة المثالية لبث تعاليم الإسلام المتشدد في المساجد بتلك الأحياء.
تحدث الإرهابيون أمس لغة فرنسية سليمة ويمكن الافتراض أن بعضهم على الأقل كانوا مواطنين فرنسيين من أصول شمال إفريقية، ومن دول إسلامية أخرى في إفريقيا وأسيا. بهذه الطريقة يمكنهم الانغماس بين السكان لاختيار الأهداف، وجمع المعلومات حولها، وكذلك الفرار بعد التنفيذ.
من غير الواضح ما إن كان كل الإرهابيين انتحاريين أم أن بعضهم لاذ بالفرار. هذا هو السبب وراء فرض الحكومة الفرنسية حظر تجوال جزئي وإدخال الكثير من قوات الجيش لشوارع المدن، وهي نفس التدابير الي اتخذتها إسرائيل بالضبط مع اندلاع موجهة الإرهاب الحالية. الهدف أن يمنع وجود عناصر الأمن مزيدا من الهجمات، سواء لإرهابيين نجوا من الهجوم الأصلي أو مجموعات وأشخاص منفردين آخرين من المسلمين.
السبب الثالث من حيث الأهمية هو حقيقة أن فرنسا تقع في قلب أوروبا الغربية وحولها دول تضم جاليات كبيرة من المهاجرين المسلمين. فحرية الحركة بين الدول الأوروبية التي تنص عليها اتفاقية شنجن تمكن تلك الجاليات من تمرير المقاتلين الإرهابيين الذين سبق وشاركوا في حروب بالشرق الأوسط، وكذلك نقل السلاح المطلوب لتنفيذ الاعتداءات.
تصل كميات كبيرة من السلاح والذخيرة إلى أوروبا من ليبيا، عبر صقلية ومالطة واليونان والكثير من الأماكن الأخرى. هذا السلاح الليبي يتحرك كموجة فتاكة في أوروبا كلها وهو متاح لكل من يطلبه، ويمكن نقله دون أية مصاعب، مثلما رأينا في اعتداءات سابقة من دولة إلى أخرى.
الأمر نفسه ينطبق على المتفجرات، مع أنه بالنسبة للإرهابيين من السهل جدا تصنيع المواد المتفجرة بالوسائل المحلية- من الأسيتون وبيروكسيد الهيدروجين مثلا. والمعلومات متاحة لكل من يطلبها وأبرزت حماس خلال الانتفاضة الثانية كيف يتم تزويد الإرهابي بحزام ناسف بداخله مواد متفجرة محلية الصنع لا تقل فتكا. حدث بالعراق عملية مماثلة، والآن أيضا تشرب فرنسا من نفس الكأس.
سبب آخر لاختيار فرنسا هدفا، هو حقيقة أن باريس تعد مركزا لاستخلاص الثقافة الأوروبية وهي إلى حد كبير عاصمة عالمية من الدرجة الأولى. لذلك فإن الهجوم عليها ينطوي على تأثير كبير على الوعي. انتشر الرعب على نحو فعال. بدا أن المخربين زُودا أيضا بصفحات رسائل نقلوها إلى ضحاياهم، بهدف أن ينقلها من يبقى منهم على قيد الحياة للإعلام المتعطش لكل تفصيل، حيث سمعوا “تفجرونا في سوريا نفجركم في باريس”.
كانوا أيضا يرتدون ملابس مخيفة، يبدون معهما كمن خرجوا من أفلام رعب هوليودية، لكن السلاح والعبوات الناسفة كانت حقيقية. يمزج داعش بلا وعي العالم الافتراضي مع العالم الحقيقي وهذا هو سر نجاحه وسحره للمسلمين الشباب في الغرب.
نحو تغيير الفهم
يتطلب تنفيذ هجوم إرهابي على سبعة أهداف مختلفة الكثير من الوقت وتنظيم جيد. يتطلب التخطيط، وجمع السلاح والمواد الناسفة، ويتطلب اختيار الأهداف، وجمع المعلومات بشأنها استعدادا للتنفيذ، ويتطلب تجنيد منفذين بعضهم على الأقل انتحاريون على استعداد للموت، يتطلب القيام بجولة في أماكن الاعتداء والاستعداد بالقرب منها قبل موعد التنفيذ. لذلك يمكن القول إن الاعتداء جرى التخطيط والإعداد له قبل شهور وظل بانتظار ساعة الفرصة الاستراتيجية.
ليست هناك علاقة بين موجة الهجرة إلى أوروبا والهجوم الحالي. فالمهاجرون الذين فروا بجلودهم، حتى إن كان بينهم متطرفون إسلاميون، لم ينضجوا بعد لتنفيذ عمليات إرهابية. كذلك فهم لا يعرفون الساحة جيدا كمواطني فرنسا الأساسيين.
لكن يجب الاستعداد لاستمرار الاعتداءات ليس فقط في فرنسا، بكل في أوروبا كلها. لذلك سوف تضطر أوروبا لاستئناف الرقابة الصارمة على حدودها وستضطر للتصدي بشجاعة لأزمة حقوق الإنسان والحقوق الفردية مقابل ضرورة توفير الأمن.
حتى الآن، فضلت دول الاتحاد، ولا يمكن لومها على ذلك، حرية الفرد بالنسبة لمواطنيها على التحصن ضد الإرهاب. الآن سيتعين على أوروبا وتحديدا فرنسا الوصول إلى استنتاج أن أهم حق للفرد هو الحق في الحياة.
لسنا أمام فشل استخباري، بل فشل كامل في الرؤية يوجب تغير في طريقة التفكير. على الغرب إنشاء جهاز استخباري مشترك يصدر تقديرات ويخرج إنذارات فورية- ولا يتعلق هذا فقط بفرنسا ودول غرب أوروبا بل أيضا بروسيا، والصين ودول أخرى.
على دول أوروبا إنشاء قوات خاصة ونشرها داخل التجمعات الحضرية الكبيرة والصغيرة ليصبح بالإمكان الرد بسرعة على أي إنذار ومعلومات استخبارية.
الشكل الذي تنجح به إسرائيل في جمع معلومات استخبارية والعمل وفقا لها بسرعة من خلال وحدة يمام والوحدة التنفيذية للشاباك والوحدة الخاصة للجيش الإسرائيلي، يجب أن يكون نموذجا للمحاكاة.
يتضح تماما أن البيروقراطيين الأوروبيين، وموظفي الاتحاد، سيعارضون في البداية تبني هذا النموذج- لكن الواقع سيفرض عليهم ذلك على ما يبدو. سيضطرون أيضا لسن قوانين تسمح لتلك الأجهزة العاملة في مجال جمع المعلومات المحبطة للاعتداءات ووحدات الرد السريع، العمل بسرعة وبحزم لإحباط الاعتداءات قبل حصولها والتعامل معها بسرعة إذا ما دخلت حيز التنفيذ.
الحرب العالمية بين الإسلام القاتل- المتطرف وبين الحضارات الغربية، وتحديدا كل ما هو ليس إسلامي- يجب أن تدار بلا هوادة. على الأرض وفي الجو والبحر. ربما لن يعجبهم هذا في بروكسل- لكن كلنا في قارب واحد. وليس لموجة الإرهاب هذه أية صلة بـ”احتلال فلسطين”.